الأحــد الثاني للدنـح !

تتلى علينا اليوم القراءات : عدد10: 29- 36 ؛ { اش 45: 11-17 } عب 3: 1-7 ؛ يو1: 1-14

القـراءة : عدد 10 : 29 – 36

يتعاونُ حوبابُ المديانيُّ، حمو موسى، مع بني إسرائيلَ فيُريهم طريق الأمان للتوَّجه الى أرض الميعاد، ويقودُهم اللهُ من جهتِه بواسطةِ الغمام الناري الذي يُظللهم نهارًا واقيًا إيَّاهم من الحر، ينقلبُ ليلاً نارًا تُضيءُ دربَهم وتقيهم من الحيوانات المفترسة؟

القراءة البديلة : اش 45 : 11 – 17 :– يُنبيءُ إشَعْيا بعودةِ الشعبِ من سبي بابل وبإِعمار البلاد، وهذا يحملُ الوثنيين على الأيمان بإِلَه اليهود أنَّه الحق.

الرسالة : عبرانيين 3 : 1 – 7

يُقارنُ الرسول بين موسى ويسوع المسيح. فموسى هو خادمُ البيت أمَّا يسوع فهو رَبُّ البين وبانيه ، وبيت الله هو نحن المؤمنين.

الأنجيل : يوحنا 1 : 1 – 14

يُقَّدمُ يوحنا يسوعَ أنَّه معرفةُ الله وكلامُه ، مصدرُ الحياة ونورُ الحَّق ودربُ الخلاص. كلمة الله هذا صارإنسانًا وحَلَّ بيننا ليرفعَنا فيجعلنا أبناءَ الله.

بيتُ الله والمُهتَّمونَ به !

خرجَ الكون وما فيه من وجود الله نفسِه. إنَّه إمتدادٌ له ومُرتبِطٌ به. إنَّه بيتُ الله. تعيشُ في هذا البيت ” أُسرةُ الله “. لهذ البيت صاحبٌ صَنَعَه ومُهَّندسٌ صَمَّمهُ وبانٍ أقامَه. وهذا الباني أو الصانع هو الله نفسُه. وفي البيتِ أبناءُ الله. وهؤلاء ألأبناء هم البشر، صورة الله وأبناؤُهُ بالأيمان. ولهذا البيت خَدَمٌ ـ من أبناءِ البيت ـ يُدَّبرونه ويُسَّهلون له الحياة. هؤلاء الخدم يخضعون لإرادةِ صاحبِ البيت ويُنَّـفِذون أوامرَه وتعليماتِه ليُسَّهِلوا الحياة بالأتفاق مع أُسسِ البناء ويضمنوا خَدَماتِه. ليس للخدم إرادةٌ أو تخطيطٌ مستَّقِلٌ وخارجٌ عن تخطيطِ وتنظيمِ سيِّدِ البيت. إنَّهم يتقَيَّدون فقط بنواياه ويتبعون إرشاداته. لا يملكون بادرةً خاصّة. البادرةُ كلُّها لرَّبِ البيت. بادرتهم الخاصّم تقوم فقط في مدى وكيفية إستيعابِ إرادةِ أبيهم وفي آختيارِ طرقِ التفاعلِ مع تلكَ الأرادة.

موسى خادمُ بيتِ الله !

إدَّعى اليهودُ أنَّهم شعبُ المُختار. وكانوا كذلك لأنَّ اللهَ إختارَهم شعبًا لهُ يقودُ،بواسطتِه، بقّية الشعوب الى نور الحَّق والخلاص (اش42: 6؛ 49: 6). واليهود كلُّهم من نسل إبراهيم، و يفتخرون بذلك ،” إنَّ أبانا إبراهيم “(يو8: 39). كما كان شعورُهم قَوّيًا أيضًا بِـبُنُّوَتِهم لله، ” لا أبٌ لنا إلاّ الله “(يو8: 41-44). لأنَّ الله قال يومًا بأنَّ بني اسرائيلَ أَبناؤُه ” اسرائيلُ إبني البكر”(خر4: 22). فشعروا أنَّهم بيتُ الله. وأقامَ اللهُ، رَبُّ بيتهم، مُدَّبِرًا لهذا البيت، موسى الذي دعاه وأرسله ليُخرجَ شعبَه بني إسرائيل من مصر(خر3: 10)، قائلاً:” إذهب وأنا أُعينُك على الكلام وأُعَّلمُك ما تقول “(خر4: 12). واللهُ يقودُ الأحداثَ لا موسى.

آمن اليهودُ بأنَّ موسى مُرسَلٌ من قِبَل الله ليُدَّبرَ بيتَه، وآعترفوا به قائدًا لمسيرةِ حياتهم و مستقبلها. وتمَسَّكوا به بشِّدة ،” نحن تلاميذه. ونحن نعلم أنَّ الله كلَّمَ موسى” (يو9: 28). وجعلوا فيه ” كلَّ رجائِهم” (يو5: 45)، لأنَّه على يدِه ” أُعطِيَت الشريعة (يو1: 17؛ 7: 19 -23)، فظلوا متمَّسكين بـ”سُنَن موسى” (أع6: 14)، حسبما حَوَّرها شيوخُهم بتفسيراتهم البعيدة عن نيَّة صاحبِ البيت وإرادتِه، حتى بلغوا حدًّا تركوا فيه شريعة موسى ونقضوا شريعة الله لإقامةِ شريعتهم الخاصّة بآسم موسى وبآسم الله (متى15: 2-9). أعماهم تمَّسُكُهم وآفتخارُهم بشخص موسى (تث34: 10-11) وأخرجهم من بيتِ الله نازعًا عنهم” إختيارَهم “(متى21: 34)، لأنَّهم لم يفهموا موسى ولا تبعوا تعليمَه (يو5: 39؛ 7: 19).

لم يكن موسى صاحب البيت. ولا كان هو قائدَ الشعب عبر مسيرته. بل كان الله نفسُه يديرُ مباشرةً كلَّ العمليات وموسى يُنَّفذُ فقط ؛” الربُّ الألَهُ يعبُر أمامكم ويُزيلُ الأُممَ من أمامكم ” (تث31: 3). ولم يَدَّعِ موسى قط أنَّه الخادمُ الوحيد لبيت الله. بل أكَّد بعكس ذلك إختيارَ الله لبديلٍ له يخلفُه في قيادةِ الشعب: ” إذهب الى ايشوع وشَدِّدْ عزيمَته.. لأنه هو الذي يعبر.. ويُمَّلك..” (تث3″ 28؛ 31: 3). أكثر من ذلك سبقَ موسى وأخبرهم بأنَّ اللهَ ” يُقيمُ لكم نبِيًّا من بينكم .. فأسمعوا له”، لأنَّه أفضل وأعظم من موسى، و” من لا يسمع كلامي (الله) الذي يتكلمُ به (بديلُ موسى)(يو8: 28) بآسمي أُحاسِبُه عليه” (تث18: 15-19).

موسى ويسوع !

لقد أكَّدَ يسوع بأنَّ موسى عنه تنَـبَّأ (يو5: 46؛ أع3: 22). موسى أخطأَ فعاقبَه الله بسبب قساوة الشعب وعدم إيمانهم وتضامُنِ موسى معهم (تث3: 26؛ عدد20: 10-13). فقال له الله ” لن تعبُرَ هذا الأردن “(تث31: 2؛ 34: 4). وكان قد سبق فراعى قساوة قلب شعبه فسمح له بالطلاق خلافًا لإرادة الله (تث24: 1؛ متى19: 7-8). بينما أكَّد الله عن يسوع أنه إبنُه الحبيب الذي رضي عنه، وطلب السماع إليه (متى3: 17؛ 17: 5). هكذا إذًا أخفقَ موسى كلما تصَّرفَ من عنده، برأيه وبادرته الخاصّة !. بينما توَّفقَ كلما تبعَ ونفَّذَ أمرَ الله صاحب البيت.

يسوع رَبُّ بيتِ الله !

وعد الرَبُّ داود بنسل “يدومُ مُلكُه للأبد “(2صم7: 14، وأكَّدَ الملاك لمريم أنَّ مولودَها هو هذا النسل الملوكي الألهي (لو1: 32-33). كما أكَّدَ الرسول أنَّ هذا يسوع ابن مريم هو ابنُ الله (عب1: 5)، كما أعلنه الصوتُ السماوي عند عمادِه (متى3: 17). وقد إعترفَ يسوع نفسُه أنَّه ابنُ اللهِ فعلاً (يو5: 18؛ 10: 36 ؛ متى 26: 64؛ مر14: 62؛ لو22: 69). حتى السماء أعلنته إبنًا لله وطلبت الخضوعَ له. والرسل آمنوا بما عاينوا وسمعوا وشهدوا له (2 بط1: 18). والجماهير التي عاينته آمنت به كذلك (يو11: 48؛ 12: 9-11). وإنَّ هذا إبنَ الله هو أيضًا ابنُ الأنسان (متى8: 20؛ 9: 6؛ 12: 8-40؛ 26: 24)، و”رَبُّ السبت” (مر 2: 38) وربُّ الحصاد (متى9: 38)، وخاصّة ” ربُّ البيت” (متى13: 52؛ 20: 1-15).

طعامُه، العملُ بمشيئة الله !

هكذا أعلن يسوع لتلاميذه على بئر يعقوب في السامرة (يو4: 34). وردَّ على أعدائِه أنَّه لا يعمل شيئًا من عنده بل هو مُتَّفقٌ في كل شيء مع الآب و مُخَّوَلٌ منه (يو5: 19-21-30)، وهو يكشفُ للعالم وجه الله الحقيقي (متى11: 27 ؛ يو6: 44 و65)، وأنَّه وحدَه الطريقُ الذي يقود الى الله (يو14: 6-7). لأنه هو والآب واحد ومن رآه رأى الآب لأنه موجودٌ في الآب والآبُ فيه (يو10: 30؛ 14: 9-11). وإذا كان الآبُ صاحبَ البيت ورَبَّه (متى21: 33) فلن يكون يسوع أقَّلَ من ذلك، لأنَّ كلَّ ما لللاهوت يملكه يسوع بالطبيعة (يو16: 15 ؛17: 10). فالله الذي أقام موسى وكيلا وأرسله لأنقاذ شعبِه من العبودية عبَرَ هو بنفسِه بين الشعب فأنقذ أبكاره (خر12: 27)، ثم سارَ أمامه (خر13: 21)، هذا الله تجَسَّدَ في شخصِ يسوع لأنقاذ البشرية جمعاء من عبودية الخطيئة. صار الله بين الناس ومعهم، ثم أقام لهم في الكنيسةِ خَدَمَـةً (لو22: 25-27؛ يو13: 4-15) وُكلاءَ وأُمَناءَ على الرسالة (يو20: 21؛ مر16: 15)، ينصتون اليه ويشهدون له (أع1: 8) ويقودون البشرية حسب إرشاد يسوع وعضده. يبقى الله يرشد البشرية، بالروح القدس الذي يأخذ من الآب والأبن ويُرشدُ الى الحقِ كله (يو16: 13-15). ويمكثُ يسوع مع كنيسته طوال الدهر(متى28: 20).

لا يُقبَلُ نبيٌّ في وطنِه !

لم يخطأ يسوع مثل موسى ولم يستطع أعداؤُه أن يُثبتوا عليه خطيئة حتى بالآستعانة بشهود زور (يو8: 24و46؛ متى26: 59-60). وقد أعلن بيلاطس براءَته من أيِّ ذنب، حتى تبَرَّاَ من سفكِ دمه (متى27: 24). آمن به غالبية الشعب وكثيرون من القادة أخفوا إيمانهم خوفًا من ألا يُطردوا من الهيكل (يو9: 22). والرؤساء ناصبوه العداء لأنهم فشلوا في إدخاله الى حلبتهم ومباركة تقاليدهم ولم يقدروا أن يُبعدوا عنه الجماهير التي كانت تتقاطر لديه لتسمعه . فحسدوه (متى27: 18) لاسيما وهو ليس تلميذًا لهم (يو7: 15) ورفضوه وصلبوه. ظلوا مثل آبائهم غلاظ الرقاب، قساةَ القلب (خر33: 2-5؛ أع7: 51) متمردين على الله مُحزنين روحه القدوس (اش63: 10). رفضوه رَبًّا للبيت، لكنه بقي رغمًا عنهم” ربَّ البيت”، أي الحجر الذي رذله البنّاؤون صار رأس الزاوية (متى21: 42 ؛ 1بط2: 7) في بيتِ الله.

نحن بيتُ الله !

إذا كان بنو إسرائيل بيت الله لحين فمن هو الآن بيتُ الله؟. لاسيما وأنَّ الأختيارَ الأول قد أُنتُزِعَ من البيت القديم؟. قال يسوع :” إنَّ ملكوتَ الله يُنزعُ عنكم، ويُسَّلمُ إلى أُمَّةٍ تجعله يُخرجُ ثمرَه ” (متى21: 43). من له المسيح، بديلُ موسى، هو بيتُ الله. وأكَّد الرسولُ ذلك في رسالة اليوم أن ” نحن بيت الله” (عب3: 6). البشرية كلها، اليهود والوثنيون، أُسرةُ الله. لأنَّ المسيح يسوع ” هدم، بجسده، الحاجز الفاصل بينهما “(أف2: 14). وبنوع خاص مَن آمن بيسوع المسيح وحفظ كلامه وسار على خطاه، هذا يكون ” شعبَ الله الجديد” (2كور5: 17)، و” بيتَه” أي ” كنيسة الله الحَّي” (أف2: 19؛ 1طيم3: 15). هؤلاء الذين شكلوا خيمةَ الأجتماع مع الله، فقد أصبحوا هياكل لله لأنَّ ” روحَ الله حالٌّ فيهم ..وهذا الهيكل هو أنتم” (1كور3: 16-17). ويسوع هو الذي رسم خطوط هذا البيت ودعاه ” الكنيسة “. فالكنيسة ، التي هي جماعة المؤمنين بيسوع المسيح، تحمل نيرَه وصليبه، تسيرُ في درب جلجلة البذل والعطاء، وتختارُ طريق المحَّبةِ والرجاء مُتسَّلِحةً بقداسةِ االسيرة (1تس4: 7).

وإن كانت الكنيسةُ كلُّها بيتَ الله فلأنَّ كلَّ مؤمنٍ فيها هو أساسًا بيتُ الله. لأنَّ كلَّ من يُحَّبُ الله و يسمع كلامه يُحِّبُه الله ويُقيمُ فيه (يو14: 23). وهذه البيوت الفردية تتَّحدُ كلُّها ببعضها فتصبحُ بيتًا واحدًا في الله الواحد (يو17: 21). وكما الجسد واحدٌ فيه أعضاءُ كثيرة هكذا تكون الكنيسة، جسد المسيح السِّري (أف1: 22-23) بيت الله الواسع الذي يحتوي ويتكون من البيوت الخاصة (1كور12: 12-27). وقد شبَّه مار بولس البيوت الفردية الأرضية بالخيمة فقال: ” نعلم أنَّه إذا هُدِمَ بيتنا الأرضي، وهو أشبهُ بالخيمة، فلنا في السماوات بيتٌ من بناءِ الله لم تشُّدَه الأيدي” (2كور5: 1). عنى بهذا البيت جسَدَنا الأرضي (2كور5: 6-10ح 2بط1: 13-14) الذي دعاه أيضًا “هيكلَ الروح القدس”، لأنَّه “عضوٌ في جسد يسوع المسيح”، أي الكنيسة (1كور6: 15 و19). من آمن بالمسيح أصبحَ مُلكًا لله وبيتًا له،” سواءٌ حيينا أم مُتنا فإنَّا للرب” (رم14: 8). فنحن إذًا لله نحيا به وله ونعمل معه لأننا ” بُنيانُ الله ” (1كور2: 9). اللهُ صاحبُ بيتنا، ويسوعُ مهَندسُه، والروح مُرشِدُه، والكنيسة خادمتُه، ونحن نأوى إليه ، ونحتمي به، وفيه نُمَّجدُ اللهَ بحياةٍ مُقَدَّسَةٍ تليقُ به وتُرضيه.