تذكـار دانيال الطبيب
دانيال : مصريٌّ ترَّهب في زمن مار أوجين وقدم الى بين النهرين للتزهد ونشر الحياة النسكية فيها. هو أحد التلاميذ السبعين المنسوبين الى مار أوجين الذين بدأوا التنَّسك في جبل نصيبين المعروف بإيزلا. رافقَ دانيالُ فترة زميلا له يُدعى مار ميخائيل الذي بنى ديرًا في حسنا عِبرايا على ساحل دجلة. ويبدو من إسمه أنَّه تعاطى الطُّب لفترة ما أو كان يُعالج بعض الأمراض. وإنَّ يوانيس، أحد رفاقه الرهبان، كان طبيبًا وبنى بدوره ديرًا في برية بيروز شابور. ثم ترك دانيالُ رفيقَه مار ميخائيل وقصد بيت نوهذرا حيثُ نصَّر ملك تلحش الذي بدوره بنى له ديرًا على نهر معلثايا بإزاء قرية بيت قيطى (انظر كلدو وآثور، ج2، طبعة 2007م، ص 58-59).
{ يُحتفَلُ فيه بتذكار ربان هرمز و ربان بيا، وغيرهم عوض غدٍ الأثنين }
تتلى علينا اليوم القراءات : أع5: 34-42 ؛ إش56: 1-7 أف1: 1-14 ؛ يو14: 1-14
القـراءة: أعمال 5 : 34 – 42:– يشهدُ الرسل لقيامة المسيح. فيُضايَقون ويُضطَهَدون فيُهانون ويُحبَسون ويُجلَدون. لكنهم يفرحون لأنَّهم وُجِدوا أهلا للتأَلُّم من أجل المسيح. ينوي القادة قتلهم، لكنَّهم يترَّيثون فيكتفون بتعذيبهم وتهديدهم؟
القـراءة البديلة : إشَعيا 56 : 1 – 7 :– زمنُ خلاص جميع الناس قد قرب. الربُّ هو إلَهُ جميع الناس. لن يبقَ غريبٌ أوعقيمٌ ومظلوم. فاللهُ سيجمعُ كلَّ الأمم في بيتِ صلاتِه.
الرسالة : أفسس 1 : 1 – 14 :– لقد تبَّنانا اللهُ في المسيح.فيدعونا الى قداسةِ السيرة ، تسندنا فيها قوَّةُ الروح القدس، ويُقَّدم لنا القديسين نماذج نتعَّلمُ منهم ونقتدي بهم.
الأنجيـل : يوحنا 1 : 1 – 14 :– فراقُ يسوع خيرٌ لنا لضمان الحياة الأبدية. وعلينا أن نتعَّودَ فنُحِّسَ به في باطننا. من داخلنا يُرشدنا الى الحق ويُشعرُنا بحُّبِه ويُعيننا. هو وحدَه طريقنا الى معرفة الحَّق وإلى ضمان الحياة.
قَتَلوا فقَبَروا ، لماذا حَرَسوا ؟
تحَدَّثنا في الآحاد الماضية عن القيامة من خلال الصلاة الطقسية. وصلاة اليوم تُرَّكزُ على موضوع حراسة القبر، التي يذكرها متى وحده، وما آلى إليه الأمرُ. قالت ترنيمة صلاة الرمش :” بعدَ دفنتك المجيدة أقام الشعب الشّرير والظالم جنودًا يحرسون قبرك. يا له من شعبٍ غير مؤمن. إذا كانوا قد قتلوا فقبروا لماذا يحرسون؟. وإن كانوا قد خافوا منك فلماذا تجاسروا فصلبوكَ؟. لكنَّ قيامتكَ في اليوم الثالث أخجلت صالبيك، وأبهجتْ كنيستك. لك المجد “. وقال متى :” وفي الغد (غداة الصلب)، أي بعد التهيئة، ذهب الأحبارُ والفرّيسيون معًا إلى بيلاطس ، وقالوا له :” سيدي. تذكرنا أنَّ ذاك الدَّجال قال، لمَّا كان حَّيًا، سأقومُ بعدَ ثلاثة أيّام. فمُر بأن يُحفظَ القبرُ إلى اليوم الثالث ، لئلا يأتي تلاميذُه فيسرقوه ويقولوا للشعب قام من بين الأموات. فيكون التضليلُ الآخِرُ أسوأ من الأول” (متى27: 62-64).
أخبر الحراسُ الأحبارَ بما حدث !
ويمضي متى ويقول بأنَّ الحراس أعلنوا خبر القيامة لمسؤوليهم ومُنعوا من إذاعتِه للناس (متى28: 11). الخبرُ كلُّه مُشِّوقٌ بذاته، لكنه غريب بمكَّوناته :
- ينفردُ متى بسرده دون بقية الأنجيليين. يبدو أن ذلك يهم ويبني رعيته ويسْند عمله.
- يضع متى الحدث يوم السبت في حين لا تجوز الحركة يوم السبت. وبالأخص ذلك
- السبت إذ كان عظيمًا لأنه عيدُ الفصح (يو19: 31).
- إذا كان الأحبارُ لم يدخلوا دار بيلاطس يوم الجمعة ” لئلا يتنَجَّسوا فلا يتمكنوا من أكل الفصح “(يو18: 28)، كيف يراجعون بيلاطس ليلة الفصح ولم يبقَ سوى وقت قليل لتناول الفصح؟. لأنهم راجعوه بعد ” موت يسوع ” (متى27: 63)؟.
- أكَّد متى أنَّ مراجعة بيلاطس تمَّت ” بعد التهيئة ” (الجمعة). وأكَّد لوقا أيضًا ذلك و ثبَّتَ أنَّ الدفنة إنتهت وقد” لاحت أضواءُ السبت” (لو23: 54). السبت بدأ إذًا !.
- نعرفُ أنَّ الأحبار رفضوا للمؤمنين طلب الأشفية يوم السبت (لو13: 14) إذ تُعتبَرُ حركة أكثر من خمسمائة متر، حتى للشفاء، عملاً، فكيف يذهبون من بيوتهم الى قصر بيلاطس، لاسيما وهم على وشك أكل الفصح ليلة السبت؟.
- كيف عرف القادةُ أن يسوع قد تنبَّأَ عن قيامته؟. وكيف لم ينسوا ذلك مع أنَّ الرسلَ وحدهم تلقوا الخبر، ولاسيما أنَّهم نسوا ذلك، حتى آضطُرَّ الملاك أن يُذَّكر به النساء (لو24: 6). حتى بطرس ويوحنا ” لم يكونا قد فهما بعدُ الآية التي تقول أن يسوع يقوم من بين الأموات” (لو20: 9).
- إذا كان الرؤساء سخروا من يسوع وهو على الصليب بأنه خلَّص غيره ولا يقدر أن
يُخَّلص نفسَه (متى27: 40-43)، وإذا كان إيليا النبي لم يأتِ لنجدة يسوع لأنقاذه، فهل يقدر التلاميذ أن يسرقوه؟. وأيَّ تلاميذ ؟. الذين هربوا وآختفوا خوفا من شِّر اليهود؟” (متى 26: 56؛ يو20: 19). وأين يُخفون الجسد وكيف يحافظون عليه، دون دفنه، ولا تجميد لهم ولا طيران ليُبعدوه ؟. ولماذا يفعلون ذلك؟ وماذا ينفعهم جسد هامد وقد رفض يسوع لبطرس أن يُدافع عنه وهو حيٌّ؟. لا تبدو فكرة سرقة جسد مائت ممكنة إلا لأذهان نتنة وقلقة تخافُ من ظل نفسها. فالذين لم يقدروا أن يُجابهوا يسوع بالكلام، وفضحهم كلَّما أحرجوه بسؤال أو تهموه بمخالفة، باتوا يخافون حتى من جثَّته؟.
إنتشرت هذه الرواية بين اليهود !
يكتب متى لأهل فلسطين من مسيحيين ويهود غير مُهتدين. لا يَقُصُّ عليهم خبرًا. ولا يختلقُ روايةً من عنده. يبني خبره على واقع مرتبطٍ بقيامة يسوع ويُعالجه ويكشف الأخطاء التي فيه. تواجهُ رعيَّتُه دعايةً نشرها اليهود ولا يزالون يلوكونها، مفادُها الطعن ببشارة تلاميذ المسيح لإبطالها ومنع اليهود عن الأيمان بالمسيح، هي” أنَّ المسيح لم يقم بل سرقه تلاميذه “. ويقول متى :” وآنتشرت هذه الرواية بين اليهود إلى اليوم” (متى28: 15)، أي تاريخ كتابة الأنجيل حوالي سنة 80م. كتب متى ليفضح خُبث اليهود ودجلهم. فمَن إتَّهم دجَلاً و شهد زورًا وبهتانا ورشى ظلمًا لا يصعب عليه أن يستمر في نفس السلوك للمضي في تثبيت دعايته والحفاظ على منافعه. كان بإمكان اليهود أن يحرسوا القبر. ذلك لا يُغَّيرُ شيئًا في حدث القيامة وحقيقتها. يسوع حَّي وظهر لتلاميذه. ما كتبه متى إرشادٌ للمؤمنين حتى لا يقلقوا، وتحذيرٌ من دجل القادة ومن تلفيقهم للتهم، وسلوك سبيل الكذب والسوء للتغطية على مساوئِهم، وتبرير عدم إيمانهم بالمسيح.
لم يحتاج مرقس ولوقا إلى ذكرالخبر أو الأهتمام بالدعاية الكاذبة في فلسطين، لأنَّ رعاياهم ليست تحت تأثير اليهود. أمَّا متى فيعرف ثقل نفوذ القادة، وقد صلبوا يسوع وهو أبرأ منهم، وأنَّهم ما زالوا يُثيرون الشعبَ ضدَّ يسوع (مر15: 11) في آضطهاد المؤمنين به. هو واثقٌ من أنَّهم لا يتراجعون أمام أي شيء، أو أسلوب، لتنفيذ مأربهم. فلا مانع لديهم أن يُخيفوا و يُهَّددوا ويُرشوا. أما رشوا يهوذا ليُسَّلم مُعَّلمَه إليهم ؟(لو22: 3-6). فما المانع أن يرشوا الحاكم والجنود لتنفيذ خطَّتهم والتغطية على جريمتهم؟ وهذا ما أكَّد عليه متى ويقول: “أخبرَ الحراس الأحبار بما حدث..ورشوا الجنود ..وقالوا لهم: أَشيعوا أنَّ تلاميذه جاؤوا ليلا فسرقوه ونحن نيام. وإذا بلغ الخبرُ الحاكم توَّلينا إرضاءَه” ( متى28: 11-14). ليس صعبًا إيجادُ شهودِ زورٍ، بل الأصعبُ ثبوتُ شهادتِهم وعدم تبَّخُرِها!. ليس الأمرغريبًا عن الساحة الأنسانية. فما زلنا نعيش اليوم مأساة أمس ونعاين ونسمع، على المستوى الدولي والرسمي، أخبار الدسائس والدجل والعنف والكره و الأضطهاد والتسَّتر على الجرائم والفضائح المالية والأخلاقية، ومأآسيها !.
وهل يجوز أن ينام الحُرّاس؟. عندما يغيبُ القانون كلُّ شيء ممكن. الموازين والقياسات كلُّها مُعَّومة. ويغيب الحَّقُ والعدلُ كلَّما تبعَ الناسُ أهواءَهم ومصالحهم المادّية. ومن يطلب المجد والمناصب لن يتراجع أمام كِذبةٍ أو رشوةٍ أو حتى ظلمٍ ليبلغ هدفه. أما أعلن أهلُ العالم عن الشعار:َ” الغايةُ تُبَّررُ الوسيلة “؟، فحَلَّلوا حتى القتل لتصفية المعارضين و المنافسين. فنومُ الحارس حجَّةٌ مرفوضة في الشرع. إذا كان الرعاةُ لم يناموا طوعيًا حتى يحرسوا قطعانهم (لو 2: 8)، فكيف بالجنود وهم مأمورون بواجبٍ يُحاسبون عليه؟. و عقوبة التقصير لم تكن أقَّل من الموت: ” ولمَّا طلب هيرودس بطرس ولم يجده سألَ الحرس وأمر بقتلهم”، مع أنهم لم يناموا ؟(أع12: 19).
يكتبُ متى خبر الحراسة وما تبعها لا لحدوثها حرفيًا، وربما تكون صحيحة حرفيًا، بل دحضًا لكذبةٍ إجتماعية تنخرُ عظام شعب ” قاسي القلب وغليظ الرقبة ” مبنية على سوء نية ، تعَّطر بالخبث والكذب والرياء، والتصميم على عدم التراجع عنها. كان من المفروض أن تُغَّير القيامة موقف الرؤساء ويعترفوا بان يسوع هو المسيح المنتظر، ويعترفوا فيتندموا عن صلبهم له، معترفين أنهم تصرفوا عن جهل ولم يعرفوا أنَّهم ” صلبوا رَّبَ المجد” (1 كور2: 9). لكنهم بعكس ذلك قرروا طمس الحقيقة، وأعلنوا الحرب حتى ضد تلاميذ يسوع بهدف إستئصال جذور” المسيحية “، رغم نصيحة بعض علمائهم بعدم توريط أنفسهم بمثل هذا المَّد الشّرير(أع5: 34-40).
إرتشى الحراسُ فكــذبوا !
تقول الصلاة أيضًا: ” آهًا من الشعبِ غير المؤمن بالحق. لو أن التلاميذ سرقوا الجسد فلماذا تركوا اللفائف والكتان في القبر؟. لماذا إستنكر توما ..”: إنْ لمْ أرَ في يديه آثار المسامير لا أومن “..وتُنهي أُخرى بالقول: ” لماذا يجلسُ الجهلاء يحرسون القبر؟. إنَّ القبرَ مُغلَقٌ ومختومٌ. أمَّا المسيح فقد قام وآنبعث. ويلٌ لصهيون مَن أَضاعتْ “؟. إنَّها مأساة. إنها فعلا مأساةٌ مؤلمة. مأساة الصراع بين الحَّقِ والباطل، بين الخير والشر، بين الأنانية الحاقدة والمحَّبة المُنفتحة.
رفضَ اليهود المسيح فعادوا المسيحية. ويتنكَّرُ العالم له ويرفضه وينبذُ المسيحيين. ولا يترَدَّدُ أعداء المسيح عن القيام بأَيِّ عمل كان، لا فقط بالكذب والتلفيق والإتّهام ، بل وحتى بآقتراف أبشع الجرائم وأنكرَها لطمس ذكرالمسيح ولتبرير مواقفهم السلبية. يُعالجون الخطأ بخطأٍ جديد مُضيفينَ شَرًّا على شَّر.
إنمَّا لا يُغَّيرُ كلُّ ذلك واقع قيامة المسيح. فهو حّيٌّ. ولكن بالنسبة الى المسيحيين تُرى كيف يتفاعلون إزاء تُهمِ العالم وإعلانات أهله الكاذبة؟. هل يضطربون فيخافون؟. أم يتشَّكون و يتذمرون ؟. أم يعترضون فيُقاومون ويرُّدون الصاع صاعين؟. هل يُصَّدقون كذبهم ؟ هل يتبعون إعتراضاتهم وآدّعاءاتهم؟. أم يجلسون بهدوء، يتأملون كلام المسيح، ويُثَّقفون أنفسهم ويُنَّورون إيمانهم بالدرس والتمحيص، ويطلبون الحقيقة، عند الحاجة، من الذين وعدهم الرب أنه يُثَّبتهم في الحَّق و” أبوابُ الجحيم لن تقوىَ على إغوائهم”؟ (متى16: 18).
جاء متى، بفقرة حراسة القبر، يُنَّبهُ قرّاءَه ليُمَّيزوا الغَّثَ من السمين. فالعالم لا يتوانى في مقاومة الكنيسة، ولا يتهادن في إغواءِ المسيحيين. وإذا لم يقوَ على إبادة المسيحية فيمنعُ أقَّلَه إنتماءَ الغرباءِ إليها فلا يشتَّدَ عودُها. سيستمِرُّ يتَّهمُها ورجالَها بأبشع التُهم : محَّبة المال ، الجنس، التخَّلُف، الأستعباد .. الى ما لا نهاية له من المُنكَرات. ولن يرَ فيها الخيرَ أبَدًا ، و يسدُل االستارَ على حسناتها. وإذا برز فيها خيرٌ فيعزوه الى قوى أخرى. ويُقَّلِدُها في جميع نشاطاتها الأنسانية ليسدل الستارَ على حيويتها. لكنَّ كلُّ هذا لا يُثني المؤمن من الثقة بها و بالمسيح. كما لا يمنعُه من عمل الخير ومن المحَّبةِ حتى للأعداء. وتهمة العالم بالتقصير في أيِّ مجال يؤولُ الى حّثِ المؤمن على أن يتجَدَّدَ دومًا بقوة الروح القدس (طي3: 5)، و أن يتحَوَّلَ الى صورة المسيح (2كور4: 16؛ 3: 18) شاهدًا له ومُرَّدِدًا مع الرسل :” يسوع هذا قد أقامه الله ، ونحن بأجمعنا شهودٌ له على ذلك ” (أع 1: 8؛ 2: 32).