يقعُ هذا الأحد ضمن أسبوع الصلاة من أجل وحدة الكنيسة : 18-25/ 1 ما عدا السنة التي تبدأ يوم الأربعاء فيقع الأحد الثاني ضمن أسبوع الصلاة. والسنة التي تبدأ يوم الخميس يبدأ أسبوع الصلاة بالأحد الثاني وينتهي بالثالث
تتلى علينا اليوم القراءات : اش45: 18-46: 4 ؛ عب3: 14 ـ 4: 3 ؛ يو1: 29-42
الرسالة : عبرانيين 3 : 14 ــ 4 : 3
شركاء المسيح !
بعد أنْ بَيَّنَ الرسول أنَّ يسوع المسيح يتفَوَّق على موسى برسالته ومجدِه، يُؤَّكدُ الآن بأننا نحن المسيحيين المُنتمين إلى المسيح، بمعموديتنا، قد أصبحنا شُركاء حياتِه. لأننا قد لبسناه وصرنا مُلكًا له (غل3: 27-29)، صورته وإخوته وهو بكرُنا (رم8: 29). ولأننا آمَنَّا به وقبلناه فقد تبَّنانا به الله (يو1: 12؛ أف1: 5)، فرفعنا أبناء له وشُركاء في ميراثِ المسيح (غل3: 29 ؛ رم8: 17)، نتقاسمُ معه ميراثه لدى الآب. وما هو ميراثُ المسيح ؟. سبق الرسل وأعلنوه في رسائلهم. يقول بولس لطيمثاوس :” خُذْ قِسطَك، حِصَّتَك من الجهاد كجنديٍّ صالحٍ للمسيح” (2طيم2: 3). فميراث المسيح ما عاشَه وما ورثه من الله جزاء طاعتِه وجهادِه وصموده فآنتصارِه. أكَّدَ يسوع أنَّ “ملكوت الله ما زال في جهاد والمجاهدون يرثُونه عنوةً” (متى11: 12). والجهادُ يعني الصراعُ ضِدَّ الشَّر والصبرُ على الألم والتضحية. يكتب بولس لأهل فيلبي: ” لقد أُنعِمَ عليكم أن تتألموا من أجل المسيح، لا أن تُؤمنوا به فقط”؛ ويُعَّرفُ نفسَه نموذجًا للأقتداء به : ” إنَّكم تجاهدون مثلَ الجهاد الذي جاهدتُه على مرأىً منكم. وقد بلغكم أَّني لا أزالُ عليه”(في2: 29-30). وبولس نفسه يقتدي بالمسيح (1كور11: 1؛ يو13: 15)، الذي طلب من تلاميذه أن يشربوا كأسَه و يعتمدوا معموديتَه (مر10: 22-23) و ينكروا ذواتهم ويحملوا صلبانهم ويتبعوه في طريق الآلام (متى16: 24). ويقول بطرس أنَّ تلميذًا بهذا القياس محظوظ لأنه ” يكابدُ المشَّقات و يتحَّملُ ظلمَها في سبيل الله..والصبر على العذاب.. لمثل هذا دُعيتم. فإنَّ المسيح تألمَ من أجلكم وجعلَ لكم من نفسِه قدوةً.. أسلمَ أمرَه لمن يحكمُ بالعدل” (1بط2: 19-23). و قد أكَّدَ يسوع أنَّه كان ينبغي له أن يتألَّم أولاً ثم يدخل في مجدِه (لو24: 26). وأدركَ الرسُلُ أنَّ طريق المجد والهناء والراحة يمُّرُ من كل بد بالجلجلة. فقال بولس: ” إذا تمَّ لي فعرفتُ المسيح وعرفتُ قوَّة قيامتِه، وشاركتُه في آلامِه فتمَّثَلتُ به في موتِه، لعلي أبلغُ القيامةَ من بين الأموات” (في3: 10-11). فيكون حيث يكون المسيح ويعاينُ المجدَ الذي أولاه الآب (يو17: 24)، وينال إكليل المجد المُعَّد له (2طيم4: 8).
أُكَّملُ آلامَ المسيح !
أدركَ بولس أن شراكة المسيح هي تحويل الحياة الخاصَّة الى صورة ناطقة عن حياتِه هو. أما قال للغلاطيين ” حياتي هي المسيح”؟ (غل2: 20)، تمامًا كما كانت حياة يسوع صورة مُجَّسَدة لحياة الله حتى” من رأه رأى الآب”!. هكذا يجب أن يتحَّولَ تلميذ المسيح إلى صورة حَّية عن معَّلِمِه، فيدعَ المسيحَ يحيا فيه، ليراهُ الناسُ فيه، ومن خلاله يُتابعُ عمله الخلاصي. فإذا كان المسيح تألم ومات مرَّة في جسده الشخصي، فهو يتألَّمُ ويموت كلَّ يوم في جسدِه السِّري، في أجسادِ إخوتِه المُضطَهَدين والمتعَّذِبين. وهذا فخرٌ وشرفٌ للمؤمن. لذا لن يترَّدَدُ بولس في الكتابة لأهل كولسي :” يسُّرُني الآن ما أُعاني لأجلكم، فأُتِمُّ في جسدي ما نقُصَ من آلامِ المسيح في سبيل جسَدِه الذي هو الكنيسة ” (كول1: 24). لم تكن آلامُ المسيح ناقصة بذاتها. ما نقصَها هو أن تتواصل في أعضاءِ جسدِه. وجسده يمتَّدُ عبر الزمن، فتمتَّدُ معه آلام تلاميذ المسيح التي تصبِحُ آلامَه هو لأنهم فيه وهو فيهم، وهم واحدٌ معه ومع الآب (يو17: 22-23). بولس يحتملُ الألم من أجل غيرِه، والمسيح يُضيفُها الى آلامِه ويُقَّدِسُها حتى تشترك في ثمار الصليب.
لا تُقَّسوا قلوبَكم !
ويستخلصُ الرسولُ الدرسَ. إن أرادَ المؤمن أن يحصل على إكليل المجد وأن يتنَّعمَ بالراحةِ والهناء مدى الأبد عليه ألا يُكَّررَ أخطاءَ بني اسرائيلَ الذين ” أسخطوا الرَّب بعدَما سمعوه”، و”خطئؤا فسقطت جُثثُهم في الصحراء”. تذَّمروا على الرب من أجل الطعام (خر16: 1-4) ، ومن أجل الماء (خر17: 1-7)، وسجدوا للعجل الذي صنعوه (خر32: 1-6) وتذَّمروا عند سماع تقرير وفد تجَّسسِ أرض الميعاد فرفضوا الطاعة لله وتآمروا على قتل موسى و هارون وحاولوا إستلام زمام القيادة (عدد14: 1-10). قسَّى الشعبُ قلبَه تجاه الله وقيادتِه، و بادروا إلى التحَّركِ برأيِهم ففشلوا وخسروا إقتناء وطنٍ يرتاحون فيه من شقاءِ الأستعبادِ و الهجرةِ. من عاند الله و رفض كلامه خسرَ الحصول على دار الراحة، لكنَّ وعدَ الله لم يبطل. وسيتمُ وعد الله ويتحَّقق مع من سمع كلام الله من أبناء المتمَّردين ويدخلون أرضَ الميعاد. ولكنهم حتى في الراحة الأرضية لم يستمروا في الأمانة لكلام الله فأرسل اللهُ إبنه الوحيد ليطالبَهم بالأصغاء إليه والسير في طرقِه. لم ينفعْ معهم، ولم يفعلوا ما طلبه منهم. ظلَّت ثمارُهم ” حُصرُمًا فجّـًا “، فرفع عنهم الله حصانتَه وسَلَّمهم الى مصيرهم القاتم (اش5: 1-7؛ متى21: 32-46). بشَّر موسى شعبَ الله بأرض راحةٍ زمنيةٍ في فلسطين. أما يسوع المسيح فبشَّر المؤمنين به براحةٍ أبدية لا تزول، معه في السماء، ” أنا ذاهبٌ لأُعِّدَ لكم مُقامًا.. وسأرجعُ إليكم وآخُذُكم لتكونوا حيثُ أكون” (يو14: 2-3). كانت راحة أرض الميعاد صورةً ورمزًا للراحةِ الحقَّة في السماء الجديدة، وهي ” بيتُ اللهِ والناس. يسكن معهم ويكونون شعبَه.. ويكون هو إلَهَهم. يكفكفُ كلَّ دمعةٍ تسيلُ من عيونِهم. لم يبقَ للموتِ وجود، ولا للبكاءِ ولا للصراخِ ولا للألم. ِ..” (رؤ21: 3-4). فوَجَّه الرسول النداء الى ” كلِّ من سمع عن المسيح، آمنَ به أو لم يؤمن بعدُ، بأن يتحَّذروا من إسخاطِ الله بعصيانِه. ثمَّ دعاهم إلى تلبيةِ دعوة الله لهم، فيدخلوا دار الراحة الأبدية فيكونوا شُركاءَ المسيح في المجد والنعيم.