أهلا وسهلا بالأخت أنسام يوسف
لماذا يوحنا الرسول محبوبٌ أكثر من بقية التلاميذ ؟
سألت الأخت أنسام ” لماذا التلميذ يوحنا كان محبوبًا أكثر من بقّية التلاميذ “؟. لقد كتبَ إنجيلا وثلاث رسائل والرؤيا، وآتَّكَأَ على صدر يسوع ليلة العشاء الأخير، و وَصّاهُ يسوع على أُمِّه وهو على الصليب، وعاشَ وعمَّر( 98 ) سنة، ومات موتًا طبيعيًا ليس مثل الباقين؟ ما الذي يُمَّيزُ يوحَّنا ” ؟؟؟.
ما الذي يُمَّيز يوحنا عن بقية الرسل ؟
لم يكتب الأنجيل شيئًا عن ذلك. يجب أن نقرأ بين الأسطر نتَفًا تكشف شخصيته قليلا. هو من عائلة ميسورة. لوالده زبدى مُستأجَرون يعاونونه في الصيد وإصلاح الشِباك (مر1: 20). و أمُّه سالومة تساعدُ يسوع والرسل بخيراتها (متى27: 55؛ لو8: 3). كان يوحنا تلميذًا ليوحنا المعمدان، وأحدَ الأثنين الأولين، هو وأندراوس بن يونا، اللذين إلتقيا بيسوع وقضيا نهارًا كاملاً معه (يو1: 35-40). وسيكونان التلاميذ الأربعة الأُوَل مع أخويهما إختارهما يسوع لآتّباعه (متى4: 18-22). كما سيُشَّكلُ مع أخيه يعقوب وبطرس الشهود الرسميين لحياة يسوع ولأهم أحداثها : إقامة إبنة يايروس (مر5: 37)، والتجَّلي (متى17: 1-2)، و النزاع في بستان الزيتون (مر14: 33). تأكيدًا لما سيقولُه متى :” يثبُتُ كلُّ شيء بشهادة إثنين أو ثلاثة (متى18: 16؛ يو8: 17). ومع بطرس يتفقدُ القبر الفارغ (يو20: 2-8)، و يشفيان مُخَلَّعَ الهيكل (أع3: 1-8)، وسُجنا ( أع4: 3)، وجُلدا مع غيرهم (أع5: 40) وثَبَّتا المعَمَّدين في السامرة (أع8: 14-17). فيوحنا ليس فقط ” المحبوبَ الأكثر” بل وله مكانةٌ ثانية بين الرسل بعد بطرس. يدعوهما بولس” عمداء الكنيسة ” (غل2: 9).
الذي يُحِبُّه يسوع !
كُلَّما إحتاج يوحنا ذِكْرَ وجودِه وفعلِه سمَّى نفسَه ” التلميذ الذي أحَّبَه أو يُحِبُّه يسوع” (يو13: 23؛ 19: 26؛ 20: 2 ؛ 21: 7 و 20). وإذا كان برفقة غيره لاسيما بطرس دعا نفسَه ” التلميذ الآخر” (يو20: 4-8). ظهر يوحنا الأكثرَ أمانةً بين الرُسل إِذ لمْ يتخَّلَ عنه في آلامه بل لازمه من بستان الزيتون والى القبر. كان معروفًا من رئيس الكهنة قيّافا ويحترمه بحيث توسط لدى حشمه لآدخال بطرس الى دار قيافا (يو18: 15-18). يُعتَقدُ أنَّه عاشَ طويلاً. و لكن الأمر ليس مُثَّبَتًا. الأكيد أنه كان عائشًا الى سنة 95م حيث فيها يذكره البابا كليمنضس.
كما ذكر كتاب من القرن الثالث الميلادي أنَّه نُفيَ الى جزيرة بطمس حيث تعَّذبَ من أجل المسيح و” آستشهد في الزيت المغلي”. المعلومة الأَثْبتْ عنه أنَّه كان، بين الرسل، الأصغر عمرًا وأعزَبًا. والمصدر المذكور قال عنه أنَّ بتوليته كانت بآختيار الرب يسوع مباشرة. لقد تمَّيز بطرس بالقيادة (الخارج)، أمَّا يوحنا فتمَّيز بالمحبة وبُعدِ النظر مع عمق الرؤية أي (الداخل).
لماذا أحَّبه يسوع كثيرًا !
أَعْتقِدُ انْ لا احدَ يقدر أن يُجيبَ على هذا السؤال غير” يسوع المسيح ” نفسه. وأعتقدُ أنَّ جوابَه سيكون كما رَدَّ على سؤال بطرس الذي كشف يسوع مصيره ” مُشيرًا الى الميتة التي سيموتها بطرس” فسأله عن يوحنا :” يا رب، وهذا ما هو مصيرُه؟. فأجابَ يسوع : لو شِئتُ أنْ يبقى الى أنْ أجيءَ {{ وربما هذا الكلام في أساس الأعتقاد بطول عمر يوحنا }} ، فماذا يُعنيك ؟ أنتَ إِتْبَعني” (يو21: 20-23). إذا أبى يسوع أنْ يكشفْ سببَ حُبِّه ليوحنا ماذا يُخُّصنا نحن؟. ليس ذلك مُهِّمًا لخلاصِنا. ويسوع أدرى بما يفعلُه. الأهَّمُ لنا أن نعرفَ ” لماذا وكيف تجَرَّأَ وآتَّكَأَ على صدر يسوع في العشاء الأخير مثل طفل في أحضان أبيه؟ (يو 13: 25).
يُوحَّنا يُؤَّكدُ أنَّ يسوع أحَّبَ جميع تلاميذه، دون تمييز، و” أحَبَّهم مُنتهى الحُب” (13: 1). لم يحب واحدًا قليلا وغيرَه كثيرًا. ولم يذكر بقية الرسل أنَّ يسوع أحَّبَ يوحنا أكثر منهم. يجب أن نفهم الأمر إِذن على وجهٍ آخر. علينا أنْ نبحث عن الحب في يوحنا نفسِه، وأنَّه هو الذي أحَّبَ يسوع أكثر من البقية. أصغرُهم سِنًّا يشتاقُ الى ظهور ملكوتِ الله ومجيءِ المسيح المنتظر. يتعَّقبُ حدوثَ إشارةٍ الهية بالأمر. وما أن سمع بظهور يوحنا حتى يُسرع فيتتلمذ عنده منتظرا معه ظهور المسيح. ولما أخبر يوحنا عن حضور المسيح ودَلَّه عليه لم يترَدَّدْ في الآلتحاق به (يو1: 35-39)، والتتلمُذِ له. وما صَدَّق حالَه عندما سمع يسوع يدعوه الى إِتّباعِه والإقامةِ معه حتى ترك أعَّز أشخاص له، والديه، وتبعه مع أخيه لأنَّه أَحَّبَ يسوعَ. لقد إفتهمَ المسيحَ قبلَ أن يسمعَه وأَحَّبَه قبل أن يتبعَه (متى10: 37). في المسيح عرف حبَّ الله الحقيقي الفائق الوصف، حُبَّ أبٍ يبذلُ الحياة مجّانًا، ويَضمنُ المعرفة الحقيقية والراحة والسلام لأبنائِه البشر. لم يطلبْ منفعةً في تلمذته ليسوع (متى 19: 27). طمع فقط في حُبِّه وغرفَ منه ما آستطاع.
عرفَ يوحنا أنَّ يسوع يُحِّبُه كثيرًا مثلَ البقية. وأحَّبَه يوحنا بالمقابل. لم يشأَّ أن يفتخرَ بنفسِه وبحُّبه ليسوع. بل إفتخر بحب يسوع له، لأنَّ اللهَ هو الذي أحَبَّنا أوَّلاً (1يو4: 19). وكأنه يكتب لقارئِه ويقول له :” أنتَ أيضًا يسوع يُحِّبُكَ. ويُحِّبُكَ منتهى الحب “. لم يكن بطرُس رسولَ الحب مع أنَّه إعترفَ أنه أيضًا يحب يسوع كثيرًا، بل أكثرَ بِظَّنِه من بقية الرسل (يو 21: 15). يوحنا يبقى رسولَ الحب في كلِّ ما كتب، فهو الذي عرفَ يسوع وأحَسَّ به عند الصيد بعد القيامة (يو21: 7). بينما إِنشغلَ بطرس بهمومه عن يسوع. أما يوحنا فكان يسوع يعيش في داخله. تمامًا كما وصل يوم القيامة الى القبر أوَّلًا بينما تخَّلفَ بطرس أيضًا بسبب همومه (يو20: 4-5). كان بصرُ يوحنا يغوصُ في العمق، وكانت مشاعره تتحَسَّسُ أبعد من حدود الجسد. فلم يدَعْ يوحنا همومَ الحياة أنْ تتغلَّب عليه، بل عرف أن يُبَّددَ تلك الهموم بواسطة حب المسيح له. فيوحنا هو بدون منافس وسيبقى” يوحنا الحبيب” ، وأيضًا ” رسولَ الحب الحَّي”