1كور 15: 19 ، ماذا تعني

أهلا وسهلا بالأخت سعادة لويس.

قرأت الأخت رسالة مار بولس، النص المذكور :” وإذا كان رجاؤُنا في المسيح لا يتعَدَّى هذه الحياة، فنحن أشقى الناس جميعًا ” (1كور15: 19)، فسألت :” ما معنى هذه الآية ” ( قيامة الأموات )؟.

قيامة الأمـوات !

هاتان الكلمتان عنوان فقط لما سيدور عليه الكلام في النص التالي. والفصل الخامس عشر من الرسالة يتحدثُ كلُّه عن قيامة المسيح كحقيقة تأيخية ثابتة، وهي الحجر الأساس لأيماننا المسيحي، ثم كنتيجة حتمية لها، هي خلاص المؤمن وقيامتُه لحياة الراحة والنعيم الأبديين. والآية التي أشغلت بال السائلة الكريمة جزءٌ من هذا الفصل.      

إشتهر أهل مدينة كورنثية بآهتمامهم بحكمة الكلام ومنطقه. والفلسفةُ أشرقت من اليونان. و يوم بشّر بولس مجلس مدينة أثينا، وبلغ في حديثه الى خبر قيامة المسيح، إستنكروا قيامة مَيِّتٍ وخرجوا مستهزئين به قائلين ” سنسمعُ كلامك في هذا الشأن مرةًّ أخرى” (أع17: 32 ). وفي رسالته لا يترَدَّدُ بولس، عندما إنقسموا بينهم، وأخذ كلُّ واحد يؤيدُ رسولا مختلفًا عن غيره ، في التهَّكم على آلمعترضين عليه، لأنَّهم يبنون إيمانهم على الحكمة البشرية، و ” الأنسانُ البشري لا يقبل ما هو من روح الله لأنه يعتبُره حماقة، ولا يقدر أن يفهمه ” (1 كور2: 14). بينما يبني بولس كرازته على شخص المسيح وحكمته، فيقول:” لم آتِكم ببليغ الكلام أو الحكمة لأبَّشركم بسِّر الله. إنَّما شئتُ أن لا أعرفَ شيئًا، وأنا بينكم، غيرَ يسوع المسيح، بل يسوع المسيح المصلوب…ولم أعتمد، في تبشيري، على أساليب الحكمة البشرية ، بل على ما يُظهرُه روحُ الله وقُوَّتُه. حتى يستندَ إيمانكم إلى قدرة الله، لا إلى حكمة البشر” (1كور2: 1-5).

إن لم يقم الأموات .. ايمانكم باطل !

يبدو من كلام بولس أن بعض المعترضين لا يزالون يرفضون” قيامة الأموات”، أي وجود حياة بعد موت الجسد. إعترض عليهم بولس :” كيف يقولُ بعضُكم إنَّ الأمواتَ لا يقومون” ؟ (الآية 12). ويُبَرهنُ على أنَّ قيامةَ الأمواتِ حقيقةٌ ساطعة بدليل” قيامة يسوع المسيح”. و من لا يؤمن بقيامة الأموات فهو ينكر قيامة المسيح. ومن نكر قيامة المسيح كيف يُبَّررُ إيمانه؟. و ما هي تلك الحكمة والمنطق، وما هو ذلك الأيمان، أن يحرم المسيحي نفسَه من ملذّات الدنيا والجسد، ويعرَضَ نفسه للمخاطر وللآلام وهو لا يؤمن بالحياة الأبدية؟. ” فإذا كنتُ قد صارعتُ الوحوش في أفسس لغرضٍ بشري فما الفائدة لي؟ إذا كان الأموات لا يقومون فلنقل مع القائلين : تعالوا نأكلُ ونشربُ فغدًا نموت ” (الآيات 29-31). والقيامة هي الطريق الى الحياة الأبدية ؟

بنى يسوعُ تعليمه كلَّه على الحياة الأبدية، أي مع الله في المجد والنعيم، وهي ثمرة إنتصار المسيح بالقيامة. ومع موت المسيح أشار متى إلى قيامة الأبرار الموتى (متى27: 52-53) ، كما أشار اليها مار بطرس (1بط3: 19). كما بين يسوع في مثلي الغني ولعازر(لو16: 22-25) والعذارى العشر والدينونة العّامة (متى25: 10-13) وجود الحياة أبديًا. والحياة السعيدة والمجيدة كنَّى بها الكتاب بـ ” القيامة “، أمَّا الهلاك فدعاه ” الموت”. وشدَّد يسوع على أن من يسمع له ويؤمن به يقوم للحياة الأبدية ، و” لا يحضر الدينونة ، لأنَّه إنتقلَ من الموت الى الحياة ” (يو5: 24)، مؤكدًا أنَّه هو يقيمه (يو6: 54). وشدَّد يسوع على السهر والصلاة، وعدم الأِهتمام بآلأكل والشرب وآللبس، والصبر على الظلم، والصمود أمام الإضطهاد، والسعي أولا لضمان الحياة الأبدية وعدم تكويم الكنوز على الأرض، بل جمع رصيد من الكنوز الروحية لضمان حياة الأبد، لاسيما السماع الى كلام الله الذي تنقله لنا الكنيسة وحدَها.     

أشقى الناس أجمعين !

ولماذا يُقَّيدُ المؤمن نفسَه بكل هذا إذا كان لا يؤمن بالحياة الأبدية، بقيامة الأموات؟. إنه لجنون. والمسيح لم يمت كي نحيا لغرضٍ بشري زمني. والأيمان الظاهري بالمسيح يكون ضحكًا على الذات. وتكون حياتنا أتعس من الملحد وناكر المسيح. لا بل لا أحد سيهتم بتعليم المسيح.  وإذا تمنينا من المسيح حياة سعيدة في الدنيا حسب حكمة العالم وفلسفة الملحدين، أو فّضَلنا أنانيتنا وراحتنا الزمنية وآراءَنا الدنيوية نكون إمَّا قد جهلنا المسيح أو رفضناه. هذا ما يعني” إذا كان رجاؤُنا في المسيح لا يتعَّدى هذه الحياة، فنحن أشقى الناس أجمعين”. لأننا نكون لا نملك من المسيح غير الأسم. ولا نسعى وراء أمجاد العالم مثل أهله. فنكون قد خسرنا العالمين : الدنيا وآلآخرة. في حين نحن مدعوون أن نحيا على الأرض مثل يسوع أبناءًا لله ، ومواطنين للسماء. لأننا آمَـنّـا حَقًّا بالمسيح وقبلنا شريعته، ونلتزمُ بها عن وعيٍ وحرّيةٍ ومحَبَّة. لم يمُتِ المسيح ويقم ليُكَثِّرَ لنا طعامًا وشرابًا وراحةَ بالٍ زمنية. لقد وفَّرَها لنا منذ آلخلقة. بل” لنحيا في عدلٍ ومحبَّةٍ وبِرٍّ وخيرٍ وسلام وفرح في آلروح القدس” (رم 14: 13-18). يجب أن يكون إيماننا بالمسيح حَيًّا، نُجَسِّدُهُ في سلوكنا اليومي، محاولين أن نَشُّعَ فينا صورة المسيح النَـيِّرة (غل4 : 19)، بل أن نتحَوَّلَ الى تلك الصورة (2كور3: 18)، فيحيا المسيحُ فينا حتى نستطيعَ أن نقول مع بولس :” ما أنا أحيا بعدُ، بل المسيح يحيا فيَّ ” (غل2: 20).