أهلا وسهلا بالأخ فادي البير
قرأ الأخ فادي الأنجيل ولاحظ أنه يذكرُ بأنَّ يسوع أحَّبَ تلميذًا معَّينا فسأل : ألا ترى بأنَّ تلك الآية تشيرُ الى التمييز ؟
فرأى التلميذَ الذي أحَّبَه يسوع .. ! يو21: 20
إنْ كان الوالدان لا يمَّيزون ولا يفرقون بين أولادهم فكم بالحري لا يمَّيز الله بين أولاده البشر إلا بقدر ما يرفضه بعضهم ويرفضون محبته. حتى أولئك يقبلهم إذا تابوا ورجعوا اليه وسمعوا كلامه. والسبب لأنَّ الله هو محبة ولا يوجد فيه لا كرهٌ ولا حقدٌ ولا آنتقام ولو للحظةٍ واحدة. لا يحتاج الله الى البشر ليميز بينهم. لا يبحثُ الله عن مصلحةٍ ليُفَّرقَ بين من ينفعه ومن لا ينفعه. الله هو الذي يمنح كلَّ إنسان ما يحتاج اليه للحياة، ويزَّوده بموهبة خاصّة تساعده ليشارك في بناء المجتمع الأنساني.
يمُيَّزُ الله بين إنسان وآخر بمعنى انه يكلفُ كلَّ واحد بخدمة معينة خاصة مختلفة عن غيره ويزَّوده بالمقابل بالنعمة والموهبة التي يحتاجُها لأداء المطلوبِ منه. وهذا ليس تمييزا بقدر ما هو تنسيقٌ بين المواهب لتكتمل كل الخدمات التي تبني حياة الفرد أو العام. فواحد طبيب وآخر مهندس وآخر معلم وآخر فنان وآخر سائق..و..و.. وبتمَّيز الخدمات تكتملُ الحاجة ويعيش الناس بأمان وراحة.
وأما ما نقرأ في الأنجيل فعلينا أن نفهم أولا حقيقة ما يعنيه حرفيا، وثانيا ما يريدُ أن يُعلمنا به ويطلبه منا.
نظر اليه يسوع فأحَّبَه ! مر10: 21
أولا: يوحنا الرسول كاتب الأنجيل الرابع هو وحده يذكرُ الموضوع ؛
ثانيًا: يعني يوحنا نفسه ، أي هو الرسول الذي يُحِّبُه يسوع ؛
ثالثًا: لم يقل مطلقا أن يسوع أحبَّ يوحنا أكثر من بقية الرسل ؛
رابعًا: ولم يذكر يوحنا أنَّ يسوع لم يُحّبْ بقية الرسل؛
خامسًا: يوحنا نفسه يذكر بأنَّ يسوع أحب كل رسله وتلاميذه. فيقول على لسان يسوع:” كما أحَّبني الآب أحببتُكم ” (يو15: 9). ويشهد يوحنا على هذا الحب الشامل دون تمييز :” وكان قد أحَّبَ خاصته الذين في العالم، وبلغ به الحُّبُ لهم الى أقصى حد “(يو13: 1). وخاصَّة ُ يسوع في العالم لم يكونوا الرسل الأثنا عشر وحدهم أو مع الأثنين والسبعين تلميذًا فقط. بل كل من إقترب منه أو بالحري آمن به وتجاوب مع دعوته له. فهذا لعازر أخ مرتا ومريم المجدلية يشهد يوحنا أن الرب أحبهم وأحب لعازر كثيرا :” أنظروا أيَّ محبةٍ كان يُحِبُّه ” (يو11: 3، و5، و36). وهذا الشاب الغني الذي طلب الى يسوع ماذا يفعل ليرث الحياة الأبدية، فيقول مرقس { وهو وحده يذكر الخبر}، ” فنظر اليه يسوع وأحبه “!.
إن كنتم تُحّبوني .. ! يو14: 15 و28
ليس الأمر متعَّلقًا بحب يسوع لتلميذ واحد دون غيره بل يتعَّلقُ بمدى حب التلميذ لمعلمه. كما نوَّهتُ لم يذكر أي نصٍّ انجيلي بأنَّ يسوع ميَّز يوحنا بعطفه وأحَّبَه أكثر من بقية الرسل. وإذ نادرا ما يذكر يوحنا أسمه الشخصي يذكر دوما حُبَّ يسوع له. ربما يكون إفتخارًا بحب يسوع. وربما يكون رمزًا فقط وتعبيرا عن حب يسوع لكل تلميذ له. مثلما فعل لوقا في سرد خبر ترائي يسوع لتلميذي عمّاوس حيث ذكر أحدَهم بالأسم بينما ترك الثاني مجهولَ الهوية ليدل على تلاميذ جميع الأجيال (لو24: 18). أو كما فعل في كتابة الأنجيل وأعمال الرسل حيث يوجهه الى اسم مستعار ” تاوفيلس” الذي يعني حبيب الله. وكل مؤمن محب لله هو حبيب الله (لو1: 3؛ أع1:1). لا شكَّ ولا غشَّ في حب يسوع لكل تلميذ له. الشكُّ قد يقعُ في حب التلميذ، أو أقله في ضعف ذلك الحب. ونوَّه الأنجيل الى إمكانية ذلك عندما دعا بطرس ليُعَّبر عن حبه لمعلمه وعن حب يفوقُ لوحده حب بقية الرسل ، فقال : ” يا سمعان أتُحِّبُني أكثر من هؤلاء” (يو21: 15).
وهذا واضح ايضا بالنسبة الى كل الرسل، وبطرس معهم، لما أكد لهم على مدى ضرورة وفاعلية الحب في حياة رسول المسيح، ” إن كنتم تُحبوني”، إذ يقودهم حب المعلم الى حفظ وصاياه (يو14: 15)، وهذا ينال لهم حب الآب السماوي وحضوره فيهم (يو14: 21-23). وهذا يسبب لهم الفرح (يو14: 28). ولأصالة المحبة وقوَّةِ مفعولها شجَّع يسوع الرسل على الثبات في محبته (يو15: 9).
وإذا آشتهرَ يوحنا من دون كل الرسل بحب يسوع له فلربما لأن يوحنا كان أصغرَهم وكان حبه ليسوع صبيانيًا أي بريئًا وشَّفافًا بحيث تمَّيز عن حب البقية فأبدى يسوع تجاهه عاطفَة أكبر. وذلك بحق لأن يوحنا هو أول من آمن به مع أندراوس وتبعه رغم غضاضة عمره (يو1: 37-39)؛ وهو من إحترم مركز بطرس فدعاه يدخل الأول الى القبر(يو20: 5-8)؛ وهو ايضا من تعَّرفَ على يسوع على بحيرة طبرية بعد القيامة (يو21: 7). فلن يكون إذن حبُ يسوع له بنوع مُعلن سوى رَدًّا وتأكيدا لحب يوحنا الصافي والبريء. وهذا ليس تمييزًا بل تأييدًا لهذا النوع من الحب ودعوة للآخرين بأن يتحَّلوا بمثله.
وإذا سُمّيَ يوحنا بـ ” الحبيب ” لأنه عرفَ فعلا طريق الحب الصافي الحقيقي وسلكه. يدُّلُ على ذلك ما كتبه وكثرة ما خَصَّه بالمحبة. إنه بحق وحقيقة ” رسولُ الحب “. فقد عرفَ وأعلن أنَّ اللهَ محبة (1يو4: 8). والله هو الحياة. والمؤمن بالله يحيا أيضا لأنه عرف المحبة فآنتقل ” من الموت الى الحياة. ..فمن لا يحب بقي رهنَ الموت “(1يو3: 14).