الرسل وكتابة الأنجيل

أهلا وسهلا بالأخت أنسام يوسف

 لماذا لم يكتُب بقية الرسل الأنجيل ؟

سألت الأخت أنسام أيضًا :” نعلمُ أنَّ الكتابَ المُقَّدس كلُّه مكتوبٌ بالوحي الألهي. سؤالي : التلاميذ كانوا مُقَرَّبين من يسوع، ألـ 12 منهم. متى ويوحنا كتبوا أناجيلَهم. لكنَّ لوقا و مرقس كانوا -< تلاميذ التلاميذ >- ( ؟؟). أَ  لمْ يكن بالأحرى أن يكتبَ بطرس أو يعقوب أو أندراوس أو الآخرون الذين كانوا مُقَرَّبين من يسوع؟. أَ لمْ تكن لهم الأولية بالكتابة عن يسوع لكونهم عاينوا وشهدوا عن يسوع؟. وبولس الذي كتبَ أكثر من نصف العهد الجديد وهو لم يُعاين يسوع جسديًا وإنَّما رآه في رؤيا على طريق دمشق. وكان أكبرَ مُضطهِدٍ للمسيحية. لماذا بولس نال هذه الحظوة وكتبَ الكثير من الرسائل ، وغيرُه  لا ؟؟.


لماذا جبلتني هكذا ؟

وأنا أقرأُ السؤالَ خطر في بالي قولُ الرسول: ” من أنتَ يا إنسان حتى تعترضَ على الله؟. أَ يقولُ المصنوعُ للصانع ” لماذا صنعتني هكذا”؟ (رم9: 20). تذكرتُ أيضًا عُمَّالَ الكرم في ساعاتٍ متفاوتة. لمَّا إعترض الأوائلُ على الأخيرين ” لقد ساوَيْتَهم بنا نحن الذين إحتملنا ثِقلَ النهار وحَرَّه؟ “. وأجابَهم الرَبُّ:” أَ لستُ حُرًّا أن أتَصَّرفَ بمالي كيفما أُريد”؟(متى20: 11-15). إعتراضٌ على عمل الله. وهل أدّينا نحن ما علينا مثلما هو مطلوب حتى نعترضَ على من وهبنا الحياة وكَلَّفنا بالحَّق والبر اللذين هما من طبيعةِ صُنعِنا ؟. وقد أدان اللهُ كِلا الإعتِراضَيْن أنَّهما من الشرِّير، بينما ” يقضي الله في الأرض قضاءًا كاملاً سريعًا وعادلاً ” (رم9: 29؛ متى20: 16).


شرَحَا له مذهبَ الله شرحًا دقيقًا !

هكذا فعلتْ بْرسكِلَّة وأكيلا في الحوار مع تلميذهما (أع18: 26). الدِقَّةٌ واجبٌ وأمانةٌ يجبُ التقَّيُد بها عند الحوار. هكذا فعل لوقا في كتابةِ الأنجيل فقال: ” تتَبَّعْتُ كلَّ شيءٍ من أُصولِه بتدقيق… حتى تعرفَ صحَّةَ التعليم الذي تلَّقيتَه “(لو1: 3-4). وقد أتَتْ في سؤالِ الأختِ الكريمة عباراتٌ غير” دقيقة “، أحسبُها بسبب الجهل، يجبُ التنويهُ إليها قبل تقديم الجواب.

1+ التمييزُ بين التلاميذ والرسل. تابعَ حركةَ يسوع وتعاليمَه ومعجزاتِه كثيرون بشكل متواصل. إختارَ يسوعُ من بينهم أولاً 12 يُعرفون بالرسل وهم الذين كانوا يُقيمون معه ليل نهار. كان يُثَّقِفُهم على حِدة ويخرجُ معهم في جولات تبشيرية، ثم أرسلهم ليتدَرَّبوا على التبشير و” سمَّاهم رُسُلا” (مر3: 13-19؛ لو6: 12-16؛ متى10: 1-15). مَيَّزهم يسوع عن البقية وسمَّاهم” رُسُلاً “. ثم إختار من بين الذين إستمروا في متابعتِهِ عن كثب ” إثنين و سبعين” آخرين وأرسَلهم يتدَرَّبون على الرسالة(لو10: 1-12). عُرفوا بـ”التلاميذ”.  

2+ تلاميذ التلاميذ !. أُولئك الـ 72، هم الذين رافقوا يسوعَ مع الرسل : ” طوال المدّة التي قضاها الرب يسوع بيننا منذُ أن عَمَّذَه يوحنا إلى يوم إرتفع عنّا .. يكون شاهدًا معنا على قيامة يسوع ” (أع1: 21-22) “. وتمَّ إختيارُ أحدِهم متّياس بديلاً عن يهوذا الأسخريوطي (أع1: 20-26). ليسوا إِذن ” تلاميذ التلاميذ ” كما ذكرَ السائلُ الكريم. إنهم تلاميذُ يسوع مباشرةً. وكان أحدُهم حاضرًا في بستان الزيتون عند القبض على يسوع، وقد كتب أحَدَ الأناجيل. إِنَّه مرقس (مر14: 50-51).    

3+ بولس لم يُعاين يسوع. صحيحٌ أنَّه لم يلتقيه على الأرض بالجسد مُطلقًا. ولكن لا ننسى أنَّه كان مُتبَّحرًا في علم الكتاب ومُعَّلمًا للأيمان، كما تلَّقى مباديء الأيمان الجديد من الرَّب يسوع بوحيٍ مباشر وليس من البشر(غل1: 11-12)، وقد عرضَه، بعد سنين من تبشيره، على أعمدة الكنيسة بطرس ويعقوب ويوحنا فأيَّدوه أنه لا نقص فيه ولا خطأ (غل2: 2-10). و يسوعُ نفسُه إختاره رسولا (أع13: 2-3) مثل بطرس ومتى وغيره.

4+ الكتابُ كلُّه وحيٌ من الله (2طيم3: 16). أكيد. بجانب ذلك يجب أن نُمَّيز بين الوحي و بين نقل الوحي ويُسَّمى الإلهام. فالكتاب المقَدَّس حُرِّرَ بـ” إلهام من الروح القدس” لينقل ما أوحى به الله مباشرة مثل العهد القديم الى زمن موسى، والعهد الجديد على يد يسوع المسيح ، أو بواسطة الأنبياء أو الرسل. فللتمييز والتثقيف أنقل لكم تعليم الكنيسة حسبما أعلنه المجمع الفاتيكاني الثاني سنة 1965م.

أ . الوحي Revelation. بناءًا على ما قاله الكتاب (أف1: 9؛ 2: 18؛ 2بط1: 4)، هو : كشفَ الله ذاته للأنسان وذلك عن حكمة ولطف، وعَرَّفَ بمشيئته. نظراً لمحبته العظيمة توَّجَهَ نحو الأنسان كصديق ويدعوه الى الدخول في شِركةٍ معه. بالمسيح نقدر أن نشترك في حياة الله. هذا الوحي، هذه الحقائق نقلها الرسل إلى العالم شفويًا بالكرازة، وتم حفظ أغلبها بعيشها، ثم آنتقلت الى الأجيال التالية بالتقليد. أو نقلوها كتابةً بأسفار العهد الجديد (وثيقة الوحي الألهي، رقم 2).

ب . الإلهام Inspiration. ما سبق وأوحاه الله وبقي في الأذهان وعاشه المؤمنون، ألهم الروحُ القدس بعضًا من المؤمنين، رسلاً كانوا أو تلاميذ أو غيرَهم، مثل لوقا، أن يُوَّثقوا إيمانهم وكرازة الرسل وينقلوها إلى الأجيال التالية. الروح لا يُنَّقِلْ بل يُحَّرك فكرَ الكاتب ويصونه من خطأٍ عقائدي. فالروح هو يُلهم أيْ يختارُ من يعرفه جديرًا بالكتابة. يُرشِدُه الى كتابة الحقائق ويترك للكاتب أُن يستعمل علمه وأسلوبَه وقناعته ليُعَّبر عن تلك الحقائق. فالإلهام عملُ الله بالتوجيه وعملُ الأنسان بآختيار المادة وفقراتها. قد يختلفُ في تعبيرعلمي، مثل خبر إيقاف الشمس والقمر على يد ايشوع (10: 12-13؛ سير46: 4). لكنَّ المعنى يبقى نفسَه، إيقافَ حركة الكون حسب تعبير ذلك الزمان. أو يُعَّبرُ برموز مثل” لم آتِ لأُلقيَ سلامًا بل سيفًا ” (متى10: 34) ويعني الحق لا يقبلُ مساومة. والشرير لا يريد الحق. فتقوم خصومة بين من يتبع الحق ومن يُقاومه. السيف يؤلم ومن يقاوم الحقَّ أيضًا هو سيفٌ يؤلم.

ويسوع يطالب بالصمود في الحق (وثيقة الوحي الألهي، رقم 11).

ليس الرسل من أوصى بكتابة الأناجيل، بل غيرةُ الكُتَّابِ على مؤمنيهم ورعاياهم وَثَّـقوا الوحيَ بأسلوبٍ قصصي أو تعليمي أو رؤَوي أو روحي أو لاهوتي أو راعوي، كلُّ كاتبٍ حسب موهبته وموضوعه، وآختار من أخبار الوحي ما أراد أن يُبرزه لقُرّائِه و رعاياه. و هل نعترضُ على الله وعلى الروح القدس لماذا لم يُحَّرك توما أو أندراوس أو فيلبس أو برتلماوس ليكتبوا بينما حَرَّك واحدًا مثل لوقا الذي ليس لا رسولاً ولا تلميذًا؟. لكن لوقا كان موهوبًا ومؤَّهلا للكتابة أكثر من بطرس أو يعقوب. ويبقى لوقا كمَّل دون أن يدري مشيئة الله في نقل البشارة. مثله بولس الذي إستوعب تعليم المسيح أكثر من بقية الرسل حتى ثَبَّت المعمودية حسب رغبة المسيح وألغى الختانة. الربُّ وجَّهَهُم ، هلْ نعترضُ عليه؟.