أهلاً وسهلا بالأُخت أُمُّ م.
سألت الأُخت :” هل هناكَ وجودٌ للسِحْرِ”؟. وأضافت تقول:” أنا لا أُمنُ بالسِحرِ. لكنَّ مِن حولي مَنْ يؤمنُ به. فهل تعترفُ الكنيسة بوجود السحر”؟.
العهد القديم !
الكلامُ عن السحر قديمٌ مع قِدَمِ الأنسان. لقد تركَ آثارًا لوجودِه بين أقدمِ الحضارات والأُمم كالكلدان والمصريين والرومان. عندما إبتعدَ الأنسان عن الله إِنطمسَ في الأهواء والملَّذات الشهوانية الجسدية، لأنَّه فقد الروح الألهي، فآستغَّلَ ابليسُ الفرصة، وقد غَّشَ الأنسانَ منذ يومِه الأول. وقد تأَّثر بنفوذ الشيطان حتى شعبُ اللهِ المُختار. جاءَ ذكرُه في قِصَّة يوسف الصِدّيق الذي إنتصرَ على العَرَّافين السحرة (تك41: 8..؛ 44: 5)، وفي قِصَّة موسى الذي غلبَ سحَرَة مصر(خر10: 7-23؛ 8: 1-15؛ 9: 8-12)؛ وشاول الملك قد ” نفى العَّرافين والسحرة من البلاد” لكنه عندما إحتاج الى عون الله ولم يستجبِ اللهُ له لأنه سبق وعصى أمرَه إلتجَأَ الى السحر فقصدَ عَرَّافةً لتوصلَه بالنبي صموئيل المُتوَّفي ليستشيرَه في أمر الحرب (1صم 28: 3-19)؛ ودانيال أيضًا غلبَ السحرة وأَفحَمَهم (دا2: 2-24)، حتى عَيَّنَه المَلكُ رئيسًا للسحرة بشكل رسمي (دا5: 11). وقد حرمَ موسى رسميًا كلَّ أنواع تعاطي السحر، فقال : ” لا يكن بينكم من يتعاطى العَرافَةَ ولا الفألَ ولا السحرَ ولا مَن يَرقي رِقْيةً ولا من يسألُ جّانًا أو تابِعَةً ولا من يستشيرُ أرواحَ الموتى. هذه كلُّها رِجسٌ عند الربِ إلَهِكم.. ولا يُجيزُ لكم الرَّبُ إلَهُكم مثلُ ذلك ” (تث18: 10-14).
العهد الجديد !
وقد جاءُ ذكرُ السَحَرةِ والعَرّافين أيضًا في العهدِ الجديد. فبطرس يلومُ سِمعان الساحر على نيَّته السيئة (أع8: 9-24)، وبولس ضربَ بالعمى بَريشوع/ عليما الساحر(أع13: 6-12)، وطردَ الروح العَرّاف من جاريةٍ في فيلبي (أع16: 16-18)، وأَهدى سَحَرَةَ أفسُّس (أع19: 13-18). وفي الأمثلة المذكورة يسرُدُها الكتابُ ثم يُعلنُ كيفَ أنَّ حضورَ الله يقضي على كلِّ سِحرٍ أو عَرافة. فالله يتفَوَّقُ حتى على مصدر السِحر، ابليس. والكتابُ يُحَّرِمُ السِحرَ و السَحَرَة تحت طائلةِ الموت (أح19: 31؛ 20: 6 و27؛ تث18: 10-12). ورُبَّما يعني السِحرُ أيضًا ما جاء في متى (24: 24) ” سيظهرُ مُسَحاءٌ دَجَّالون وأنبياءٌ كَذّابون يصنعون آياتٍ وعظائمَ عجيبة ليُضَّلِلوا إِنْ أمكن حتى الذين إختارَهم الله ” (أُنظر، رؤ13: 7-15).
ما هو السِحرُ ؟
نتساءَلُ : ماذا يعني ” السحرُ”؟، ونحاولُ إلقاءَ بعضِ الضوءِ عليه.
- السحرُ لُغَوِّيًا. سَحَرَ= خَدَعَ، إِحتالَ. عملَ لهُ السِحرَ= إِستمالَه وفَتَنَه وسَلَبَ لُّـبَّهُ. و سَحَرَه عن = أبعَدَه. أَلسِحْرُ= ما لطُفَ مأْخَذُه ودَّقَ. أي حيلَةُ الساحِرِ عند إِخراجِ الباطلِ في صورةِ الحَّق. وقواميسُ اللغة تُعَّرفُ السِحر أنَّه : فنٌّ يُفْتَرَضُ أنَّه يقومُ على أَفعالٍ خاصّة و ممارساتٍ خَفية تُناقِضُ قوانينَ الطبيعة. إنَّه مجموعةُ طقوسٍ وآعتقاداتٍ وممارسات تُناقِضُ مساويءَ القِوَى فائِقةِ الطبيعة التي يؤمنُ بها مَن يًلتَجِيءُ إلى السحر. وتُدعى بالسحرِ الأَسْوَد مجموعةُ تقنياتٍ خفية ممنوعة تقـتضي ممارسَتُها مُعارَضَةً جذرية للنظام القائِم.
- السِحرُ فلسفِيًا. يُحسَبُ السِحرُ فَـنًّا يحصُلُ على نتائجَ مُضادّةٍ لقوانين الطبيعة بواسطةِ بعض التقَنيّات ـ حركات، ممارسات ـ وينقسمُ الى قِسْمين : أ- السحرُ بالتقليد، ويقومُ على تقليد الحدَثِ المرغوب أن يَحصَل: مثلاً إصدارُ دَوِّيٍ الرعدِ للحصول على مطر؛ ب ـ السحرُ بالعَدوَى، ويقوم على إعتقادِ أنَّ مَن يملكُ قوَّةً خاصّة يُشْرِكُ بها الذين يتَّصلونَ به، يلمسونه مثَلا .
- السحرُ لاهوتِيًا. السحرُ هو ما يُستَعانُ في تحصيلِه بالتقَّرُبِ من الشيطانِ مما لا َيسْتَقِّلُ به الأنسان. إِنَّهُ شهوةُ السيطرةِ على الكائنات والأحداث، إِذ يُحاولُ الأنسان أن ينالَ قوَّةً إضافية إلى قوَّتِه الخاصّة حتى يُصبِحَ سّيِّدَ مصيرِه. إنَّها رغبةٌ ومحاولةُ إِخضاعِ المجهول. بينما يُوحي الأيمان أنَّ اللهَ وحدَه سيِّدُ مصير الكون والكائنات، وأنَّه يكشفُ المستقبلَ ويتحَّكمُ بمصائر البشر. وعلى الأنسان أن يثقَ بالله ويصمدُ في الرجاء بوعودِهِ في الحياةِ الأبدية، تاركًا جانِبًا كلَّ فضولٍ فاسِد.
- تعليم الكنيسة. وجاءَ في ” التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية تحت الأرقام 2115-2117 ما يلي : يجبُ نبذُ كلِّ أشكالِ السِحر والعَرافة : اللجوء الى الشياطين أو ابليس، إِستحضار الأموت، قراءةِ الأبراج أو الكَّف أو الفنجان، فتح الفأل، واللجوء الى الوُسَطاء. بذلك يريدُ الأنسانُ التسَّلُطَ على المستقبل، على الوقت، على التأريخ وعلى البشر. و هذا يُناقِضُ مع ما للهِ وحدَه علينا من واجبِ الإكرام والمحَّبة. فالسِحرُ والعَرافةُ محاولةٌ لترويض القِوى الخفية في خدمةِ الذات. وتُصبحُ هذه الممارساتُ أَبشَعَ وأَسْوأَ عندما تصحبُها نيَّةُ إيذاءِ الآخرين، ولاسيما عندما تـتِّمُ بتَـدَّخلٍ شيطاني. وأكَّدَ سفرُ أعمال الرسل أنَّ بعضَ السِحْرِ يتّمُ بقُوَّة ابليس (أع13: 10؛ 16: 18).
هكذا فالسِحرُ يُحَّولُ الإِنسانَ عن خدمةِ الإلَه الحَّق (تث13: 2-6) ويغُّشُ الناسَ بآياتٍ تُحَّرفُ التعليم القويم (رؤ16: 12-16)، ويتّمُ غالِبًا في الخِفية، فـ” الناسُ إِستحَّبوا الظلامَ على النور، لأنَّ أعمالَهم سّيِّئة. فمَن يعملُ السَّيئات يُبغضُ النور ولا يُقبلُ الى النور لئَّلا تُفضَحَ أعمالُه ” (يو3: 19-20).
وإذْ تعترفً الكنيسةُ بوجود السحر، لأنَّ الشيطان موجودٌ والسِحرُ من أعمالِه، إِلاّ إِنَّها لا تُؤَّيِدُه. بل تشْجُبُه وتفضَحُه وتُحَّذِرُ المؤمنين مِن مغَّبةِ الوقوعِ في شِباكِه. وتَدعو الكنيسةُ و تُشَّجعُ على مقاومةِ السِحربالثقةِ بالله أوَّلاً، ثمَّ باللجوءِ إلى الصلاةِ الواعية والواثقة. ولاسيَّما بالتغَّلبِ على النزعةِ الغريزية في حُبِّ الحياة الدنيوية والسيطرةِ على القِوى الطبيعية لتقرير مصيرِنا بأنفُسِنا، وذلك بالإلتجاءِ الى العنايةِ الألهية والإحتماءِ برعايتِها.