تتلى علينا اليوم القراءات : اش40: 1-8 ؛ 1كور14: 1-6 ؛ متى18: 1-7
الرسالة : 1 كورنثية 14 : 1 ، 3، 12، 20-21، 26، 31-33
النص المُشار إليه 1كور14: 1-6 هو إعادة لقراءة الأحد الخامس للرسل. أما في جدول القراءات الأصلي فأشار الكتاب الى النص كالآتي : 1كور14: الأعداد 1، 3، 12، 20-21، 26، و31-33. وحتى لا نكَّرر التأمل، الذي يمكن مراجعته في محله السابق، نحاول التأمل في الأعداد الجديدة والمُكَّملة للنص السابق.
يدور كلام ماربولس عن المواهب الروحية. وإن كانت المواهبُ كلُّها عمل الروح القدس و المحَّبة في قِمَّتها ويُمدَحُ من يطلبُ إقتناءَ كُلِّها (آية1)، إلاّ إنَّ بولس ركَّز في القسمُ الأول من النص على موهبتي التكلم باللغات والنبُـوَّة. وفضَّلَ النبُوءة على التكلم بلغات، ولو بقوة الروح القدس لكنَّها غير مفهومة ولا تبني الرعية. بينما موهبة النبوءة تبنيها لأنَّ : ” الذي يتنَّبَأ يُكَّلمُ الناسَ بما يبني ويُشَّجعُ ويُعَّزي” (آية3).
أُطلبوا المواهب لبنيان الكنيسة !
لمَّا حصرَ بولس الأهتمام بموهبة النبوءة ركَّز على بناء الكنيسة/ الجماعة المؤمنة. الأيمان بالمسيح هو حياة خاصَّة وشَدُّ العلاقة معه جهدٌ فردي. لكنَّ المؤمنين بالمسيح أصبحوا كثيرين . وهذا يخلقُ حالة خاصَّة تنمو فيها خطورة التفَّرق والتشرذم. وبما أنَّ المسيح واحدٌ ويحيا في كل مؤمن فهذا يُشكَّلُ مجموعة إجتماعية مُوَّحدة، هي الكنيسة. سَّماها مار بولس ” جسم المسيح أو جسَدَه السرّي” (أف1: 23). وهذا الجسد له نُمُوٌّ يحتاج الى من يُفَّكرُ ويهتَّمُ به. هذه خدمةٌ تقغ على عاتق كلِّ مؤمن، حتى” نصل بأجمعنا إلى وحدة الأيمان بآبن الله ومعرفتِه، و نصيرَ الأنسان الكامل، ونبلغَ القامة التي توافقُ سَعة المسيح” (أف4: 13). والمسيح يسَعُ كلَّ الناس. وينبغي لجسم المسيح أن يسعَ البشرية كُلَّها. لذا على من اصبح عضوًا في هذا الجسم أن يسعى لا فقط لبناء حياته المسيحية الخاصّة ولكن أيضًا لبناء حياة جميع المسيحيين معًا حتى تكتمل رسالة المسيح الفدائية الشاملة. فيدعو إلى الأهتمام بالبعد” الشامل” الذي يتحَقَّقُ بالمسيح الواحد بكلمته وجسده ويجعل من المؤمنين به” جسدَه الواحد”(1كو10: 17).
إنطلاقًا من هذا المبدأ شجَّع بولس إكتساب كل المواهب، لكنَّه حصرها في هدف البنيان، قال: “أُطلبوا أن يتوافرَ نصيبُكم منها لبنيان الكنيسة” (آية12). وَضَّح بهذا من البداية وحَذَّر من أنْ يطلبها الواحد من أجل التباهي بها أو من أجل منفعةٍ زمنية خاصَّة، كما حاول سمعان الساحر أن يفعل، فدانه بطرس. لأنَّ سمعان حاولَ أن يرشيَه لينال الأسقفية حتى يكسب من ورائها مالًا وفيرًا (أع8: 18-23).
لا تكونوا أطفالاً في الرأي ! آية 20-21
ولمَّا رأى بولس أن أفكارَ أبناء الرعية وتصَّرفاتهم ما تزالُ تحتفظُ بثوبَها القديم ولم تتغَّير” حسبَ قامة المسيح ” الذي إنتموا إليه، صارحهم وطلب منهم أن يَسْموا بسلوكهم و يرتقوا به إلى مستوى متطلبات إيمانهم. إنَّ المُهتدي الجديد يبدأ يتعلم كيف يعيش كالمسيح. إنَّه في بداية سُلَّم الأيمان، مثل أطفال صغار بعد ولادتهم. فهم يتعلمون الحركة والحديث ويحاولون النُمُّو. لقد بدأوا من درجة ” صفر”. وُلدوا ولهم الحياة، وللحياة كلُّ مقومات النمو والإكتمال. فينصح بولس الكورنثيين ألا يتصَّرفوا مثل ” أطفالٍ جهلاء ضُعفاء “. ليبقوا أطفالاً ساذجين في الشَّر. أما في البر والقداسة فيجب أن يتبَّنوا سلوك المسيح على ما يقتضيه الأيمان به. لاسيما وقد لبسوهُ في المعمودية كما قالها للغلاطيين (غل3: 27). ولكي لا يغدر بهم الزمان فيخسروا فرصة التغيير، لاسيما ويملكون جميعُ مقومات الحق وقداسة البر فلهم التمييز والحرية، ولهم خبرة نتائج الشر السيِّئة. فلا يتمسَّكوا بالمظهر ولا يُقَّدسوا التقاليد ولا يُحابوا أو يخافوا أحدًا. بل عليهم أن يُمَّيزوا الأرواح وأن يصمدوا في تعليم يسوع الألهي مهما قيلَ بالسوء عنهم أو عن المسيح. لا المسيح من العالم ولا تلاميذه. فلا يهتموا بمبادئ أهل العالم ولا يُقَّلدوا سيرتهم وآنتقاداتهم (يو17: 14-17).
قد يأتي كلٌّ منكم بترنيمة .. أو !
وبما أنَّ لكل واحد موهبة خاصّة أو مواهب عديدة، والموهبة هي للأستثمار والأستخدام، فمن الطبيعي أن يتوقَ المؤمن لأبراز مفاعيل موهبته. وأيضًا من الطبيعي أن يستخدمها لمنفعة الكنيسة. إنَّه أمرٌ مفهوم ومُنتَظَر. وبولس يُشَّجعُ على ذلك. وحتى تتحَقَّقَ المنفعةُ المرجُوَة بادر بولس إلى إستغلال طاقات المؤمنين بتنظيم أدائها وفقَ سياقٍ مُثمِر. أولا:لا يخرُجُ موضوعٌها عن مجال الخدمة الروحية الأيمانية، من : ترنيم ، تعليم ، وحي ، رسالة و ترجمة اللغات. و ذكرها في الرسالة الى أهل روما، مع غيرها. منها : خدمة الموائد للمعوزين (أع6: 2-6)، الوعظ ، العطاء(تبَّرع)، القيادة ، الرحمة. ويُنهي القائمة بقوله :” لتُؤَّدى تلك الخدمة بمحَّبةٍ صادقة ” (رم12: 6-9) ؛ و في رسالته لطيمثاوس يُضيف موهبة خدمة أخرى هي” الصلاة “، قائلاً:” أن يُقامَ الدُعاء و الصلاة والأبتهال والحمد من أجل جميع الناس. وتُرفَع للصلاة أياديَ طاهرة، (أي) من غير غضب ولا خِصام ” (1طيم 2: 1-8) ؛ ثانيًا :لا يكثرُ عددُ المُتحَّدثين ولا يزيدون عن ثلاثة ؛ ثالثًا : وهؤلاء يتحَدَّثُ واحدٌ بعد الآخر، فلا ينشغلُ البعضُ هنا أو هناك، بحديثٍ جانبي، بينما هناك من يُؤدي خدمة هي لكل الحاضرين. يقدر الكل أن يتحدَّث إنما بتسلسل لأنَّ الكل يجب أن يُصغي ليتعَّلم ؛ رابعًا : النظامُ للسلام. ليس الأيمان دروَشَةً أو سِحرًا حتى ترافِقَه صياحاتٌ أوحركات لأثارة الحواس وزرعِ البلبلة والفوضى. لا يرضى اللهُ بذلك. إنَّ الله يُحِّبُ الهدوءَ و السلام.
بولس مُهتَّمٌ جِدًّا ببناء حياة مسيحية جماعية لأيمانه الراسخ بوحدة الجماعة من خلال المسيج نفسِه. لم ينسَ صلاة يسوع من أجل الجماعة المؤمنة عندما قال :” يا أبتاه كما أنت فيَّ وأنا فيكَ كذلك فليكونوا فينا واحدًا.. هم {الرسل} ومن سيسمعون كلامهم ويؤمنون بي” (يو17: 20-21). كما يؤمن بولس أنَّ المواهب لا تتعارض بينها بل تتكاملُ. فلأنَّ الأنسانَ محدودٌ غيرٌ كامل في وجودِه وقدراتِه فهو يستحيل عليه أن يجمع كلَّ قدرات الروح القدس في نفسِه. فالروح يوزّعُ من قدراتِه/ مواهبه المختلفة، وغير المحدودة، على المؤمنين لأجل الخيرالعام (1كور12: 4-11). ويحب بولس أيضًا النظام. لا يُقَّيدُ النظام حُرَّية الأنسان ولا يمنع إبراز الموهبة الخاصّة، بل تتكاملُ الخدمات بشكل ينتفع منها جميع الناس، ولا تتضارب بينها ولا تعيق الواحدة منها عمل الأخرى، تمامًا مثل أعضاء جسم الأنسان التي تختلف عن بعضِها لكنَّها تتكامل في مهمتها وخدمتها. { الأحد القادم ، أول موسى ، قّـذمايى }