تتلى علينا اليوم القراءات : اش45: 18-25 ؛ { عدد11: 10-20 } عب3: 14 – 4: 3 ؛ يو1: 29 – 42
القـراءة : إِشَعيا 45 : 18 – 25
يدعو النبيُّ الشعب إلى فهمِ إلَهِه. لا يوجد إلا إلَهٌ واحد، هو خالقُ الكون. هذا الخالق يريد لشعبه الراحة والسعادة. إنَّهُ بارٌّ، قَوِّيٌّ ومُخَّلِص. القراءة البديلة : عدد 11 : 10 – 20 :– بدأ الشعبُ يتذَّمر على موسى بسبب نقص الطعام فتشَّكى موسى عند الله من حملِه الثقيل في إدارة الشعب، وطلب منه إمَّا أن يُعينه أو يأخذ روحه. فنصحَ اللهُ موسى في إشراك أفراد من الشعب في الأدارة ، وآختيار سبعين شيخًا مشهود لهم بالمعرفةِ ورِفْعةِ الأخلاق يُشاركونه في تحَّمل مسؤوليته في قيادة الشعب.
الرسالة : عبرانيين 3 : 14 – 4 : 3
يقول الرسول أننا، نحن المؤمنين بيسوع ، قد أَصبحنا شُركاءَ المسيح، ودُعينا إلى مُقاسمةِ ميراثِ ملكوتِه الأبدي، فلا نُشغِلْ أنفُسَنا عنه بأُمور الدنيا.
الأنجيل : يوحنا 1 : 29 – 42
يُعلِنُ يوحنا المعمدان للكتبة واللاويين، الموفدين من قِبَل الفرّيسيين ، أنه ليس هو المسيح الآتي. و يشهدُ بأنَّ يسوعَ الذي عمَّذَه هو المسيحُ إبنُ الله الموعود وقد أتى الى العالم. لم يكن يعرفُه، إذْ لم يسبقْ له أن إلتقى به. الله هو الذي كشَفَه له، وهو بدوره كشفَه لتلاميذِه.
شـــهادة يوحنا المعمدان !
نتقَصَّى، نحن الشرقيين، الأخبارَ من منابعها وننشرُها بسرعةِ البرق، ونتعَّقبُ خاصّةً أهلَنا وأقرباءَنا وننشَّدُ إليهم بتوَّدُدِنا ولقاءاتنا. ونعلمُ أنَّ قرابةً دموية ربطت بين يوحنا ويسوع ما دام والدته إليصابات تكون” نسيبة لمريم” أم يسوع (لو1: 36)، التي ما أن علمَت خبر حبل إليصابات الإعجازي حتى بادرت فسافرت بالسرعة القُصوى الى بيت كارم، في منطقة بيت لحم البعيدة عنها، حيث تسكن إليصابات لتُعينَها في الخدمة المنزلية. ومع ذلك يبدو أنَّ يوحنا عاش بعيدًا وغريبًا عن يسوع، فلم يلتقيا ولا تعارفا على بعضهما، حتى ولا في طفولتهما الواعية. ” لم أكن أعرفُه ” يقول يوحنا. ويُكَّررُها في ثلاثِ آياتٍ متتالية!. ويبقى مع ذلك أوَّلَ من عرفَ هويته الألهية، ما عدا مريم أمِّه، وآفتهمَ رسالتَه، وأوَّلَ من آمن به، و أوَّل من شهدَ له اَّنه مُخَّلِصُ العالم، ودعا الناس إلى الأيمان به وآتّـباعِه.
الذي أرسلني لأُعَّمد .. !
يضعُ يوحنا الرسول، كاتبُ الأنجيل، القاريءَ الكريم، منذُ بداية روايتِه، أمام حقيقةِ يسوع و هويتِه الألهية ورسالتِه الخلاصية.ويستندُ في ذلك الى شهودٍ لا فقط هم ” معاينون لحياته ” وإنَّما مصدر الثقةِ في قول الحق الذي إليه ترجعُ وتستندُ كلُّ شهادة. لم يخترع تلاميذُ يسوع من عندهم صورة له ولا ألَّهوهُ ولا إستقوا له صورة من الميثولوجيات البشرية. بل تلَّقوا إطارَها وآستنبطوا خطوطها الأساسية من يوحنا المعمدان الذي رأوا فيه شخصية” نبيِّ الله” ،لأنَّ سيرتَه تسامَتْ على سيرة أهل العالم، وغيرته على الحَّق والعدالةِ فاقت حدود البشر حتى كلَّفَتْه رأسَه. ظنَّ الناسُ حينًا أنَّه هو المسيحُ المنتظر، النبي الآتي لخلاص الناس، و تمَّنوا لو كان كذلك فرفضوا منافسة غيره له (يو3: 22-30). كان وجهه بريئًا وفكرُه نزيهًا يخلبُ القلوبَ ويُروي ظمأَ النفوس العطشى الى معرفة الحَّق وإلى بساطةِ النقاء. شعر بهذا لا فقط تلاميذُه بل وحتى الرؤساء وكانوا يلتذّون بالإصغاء إليه، ويعتبرونه بارًّا وقديّسًا (مر 6: 20). كان نزيهًا وصادقًا فلم يلتوِ مع إنحرافات الرؤساء بل إستنكر آمالهم و” آعترفَ غيرَ مُنكِرٍ، قال: لستُ المسيح” (يو1: 20). وحتى لمَّا حاولَ اليهودُ دسَّ الخلاف بينه وبين يسوع بسبب إبتعادِ الناسُ عنه ومتابعةِ يسوع كرَّر قوله” لستُ المسيح” (يو3: 28). لقد إقتنَعَ يوحنا برسالته الخاصّة وآلتزم بها وهي أن يُعِّدَ الطريقَ للمسيح (متى3: 3). وأدَّى رسالته بوعي وبدون تذَّمر وبدون المطالبة بأكثر من ذلك. أدَّاها بتصميمٍ وفرح. وكانت شهادتُه هي فعلاً رسالتَه التي تلَّقاها من السماء، من الله مباشرة. إنَّ اللهَ هو الذي أوحى إليه ليأتيَ فيُعَّمدَ وأعلن له أنَّ المسيح مخَّلِصَ العالم موجودٌ في العالم :” كان في العالم .. والعالمُ لم يعرفْهُ “(يو3: 26 ؛ 1: 10)، وأنه سيأتي إليه ليعتمد مُعطيًا له علامةً بها يتعَّرَفُ عليه و لا يتوَّهم بغيرِه ” الذي ترى الروحَ ينزلُ عليه “، وعليه عندئذٍ أن يكشِفَه للناس. رأى يوحنا العلامة فمَيَّزَه من بين عشراتٍ آخرين كانوا يوميًا يعتمدون على يده. ويُؤَّيدُ متى أنَّ يوحنا عرف يسوع لمَّا جاءَ يعتمد (متى3: 14). ويبقى هكذا عملُ يوحنا تنفيذًا فقط لمخطط الله و لأمرِه، لتتحَقَّقَ كلُّ بنودِ التدبير الخلاصي وتفاصيلِه، فلا يقوى عدُّوُ الأنسان على تشويه الحقيقة أو تضبيبِها. اللهُ يقودُ دَّفةَ التأريخ الخلاصي ويُثَّبتُ تفاصيلَ أحداثِه. هذا ما حصل ليوحنا الذي حاولَ، ببراءة نفسِه وتقديسًا وتكريمًا لعظمة الله، أن يمتنعَ عن تعميد يسوع طالبًا أن يقبلَ هو منه العماد، فرَدَّه يسوع قائلا :” ليكن هذا الآن، لأننا به نُتَمِّمُ مشيئةَ الله” (متى 3: 15). وهكذا سيكشِفُ بعدَه اللهُ لبطرس ولبقية الرسل لاهوتَ يسوع :” ليس اللحمُ والدم ـ الفكرُ والعلم !ـ كشفا لك هذا بل أبي الذي في السماء (متى16: 17).
رأيتُـهُ وشـهِدتُ له !
يوحنا لم يستنبط ولا إكتشف بعقله حقيقة هوية يسوع. إنمَّا هو الرب الذي أعطاه “علامةً ” يراها فيتأكَّدَ من حقيقة ما أخبرَه به. يُشركُ الله الأنسان ويساعدُه في عملية إكتشاف الحقيقة. وما يقبله الأنسان ويفهمه بالأيمان يكون قد إختبره قبل ذلك بالحواس. فبواسطة الحواس يكتشفُ الأنسان ما يعرُضه الله عليه من خلال أحداث الحياة اليومية. وهذا ما سيحصلُ للرسل أيضًا. فإنَّ شهادتهم عنه لم تستند إلى أقاويلَ ودعايات ولا الى” خرافاتٍ مُصطنعة” بل الى رؤيةٍ حِسِّية ومعاينة محدودة في الزمن أو سماع مباشر للمسيح (2بط1: 16-18). لذا لا يترَدَّد يوحنا فيكتب :” الذي كان منذ البدء ـ إلَهًا أزليًا ـ،.. سمعناه.. رأيناه بعَينينا .. لمَسَتْه يدانا من كلمةِ الحياة، لأنَّ الحياةَ تجَّلت فرأيناها ونشهَدُ لها ” (1يو1: 1-3). وحتى بعد القيامة لم يترَّدد يسوع عن دعوة التلاميذ إلى إستعمال حواسِهم لآكتشافِ الحقيقة التي أمامهم :” أُنظروا .. إلمسوا .. أَ لديكم ما يُؤكَل ؟.. فأخذ وأكل بمرأًى منهم “(لو24: 38-43).
ما يزال اللهُ يستعملُ الطبيعة لأعلان حقيقته ومشيئته. ويبقى التلاميذُ شهودًا فقط على ذلك : ” أنتم شهودٌ لي” (أع1: 8). وعى الرسلُ رسالتهم وأدّوها بأمانة :” يسوع هذا الذي أقامه الله نحن بأجمعنا شهودٌ على ذلك” (أع2: 32؛ 3: 15). وكانت الرؤية قَوِّيةً وساحرةً وأَخَّاذة إلى درجة حتى أعلنوا:” أمَّا نحن فلا نطيقُ أن نسكُتَ عن ذكرما رأينا وسمعنا” (أع4: 20) . فالمسيحية قائمةٌ على رؤية الله ، وملاحظةِ علامات الزمن ، وسماع كلام الله ، والشهادةِ لكل ذلك. فالكنيسةُ شاهدةٌ قبلَ أن تكون أيضًا شهيدةً. وبولس نفسُه سوفَ لن يستندَ ، في تبشيره ، على حكمة البشر ومنطقهم وقدرتهم بل على” ظهور الروح والقوة ، كي لا يستند إيمانُكم إلى حكمةِ الناس، بل إلى قدرةِ الله” وإلى” كلام المسيح ” (1كور2: 4-5 و 16).
هــوذا حملُ الله !
سمع يوحنا المعمدان كلامَ الله، حفِظه وتفاعلَ معه. دعاه الله وطلب منه أن يُبَّلِغَ البشر عملَه. وعدَ اللهُ مخَّلِصًّا وها هوذا الوعدُ تحَّقق. ولمَّا وعد الله بخلاص، لم يكُن الأنسان لا عبدًا لأحد ولا مُستَعْبَدًا من قِبَل أحد. لم يتواجدْ إنسانٌ غيرُه. كان قد إنزلقَ إلى حُفرةِ شهوتِه الحِسِّية. قَبِلَ عبوديةَ فكرِه الشخصي ورغبتِه في التعالي مُهمِلاً تحذيرَ الله والمنطق الألهي. كان ذلك خطأ ًمنه. كان اللهُ، بسبب حبِّه وعنايتِه، قد حذَّرَه من مغَّبةِ المخالفة وأنذره بسوء العاقبة، لكنه وثقَ بنفسِه وحسب أنَّ الله يغُّشُه، ففضَّلَ حرّيتَه وتقريرَ مصيره بنفسِه عوضًا عن الثقةِ بالله والتقَّيُدِ بمشورتِه. قيَّدَ نفسَه عوضَ ذلك بشهوتِه. أخطأَ فسقط ولم يقدر أن يُنقذَ نفسَه بنفسِه من ورطتِه. نعم كان ابليسُ مُحَّرِضَه على ذلك، لكنه كان حُرًّا في آختيارِه.
الذي يرفعُ خطيئة العالم !
وهوذا يُعلنُ اللهُ ليوحنا أنَّ الذي يُنقِذُ الأنسان ويرفعُ عنه الخطيئة ويُحَّرِرُه من قيود شهوتِه حاضرٌ في العالم، ويُباشرُ مُهِّمة الأنقاذ. سيُعَّرفه بهذا المُنقذ وعليه أن يُعلنه بدوره لآدم و بنيه. ولم يترَّدد يوحنا عن الشهادة والأعلان :” هوذا حملُ الله الذي يرفعُ خطيئة العالم “. وإذا دعا يوحنا يسوعَ ” حَمَلاً ” فلأنَّه رأى فيه الحمَلَ الذي فدى أسحق من الموت (تك22: 13)، والحملَ الفصحي الذي فدى أبكار بني إسرائيل من الهلاك (خر12: 22-27)، وتذكر ما قاله إشَعيا عن العبد المتألم،المسيح :” هوذا عبدي ينتصر، يتعالى ويرتفع ويتسامى جِدًّا” ، وآنتصاره بأنه “حملَ عاهاتنا وتحَّملَ أوجاعنا .. مسحوقٌ لأجل خطايانا.. ألقى عليه الرَّبُ إثمنا جميعًا.. مثل حملٍ سيقَ للذبح ..ضُرِبَ لأجل معصيةِ شعبِه..رضيَ الربُّ أن ..يُصعِدَه ذبيحةَ إثم” (إِشَ 52: 13؛ 53: 4-10). فيسوع هو هذا الحمل الحامل خطايا العالم.
شهدتُ أنَّه إبنُ الله !
سمَّى يوحنا يسوعَ أيضًا إبنَ الله. إنَّه الأبنُ المولود من اللاهوت أزليًا، الكلمة، والذي أعطاه إبنًا للبشر. فهو من لحمهم ودمهم”، ولكن ليس بإرادتهم ولا بطريقتهم، ” لا من رغبةِ رجلٍ بل اللهُ ولدَه ” لأنه هو الله الذي صار< إبنًا للأنسان > (يو1: 13-14). جاءَ اللهُ ليحملَ عن الأنسان حمله، فيدعوهُ :” تعالوا إليَّ يا جميعَ المُتعَبين والثقيليِّ الأحمالِ وأنا أُريحُكم ” (متى 11: 28). يتبادلُ الحِمْلَ مع الناس ليأخذَ حملهم الثقيل، حمل الخطايا، ويُعطيهم حِملَه الخفيف، حمل النعمة والبرارة، حمل الراحة والمجدِ والهناء. كما وَفَّرَ اللهُ لأبراهيمَ حمَلاً، و وصَّى موسى بذبح حملانٍ عن أبكارهم، جاء الله/ المسيح نفسُه حَمَلاً، تيسًا يحملُ خطايا كلِّ الناس فيُكَّفرُ عنها ويُبعِدُها فيُكَّومُها على رأس الشِّرير صاحبِها (أح16: 15-22). وبشهادتِه فتح يوحنا عيون الناس على الحقيقة، ودعاهم إلى التجاوبِ معها بالأيمان بيسوع المسيح.
له ينبغي أن ينمو ..!
أدَّى يوحنا إعترافَه وشهادتَه، وآنتهت بذلك رسالتُه. لقد هيَّأ الدربَ أمام يسوع وفتح باب التوبة. وأعلن أنَّ يسوعَ هذا الناصري هو إبنُ الله والمسيحُ المخَّلص الذي يغفرُ خطيئة الأنسان. وآنتقلت الكُرة الى ملعب الإنسان. فعلى البشر أن يتوبوا ويتبعوا المسيح سامعين كلامه لأنه آتٍ من فوق، من عند الله، وبدوره ” يشهدُ بما رأى وسمع” عمَّا لله وفيه (يو3: 31-32)، لأنَّه عنه وحدَه أعلن الله أنَّه ” الأبنُ الذي رضيَ عنه ” وطلب من الناس أن ” يسمعوا له ” (متى3: 17 ؛ 17: 5). وأبدى يوحنا سروره أنَّه كان ” قريبًا “للمسيح وقدَّمه للعالم. ولا يحزنُ ولا يتأَسفُ من أنَّ دورَه قد إنتهى، وأنَّ عليه هو أن يختفي عن مسرح الأحداث لتُسَّلَطَ الأضواءُ كلُّها على يسوع (يو3: 29-30). يوحنا مؤمنٌ أنَّ اللهَ الذي يقودُ أحداث التدبير الخلاصي الأيمانية هو يُوَّزعُ الأدوار ويُكَّلِفُ من يخدم القضية. وليس لأحدٍ أن ” يأخذَ شيئًا لمْ تُعطِهِ السماء” (يو3: 27). والكنيسة واعيةٌ على هذا الأمر. فهذا بطرس لا يَدَّعي لنفسِه قوَّة شِفاءِ المخَّلَع بل يعزو المعجزة مباشرة الى المسيح، مُستخدمًا إيَّاهُ لذلك (أع3: 12-16). كما لا يتوانى بطرس وبولس عن تذكير الآخرين أنَّ دعوَتَهم وصلاحياتِهم هي من الله وليست لا من عندهم ولا من أيِّ إنسان آخر (أع15: 17؛ غل1: 15-16؛ 2: 7-9 ).
ونحن : ماذا رأينا وكيف نشهد ؟
كان يوحنا رسولاً يكشفُ للناس هوية يسوع المسيح، ويقوُدهم الى الأيمان به وآتّباعِه. سبقَ المسيحَ ليُهَّييءَ العقول والنفوس ويُدخِلَهم إلى عالم الروح الألهي. وجاء المسيح وحَقَّقَ الخلاصَ، وأقام شهودًا له على حياتِه قولاً وفعلاً. وهؤلاء يشهدون له بحياتهم قبل كلامهم. لم يطلب منهم أن يُجروا المعجزات. تلك يُجريها المسيح نفسُه ليسندَ التبشير به :” وكان الرَّبُ يُعينُهم ويُؤَّيدُ كلامهم بما يصحبُه من الآيات “(مر16: 20). ولا يتكلمُ الشهود ولا يفعلون شيئًا من عندهم، بل يوصلون فقط ما رأوه في المسيح وسمعوه ولمسوه، تماما كما لم يفعل يسوع شيئًا من عنده بل بما رآه وسمعه عند الآب (يو5: 36 ؛ 8: 28).
إرتاح الرسل إلى شهادتهم وأدّوها بفرحٍ ومحبةٍ عارمة لسيدهم، رغم آلامهم وآضطهادهم (أع5: 40-41)، مستقوين بإيمانهم بلاهوت المسيح وناسوتِه وطيبِه وسلطانه وغفرانه. ولم يحزنوا لمَّا تألموا بسبب شهادتهم ولا تراجعوا عنها. لم يعملوا ليكسبوا منصَبًا أو ثروةً. بل كانوا يستخدمون منصَبَهم، وما يجتمعُ من مالٍ بين أيديهم لخدمةِ المُعوَزين والجماعة كما فعل سيُّدُهم ومُعَّلِمُهم (يو13: 13-15). وأصبحوا بذلك صورةً منه ينطقون ويعملون بما رأوه فيه وتعَّلموه منه. رضوا بالخدمة التي أوكلها إلى كلِّ واحد، وأدّوها بأمانة.
واليوم نحن تلاميذ المسيح ورُسُله إلى العالم. والرسالة والبرنامج لم يتغَّيرا. دعوتُنا أن نكون ، في عصرنا ولمن نتعايشُ معهم، شهودًا حقيقيين على محبة الله وغفرانه وإرشادِه، و وسائلَ يُبَّلغُ المسيح بواسطتنا رسالته الى عالم اليوم. نكشف للعالم بأنَّ المسيح ما زالَ قادرًا على أن يُداويَ جروح الناس ويُحَّررَهم من قيودِ ذواتهم، ويقيمَهم من فسادِ حياتِهم إلى حياة الكرامةِ والراحة والمجد، ويملأَنا كلَّنا ” نعمةً فوقَ نعمة “، ونعلن أنْ ليس غيرُه ” إبنًا لله ” وأننا إخوتُه، وأنَّه مازال يرفع خطايا الناس ويُريحُهم.