لماذا لعن يسوع شجرة التينـة ؟

أهلا وسهلا بالأخ ايفان بيباني.

لاحظ الأخ ايفان بأن يسوع لعن تينة خضراء (متى21: 19)، وقال بأنه كان ذلك في ” زمن الثمر”. بينما نعرفُ أنَّ يسوع كثَّرَ الخبزَ وأطعمَ الآلاف ، فســأَلَ :

## أَ لمْ يعرفْ أنَّ الشجرة مثمرة ؟ أم ماذا ؟

الشجرة مورقة ، غير مُثمـرة !

مُهّمٌ جدًا أن ننتبه ، عندما نقرأ الكتاب المقدس ، الى ما جاءَ في النص حرفيًا. فنعرفَ ما قاله حقيقة ، فلا نقَّولُهُ ما لم يقُلْه!. نصُّنا هذا قال :” .. فلم يجِدْ عليها غيرَ الورق”!. ثم لعنها فيبستْ حالا. فإما لم يكن قد حان بعدُ وقت حمل الثمر، وإما أنَّ التينة كانت عقيمة لا تثمرُ. ما ذكره متى حدث على الأكثر في شهر نيسان ، بين السعانين وفصح اليهود. وفصح اليهود يقع في 14 نيسان القمري ، الذي يبدأ بعد منتصف شهرآذارالشمسي. بما معناه في النصف الأول من شهر نيسان الشمسي. أي في بدء الربيع. والأشجارتكون في هذه الفترة قد أورقت وبُرعمُ الثمر يكون قد نتأ، رفعَ رأسَه.

هذا من جهة. ومن أخرى قصدَ يسوع التينة لأنه ” أحَّسَ الجوع” ، وطلبَ أن تشبع رمقه. لم تستجبْ له الشجرة. لآ أعطَتْهُ طعاما ولا حملت أصلا ثمرًا. ربما حتى لو برعمَ ثمرها لما كان بعد قد إمتلأ ولا نضجَ حتى يصلحَ للأكل. مع ذلك إلتجأ الربُ اليها. ثم لعنها. وأمام دهشةِ الرسل وإعجابهم صَّرحَ :” لو كان لكم إيمان لا يُداخلُه ريبٌ لفعلتم ما فعلت .. بل و نقلتم الجبال.. ” (أية 21).

وخلق الرب نباتا.. وشجرا مثمرًا !

هذا ما قاله الكتاب. والتينة لم تحمل ثمرا. ويسوع هو الله الذي به “صار كلُ شيء ، وبغيره لم يكن شيءٌ مما كان” (يو1: 3). والتينةُ لم تستجب لطلبه وحاجته. وحَّدَثنا لوقا عن رجل له بستان وفيه تينة لم تعطِ ثمرا. فقال للفلاح: “إقطعها!. لماذا تعَّطلُ الأرض”؟ (لو13: 6-7). كان يجب للتينةِ أن تستجيب لرغبة الله في أي وقتٍ كان. ومن يتمَّردُ على إرادةِ الخالق ينبُذُه. فلما طلبَ الله كان يجب للتينة أن تتفاعل مع أمره. لم تفعلْ. وقيمتها ووجودها بثمرها. ليس لها ثمر. لماذا توقف وتسيءُ ألى عمل الله؟. لم يبقَ لها مُبَّررٌ للوجود. إذن إنتهتْ.

ما كُتِبَ .. كتب لتعليمنا !

هكذا كتب بولس لأهل روما (15: 4) كما سبق وكتبه لأهل كورنثية:” وقد حدثَ لهم ذلك كله ليكون لنا مثلا. وكتبَ ..” (1كور10: 11). لعن يسوع التينة فيبست. ثم أتبعَ متّى الخبرَ بمثلين قالهما يسوع “للأحبار وشيوخ الشعب ” الذين كانوا يتحارشون به ليصيدوه ويوقعوا به فيتخلصوا منه ، هما مثل الأبنان والكرامين القتلة. وأنهى الأول بفضح يسوع لهم عن عدم إيمانهم قائلا:” العشارون والبغايا يسبقونكم الى الملكوت لأنكم لم تؤمنوا بالمعمدان. أولئك آمنوا به. وأنتم رأيتم ذلك ولم تندموا ولو الى حين فتؤمنوا به” (متى21: 32). أما الثاني فأنهاه باللعنة الصارمة للشعب المختار الذي رفض الأيمان بالمسيح، فقال :” إنَّ ملكوتَ الله سيُنزعُ عنكم، ليُسَّلم الى أُمَّـةٍ تجعله يُخرجُ ثمرًا “(متى21: 43).

فلعنُ التينةِ لم يكن عقابا حصرًا لها. بل كان درسًا وإنذارًا لقادة اليهود أنهم لم يُثمروا. لم يصبحوا نورًا للأمم وخلاصا الى أقاصي الأرض “(اش49: 6). هذا الشعبُ أصابه الغرور فأعمت بصيرتُه وصُمَّتْ آذانه (اش42: 19). لم يؤمن بالمسيح مُرسل الله بل حسدوه ،” إذا تركناه وشأنه آمن به جميعُ الناس” (يو11: 48)، فعزموا على قتله ، بل” أجمع الأحبارُ على قتل لعازر أيضا، لأن كثيرا من اليهود كانوا ينصرفون عنهم بسببه ويؤمنون بيسوع” (يو12: 10-11). لا يريدون أن يزاحمَهم أحد. طلب منهم الله ان يكونوا نورا أما هم فأصبحوا ظلاما. طلب منهم أن يُخَّـلصوا الناس أما هم فقتلوا من كلمهم عن الله وبآسم الله!. إنتظرَ الله من كرمه ” أن يثمر عنبا فأثمرَ حصرما برّيا !…أهدمُ سياجه فتدوسُه الأقدام…” (اش5: 2-5).

عرفَ يسوع أنَّ التينة لم تحمل بعدُ ثمرًا. مع ذلك طلبَ منها ثمرا. لم تقدر أن تعطيَه إيَّاه إذ كانت ” تينة بريّة عقيمة ” مثل شعب الله الذي إذ كان عقيما بدون ايمان لم يقدر أن يؤمن بيسوع ويسير تحت لوائه فيثمرَ خلاصا للأمم. فنبذه الله. يبسَ الشعبُ ولم يعُد بعدُ مختارًا. لا يريدُ المسيح أن يُعَّطلَ جحودُهم أرض الأيمان. لقد جاء حتى يُنَّقيَ بيدرَه ، فوضَعَ الفأسَ على أصل الشجرة المُدَّوَدة ليقطعها ويُحرِقَها (لو3: 9-17). أدركَ الأحبار أنَّ يسوع ” يُعَّرضُ بهم في كلامه فحاولوا أن يُمسكوه” ويتخَّلصوا منه بسبب حقدهم ولؤمهم.

وحتى ما ذكره السائل من تكثير الخبز لآشباع الناس لم يكن سوى علامةٍ لأزمنة الخلاص التي أخبرت عنها النبوءات ذكَّرَ بها يسوع سامعيه أنهم في الأزمنة المسيحانية ، أى المسيحُ بينهم ، وأنه هو المسيح المنتظر.

القس بـول ربــان