الأحـد الثـاني للدنـح !

للعلم ! لقد وقعَ خطأٌ في التقويم { البطريركي } إذ حسبَ هذا الأحد الأول للدنح، وتبعته في الخطأ اللآحاد التلية، فيرجى الأنتباه إلى ذلك !

تتلى علينا اليوم القراءات : عدد10: 29-36 ؛ عب3: 1-11 ؛ يو1: 1-14 كلَّفَ بولس تلميذه الأسقف طيطس أن يُنَّظم جزيرة كريت ويقيمَ كهنةٍ في كلِّ مدينة ويُعلنَ التعليمَ الصحيح داعيًا منه أن يجعلَ من نفسِه ” قدوةً في حسنٍ السيرة، من سلامةٍ في العقيدة وفضلٍ وتعليم صحيح لا يناله لوم (طي2: 7)، وأن يُرشدَ كلَّ فئةٍ من المؤمنين لتحيا إيمانها في ظرفِها وموقعها الأجتماعي فتكون نورًا يهدي الغرباء الى الأيمان بالمسيح كي يتعَّلقوا ” في كلِّ شيء بتعليم اللهِ مُخَّلِصنا “(طي2: 10).

الرسالة : عبرانيين 3 : 1 – 11

لمَّا أخطأ الأنسان فقدَ راحة الضمير قبل راحةِ الجسد. أُضطُرَّ إلى مُغادرةِ الفردوس، دار راحةِ الله، وسُدَّ مدخلُ العودة إليها. ولم يعُدْ قادرًا أن يفتَحَه. لكنه قبل أن يخرُجَ شعرَ بوخز الضمير فآختبَأَ عن حضرةِ الله، لأنه لم يسمع نصيحَتَه ولمْ يعُدْ له قُوَّةٌ ليقابلَ وجهَه. وأحَّسَ بالخسارة الكبيرة التي مُنيَ بها وبنفس القدر بالضعف التام لآستعادة راحتِه. فصار يلعقُ مرارة حالِه، وكادَ اليأسُ يقضي عليه لولا وعدَ الله له بإعادتِه يومًا ما إلى حاله الأول وينعمُ معه بالراحة. ومن ذلك الحين يُعِّدُ اللهُ ظروفًا مُؤاتية فيدعو الأنسان الى العودة الى راحتِه. يدعو الأنسان التائه الشريد إلى العودة الى بيت أبيه ليرتاح من تعبه وضيقِه وشقائِه. يبدأ بإنقاذِ نوح وأولاده الأبرار ودعوتِهم الى معرفة الله الحَّق. ثم يدعو إبراهيم فيعزله عن أهل العالم ويباركه ليكون لله شعبًا خَّاصًا مؤمنًا يرتبط معه بعهدٍ مشترك. يُحَّررُ بعدَه شعبَه على يد موسى من عبوديةِ مصرَ ويدعوه الى تبَّني قداسةِ الله وسلوكِه مَعْبَرًا الى دار راحتِه تعالى. ورسالة اليوم تُحَّدثنا عن أنَّ تلكَ الدعوة السماوية ما زالت قائمة، وَجَّهَها الله الى الأنسان الضّال والتعبان، مرَّة أخرى لكنها الأخيرة، على يد يسوع المسيح، :” تعالوا إلَّيَ يا جميعَ المُتعبين والثقيلِيِّ الأحمال وأنا أُريحُكم” (متى11: 38). والذين آمنوا بيسوع المسيح هم الشهود على هذه الدعوة ورُسُلُ تمديدِها عبرَ الزمن إلى جميع الأجيال البشرية. ولمَّا كانت الرسالة الى العبرانيين تتوَّجهُ، كما يدُّلُ عليه اسمُها، الى أبناء الشعب العبراني، المُتنَّصرين منهم أو الباقين يهودًا يدَّعون التلمذةَ لموسى (يو9: 28)، وموسى هو صورة المسيح (تث8 : 15؛ يو5: 45-46)، ولمَّا كان بعضُ المُتنَّصرين يحُّنون أكثر من اللازم الى حياة العهد القديم لأنَّهم يُعَّظمون موسى (أع15: 19-21)، عليه يُقيم بولس مقارتةً بين دوريهما في قوَّة الدعوة وفاعليتها، ليدعوَ اليهودَ إلى الأيمان بالمسيح، ولكي يُؤَّكدَ للمسيحيين أنَّهم لم يخطأوا في قبول يسوع مسيحًا مُخَّلِصًّا، بل ليستمروا ويُضيفوا فينشروا دعوة المسيح في العالم كُلِّه لخلاصِ كلِّ الناس.

يسوع أمينٌ لدعوَتِه !

أعلنَ يسوع مَرّاتٍ عديدة أنه لا يقول شيئًا من عنده ولا يعملُ شيئًا مخالِفًا لأرادةِ الله، بل يقول ويعملُ دومًا ما يُرضيه (يو 8: 29). وعنه قال صوتُ الآب من السماء :” هذا إبني الحبيب الذي عنه رضيتُ. إسمعوا له” (متى17: 5). أما عن موسى وهارون فقال : ” بما أنَّكما لم تؤمنا بي إيمانًا يُظهرُ قداستي على مرأى بني إسرائيل لذلك لا تُدخِلان أنتما هؤلاء الجماعة الى دار الراحة التي أعطيتها لهم “(عد20: 12). موسى أيضًا كان أمينًا ” لبيت الله”، أي أطاعَ الله، لكنه لم يخلُ من نواقصَ وهفواتٍ جَّرَه إليها ضُعفُه الأنساني. أما يسوع فلم يستطع يومًا أحدٌ، حتى أعداؤُه الأَّلِداء من الفرّيسيين ، أن يُسَّجلوا فيُثَّبتوا عليه خطأ ً ما (يو8: 45؛ مر14: 55-59).

مجد يسوع يفوق مجد موسى !

كان موسى مأمورًا بالمهمة وقد حاولَ كثيرًا التنَّصل منها (خر3: 1 ؛ 4: 10-16). أما المسيح فعندما عرفَ أنَّ الله ” لا يشأ ذبيحة ولا قربانًا بدم الثيران والتيوس لأنها لا تقدر أن تزيلَ الخطايا وطلب ذبيحة بشرية قال: ها أنذا آتٍ، اللهُّمَ، لأعملَ بمشيئتِكَ”(عب10: 4-7). تطَّوعَ المسيحُ للخدمة المطلوبة، ومن أجلها أطاعَ اللهَ حتى موت الصليب (في2: 8). وسبق فقال : ” طعامي أن أعملَ مشيئة أبي” (ي4: 34). وقد دعا مجدَه ساعةَ موتِه (يو12: 27؛ 13: 31-32). كلُّ هذه في كفَّة، وفي أخرى الأثقل عندما عاين الرسلُ يسوع يتجَّلى على جبل طابور في مجدِه الألهي وموسى واقفٌ مع إيليا يفرح بمجد الأبن (متى17: 3). فإذا كان موسى” كليمَ الله” (خر33: 11)، إلا أنَّ المسيح هو” ابنُ الله الحَّي” (متى16: 16) ، و” شُعاعُ مجدِه وصورةُ جوهرِه ” (عب1: 3)، بحيثُ من يراهُ يرى الله (يو14: 9)، لأنه “هو والآب واحد ” (يو10: 30). هذا هو مجد المسيح ، إنه مجد الأبن وليس مجد الوكيل كما لموسى. كان موسى وكيلا أمينًا على بيت الله، شعبِه المُختار. كان جزءًا من ذلك البيت ، وليس هو من بناه وحَرَّرَه وقاده نحو دار الراحة. موسى سمع كلام الله وبلَّغَه ونَفَّذه ، أما المسيح فهو الذي بنى بيت الله على صخرة إيمان بطرس، كما قال :”على هذه الصخرة أبني كنيستي”. ” الله هو باني كلِّ شيء”. المسيح هو الذي بنى هيكلَ الله الذي هدمه البشر بالخطيئة. يبقى موسى خادمًا لبيت الله وشاهدًا على مجدِه. أمَّا المسيح فهو رَبُّ البيت ، و رَبُّ السبتِ، وله سلطان غفران الخطيئة، بل له ” كلُّ سُلطان في السماء والأرض”.

ونحنُ بيـتُه !

ويستخلصُ الرسول الدرس. شعبُ موسى لم يعرف اللهَ ولم يستوعب طُرُقَه لذا ” ظلَّ قلبُه في الضَّلال”، ولم يسمعْ كلامَ الله، ولمْ يبقَ أمينًا للعهد، بل تنَّكرَ حتى لمُخَّلِصِه وآنتهى بأن ” صلبَ رَبَّ المجد” نفسَه (1كور2: 9)، فخسرَ” دخول دار راحةِ الله “. فحَذَّرَ الرسول شعبَ الله الجديد ألا يتورَّطوا ويقعوا في نفس الفخ، ذلك بأن برفضوا المسيح أو يتنَّكروا لتعليمِه. فقال:” إذا سمعتُم اليوم صوتَه فلا تُقَّسوا قلوبكم”، ولا تتبعوا مباديء العالم، ولا تعتبروا أنَّ تعليم الله قد شاخ وبليَ. يبقى كلامُ الله، كلامُ المسيح هو ميزان الحَّق وقياس البرارة. ولا ننغَشَّ بأنَّ العهد الأول، على يد موسى، مازال ساريَ المفعول. يقول الكتاب: ” لو كان العهد الأول لا غبارَ عليه، لما فُسحَ في المجال لعهدٍ آخر… يقول الرب: سأقطع لبني يهوذا ولبني إسرائيل عهدًا جديدًا .. لأجعلَ شريعتي في ضمائرهم وأكتُبُها في قلوبِهم .. وإذ يقولُ ” عهدًا جديدًا” فقد جعلَ العهدَ الأولَ قديمًا. وكلُّ شيءٍ قَدُمَ وشاخَ يُصبحُ قريبًا من الزوال” (عب8: 7-13). والمسيحيون أبناء العهد الجديد هم بيتُ الله” إن إحتفظوا بالثقةِ والأفتخار بالرجاء” الذي لهم.