أهلا وسهلا بالأخت حـنان بطرس.
شاهدت الأخت حنان ، مع عشرات مئات المؤمنين، يوم خميس الفصح، غسل أرجل بنات مع بنين من قبل كاهن الرعية، وسمعت نتيجة لذلك إنتقاداتٍ شديدة أحيانا وخاصّة من غير الكاثوليك، ومُبَّررُ الناقدين أنَّ يسوعَ لم يغسل إلا أرجل رجال فقط دون النساء. فسألت :
## ما رأيُ الكنيسة الكاثوليكية في غسل أرجل البنات في خميس الفصح ؟
أما في المسيح فلا فرق بين ذكر وأنثى !
رأي الكنيسة الكاثوليكية واضحٌ وقد عبَّر عنه الرئيسُ الأعلى لها البابا ، الجالس على كرسي بطرس وبيده مفاتيح التعليم الصحيح والمعصوم من الخطأ في شؤون الأيمان لأنَّ المسيحَ قد ضمنَ له أنَّ أبواب الجحيم لن تقوَ على الكنيسة فما يحله أو يربطه على الأرض يحله الرب أو يربطه في السماء (متى16: 18-19). وقد صَّلى يسوع من أجله بنوع خاص كي لا يتزعزع إيمانه أمام تيَّار الضلال الجارف ،الذي قد يجرف إخوتَه، وأن يُثَّبتَ إيمانهم أيضا (لو22: 32). فالبابا نفسُه قد غسلَ أرجلَ إناثٍ و ذكور معًا دون تمييز أو تفرقة. فعل ذلك سنة 2013و 2015. وأعطى بذلك الضوءَ الأخضر لآتباع توجيهات الروح القدس لكنيسة المسيح، كيف تتصَّرف فيما يأتي من الزمن.
طبعا لابد وللبابا مُبَّرره ومفهومه عن كيفية التعبير عن الأيمان. لأنَّ هذه الممارسات ليست بذاتها هي الأيمان. بل إنها تُعَّبر عنه. أما الأيمان فهو أنَّ كلَّ المعَّمذين ، ذكورًا وإناثًا، هم تلاميذ المسيح. ورتبة غسل الأرجل هي رمز الى التلمذة للمسيح. والأثنا عشر مؤمنا الذين تُغسَلُ أرجلهم ليسوا وحدهم تلاميذ المسيح. إنهم يمَّثلون تلمذة الرعية كلها للمسيح. فيُختار منهم كل سنة عددٌ ليمثلوا الرعية. والرعية ليست متوقفة على الذكور فقط. بل الأناث أيضا جزءٌ من هذا الشعب. إنهن مدعوات أيضا الى أن يشهدن مع الذكور ليسوع المسيح. هذه الشهادة طلبها يسوع من كل المؤمنين به في العلية قبل أن يصعد الى السماء(أع1: 8). و حتى يعطوا شهادة صادقة فهم مدعوون جميعا الى صفاء الفكر ونقاء القلب ، إلى طهارة السيرة. لذا يقول مار بطرس :” أولوا المرأة حقَّها من الأكرام على أنها شريكة لكم في إرثِ نعمةِ الحياة ” (1بط3: 7). وهذا المبدأ سبق وأعلنه مار بولس لأهل غلاطية ، قائلاً لهم: ” كلكم لبستم المسيح {{ بالمعمودية}}. فلم يبقَ بعدُ … ذكرٌ وأنثى، لأنكم جميعَكم واحدٌ في المسيح” (غل3: 28).
تبَّدلوا بتجَّدُدِ عقولكم !
إنَّ المسيحية ليست عادات وتقاليد قبلية موروثة مقَّدسة لا تتغَّير. المسيحية حياة تتجَّدد مع كل ربيع ومع كل شعب ومع كل إنسان. إيماننا يدفعنا الى أن نتصَّرفَ ونقيمَ مراسيم تدوم فترة من الزمن لتبنيَ ايماننا وتشُّعَه الى الآخر. فعاداتنا وتقاليدنا هي ممارسات وقتية بمفعول زمني أو مكاني أو حتى ظرفي تعبيرا حسّيًا وصوريا يسندُ مسيرتنا نحو الحياة الأبدية، وشهادة ليُسَّهل على الغرباء عملية قبول المسيح. ومنها غسل الأرجل، ونعش المسيح، والماء المر، وقدسية الهيكل حتى يحرم صعود النساء اليه وأمورٌ أخرى كثيرة كان لها صدى مدهش ومفعول إيجابي قوي لبعض الأجيال وفي بعض البلدان. أما حضارة اليوم وتقنيته فلا تستسيغها بل تمجها. وأكثر من ذلك أصبح إطلاعنا على مضمون الكتاب المقدس وتأملنا فيه يدعونا الى غربلة كثيرٍ من عوائدنا. لأنها لا تغري الملحدين ولا تُغيّر سلوك المؤمنين نحو الأفضل. والروح القدس الذي ” يرشدنا الى الحق كله “(يو16: 13) يقول لنا بفم الكنيسة: يا مؤمن ! لا توقف مسيرة الحياة ولا تتقوقع في ما لا ينفعك ولا يبني حياتك ولا يشهد خاصة للمسيح. لا تخف أن تغَّير. لا تتشبث بما يجُّركَ الى الوراء. بل جَّددْ حياتك وآقرأ علامات الأزمنة وآنظر الى حاجة العالم وآستجب لها. غيَّر أنت ما فيك من دنيوي وآعطِ لأهل العالم ما هو فعلا إلهي وبَّناء. هكذا كتب بولس لأهل روما ونصحهم بأنْ : ” تبَّدلوا بتجَّدُدِ عقولكم لتمَّيزوا ما هي مشيئة الله وما هو صالح وما هو مرضي وما هو كامل” (رم12: 2).
يعملُ أعظمَ منها !
إختار يسوع رسلا جعلهم أساقفة. وآختار تلاميذ ودعاهم كهنة. أما الشماسية فقد أقامها الأساقفة لخدمتهم وخدمة الكهنة فيقوموا بخدمة الرعية وتنظيم أمورها بينما يتفرّغُ الرسل و الكهنة بالتبشير وتوزيع الأسرار. كان ممكنا ليسوع أن يقيم خدمة الشماسية مع الكهنوت لكنه لم يفعل ربما ليترك المبادرة للرسل حتى يتصَّرفوا مثله دون تردد. فيفكروا ويقرروا وينفذوا. وإذا آقتصر يسوع على غسل أرجل الرجال دون النساء ولم يخصص لهن دورا كهنوتيا ولا إداريا فلربما لم يكن الوقتُ والبيئة ملائمتين لهذا الأجراء فتركه للكنيسة، وهو يعرفُ متى سيحين زمن تبنّيها وكيف ستتخذ الكنيسة القرار بذلك ، لأنه هو معها يُرشدُها، وهي تعملُ بآسمه وبقُّـوتِه. لم يكن ضروريا أن يفعل يسوع كلَّ شيء في زمانه، بل تركَ أمورًا كثيرة لأنه لم يكن بوسع الرسل أن يستوعبوها فيتحملوها (يو16: 12)، سيوحي اليهم تنفيذها في آوانه ، وسيراها العالم مدهشة و غريبة، لهذا قال : ” من آمن بي يعملُ هو أيضا الأعمالَ التي أعملها. بل يعملُ أعظمَ منها..” (يو14: 12).
فالكنيسة إذن تقرأ علامات الأزمنة والروح يُرشدها في تطوير حياتها وأساليبها لتواكب حاجات الزمن وتخدم الأنسانية أفضل خدمة.