أهلا وسهلا بالأخت جوليت
تعقيبًا على موضوع ” تابوت العهد والتناول باليد”، المحسوب من قبل البعض تقليلاً من إحترام قدسية الله ، أعطت الأخت مثالاً على ” غضب الله وقتله ” من مسَّ تابوت العهد، فكيف من مسَّ القربان؟. فآستفسرت كيفَ حدثَ ذلك مع التابوت؟.
الحادث !
وقع ذلك عندما حاول داود الملك نقل تابوت العهد من بعلة ( يعاريم) الى أورشليم. وفي الطريق عثرت ثيران العربة فتمايلت فأمسكَ سائسُ العربة بالتابوت يسنده لئلا يقع ” فآشتَّدَ غضبُ الرَّب عليه ، فضربه لجسارتِه، فماتَ هناك عند التابوت ” (2صم6: 6-7). وهذا الحادث يُذَّكرُ بآخر مماثلٍ له، ذكره سفرُ اللاويين. قال:” أخذ نادابُ وأبيهو.. مجمرَتَه وجعلَ فيها نارًا و وضعَ عليها بخورًا، وقرَّبَ أمام الرب نارًا غير مُقَّدَسة لم يَأْمُرْهما بها. فخرجت نارٌ من عندِ الرَّب وأكلتهما.فماتا أمام الرَّبْ” (لا10: 1-2).
كلُّ واحدٍ من هذين الخبرين يبَّررُ فعلَ الله. في الأول أدان اللهُ حركة السائس إِذ وصفها بـ ” جسارة “، أي مُخالفة. مُخالفة، لأنَّ الله خصَّص عشيرة لاوي بخدمته وأمر بأن لا يقتربَ أحدٌ الى التابوت أو يمُسَّه غيرُ لاويٍّ. جاء في سفر التثنية :” في ذلك الوقت خَّصَ الرَّبُ سبطَ لاوي بحملِ تابوت عهدِ الرب والوقوفِ أمامه ليخدموه ” (تث10: 8). ومنع غيرَه من خدمته مهما كلَّفَ الأمر:” ومن إِقترَبَ لخدمتِه سِواهُم يُقتَل” (عدد3: 10). وكانت خدمةُ قدس الأقداس وما يحوي من أمتعة، ومنها تابوت العهد وحملُهُ، محصورةً على نسلِ قَّهات إبن لاوي ابن يعقوب. إِنمَّا لم يكن حملُه ونقلُه مسموحًا لجميعِهم، بل للمُكَّلفين به فقط ، و” حتى هؤلاء يحملون القُدسَ على أن لا يمُّسوهُ لئلا يهلكوا ” (عدد4: 1-4، 15). فكيفَ بـ ” عُزَّة ” وهو ليس من حملةِ التابوتِ ولا حتى لاويًّا ؟.
وفي خبر ناداب وأبيهو (لا10: 1-2) تَـفْـقَـأُ مخالفتُهما العينَ إذ قرَّبَّا لله بخورًا ” نارًا غير مُقَدَّسة ” ومُخالفة ثانية إِذ فَعَلا ما لم ” يأمرُهما به “!. وبهذا حصلَ موتهما لأنهما لم” يُقَدِّسا الرب ولا مَجَّداه بفعلِهما “. بينما مفروضٌ في من يًؤَّدي خدمة الله أنْ يتقَّيدَ بأمر الله ويمتثلَ إرشادَه. فما أرادَه الرَّب أو قالَه أو فَعَله لا أجوَدَ منه ولا أحَّقَ فأفضل. فحتى لو عبدَ الأنسانُ اللهَ بغير ما يشاؤُه ويُريحُه يرفضُه. وإذا رفضه فلن يكون مصيرُه غيرَ العذاب. بينما إذا أرضاهُ الأنسانُ فحتى صلاتُه تُصبحُ بُخورًا أمام الله (رؤ8: 4). وعندما يتصَّرفُ المرءُ من فكره ومشيئته، خلافًا للمطلوب، يُصبحُ ذلكَ عملَه هو، لا عملَ الله ولا مشيئتَه. وقد رفضَ اللهُ حتى نَحْتَ الحجارةِ لبناء المذبح لأنَّ ما صنعه الله أحسنُ بكثير مما يصنعُه الأنسان (خر20: 25؛ تث27: 5-6؛ ايش8: 31). فكلُّ ” ما صنعه الله رآهُ حسَنًا جِدًّا ” (تك1: 31) لا يحتاجُ الى تحسينِه ولا حتى إلى تجميله. فما شاءَهُ الله وسنَّه، أو لم يَأمر به أو رفَضَه، لا يحُّقُ لأحد أنْ يُجازفَ فيُخالِفُه. مُخالفتُه تُدَّنِسُه. و الدنسُ لا يتفِّقُ مع قداسة الله. و إذا آقترب الدنسُ الى القداسة فيحترق، كما إذا مسَّ المِلحُ الماءَ يذوب!.
ليسُ اللهُ مَن يغضَب. ذلك أسلوبٌ تربويُ لناقلِ وحيِ الله لتجسيد جسامة عصيان الله. وما تزالُ شعوبٌ كثيرة تلجأُ الى نفس الأسلوب لدرء خطر الشر. فيقول المُرَّبون لأولادهم : إذا عملتَ الشر الفلاني الله يُعَّمي عيونَك!. إذا لم تتحَّلَّى بالصفة الفلانية الله ينتقم منك!. ولكن لماذا لم يغضبِ اللهُ على قاتلي إبنِه ولم يُبِدْهُم عن بِكرِةِ أبيهم؟. لماذا لم ينتقم من صالبيه بل غفر لهم خطيئتَهم؟. كان يسوع قادرًا على إفناء أعدائه قبل القبض عليه في بستان الزيتون، لكنه لم يفعل بل فضَّلَ الطاعة لمخطط الله (متى26: 53-54). هو أبنُ الله ويُطيع (عب10: 7)، فكيف بالبشر الخاطئين إذا لم يُطيعوا؟ هل هم أقدسُ منه؟. كيفَ يغضبُ الله وهو إذا ” عاقبَ ذنوبَ الآباء في الأبناء لا يذهبُ أبعدَ من أربعةِ أجيال ممن يُبغِضونه، بينما يرحمُ أُلوفَ الأجيال من مُحَّبيه “؟ (خر 20: 5-6؛ تث7: 9-10). الله هو محبة (1يو4: 8). كله محبة ولا يوجد فيه لا حقد ولا غضب ولا إنتقام. بل أحَبَّنا نحن الخاطئين والعاصين عليه أكثر مما نتصور حتى ” أرسلَ إبنه كَفَّارةً لِخطايانا ” (1يو4: 10). يقول المثل : إن كان غضبُ الله لحظةً فرِضاهُ يكون مدى الحياة. حَزِنَ والدُ الأبن الضال وقتًا لسوء تصَّرف إبنه، لكنه فرح طول الحياة بتوبة إبنه والعودة إليه.
رُبَّما نُفَّكرُ أنَّ” عُزَّة ” أرادَ خيرًا فلقيَ شرًّا، فموتُه ظُلمٌ. ومن يدري أنَّ اللهٌ لم يرحَمْه، إذ أخذه عندَه لآستقامةِ نيَّتِه وجهله بأُصول التعامل مع التابوت؟. لكَّنه رفض دنس الأنسان لئلا ينسى شعبُه قداسة الله، وقداسة من يخدمُه؟. موسى أطاعَ الله وضربَ الصخرةَ لكنَّه شَكَّ في قلبِه فأخطأ وقال للشعب :” لماذا تُجَّربون الرب”؟ (خر17: 2). وأضاف :” أ نُخرجُ لكم من هذه الصخرةِ ماءً”؟ هذا الخطأ حرمَه من دخول أرضِ الميعاد، لأنَّ موسى لم يُظهر قداسة الله على مرأى بني إسرائيل (عدد20: 10-12). أخطأ آدم فآفتهم أنه خسر صداقة الله ولن يقدر أنْ يحيا بعدُ في الفردوس مع الله. لذا إِنسحبَ من أمامه ” فآختبأ من وجه الرَّب الإِله بين شجر الجنَّة ” (تك3: 8). وكما قال مار بولس” لا صِلة بين البِرِّ والفجور. لا علاقة للنور بالظلمة. ولا أُلفةَ بين المسيح (الله) و بليعار(الشيطان)” (2كور6: 14-15). فمن يخطأ يدفع الثمن شاءَ أم أبى، حتى لو غُفِرَ ذنبُه. يبقى الأمرُ موضوع َ قداسةِ الله التي لا يطالُها ولا يُجاورُها دنسُ الأنسان.