أهلا وسهلا بالأخ يوسف ن بيتر.
طرح الأخ يوسف هذا السؤال الذي يطرحه يوميا آلاف البشر لأنه يتعَّلق بحرية الأنسان أو تبعيته وبالتالي بمسؤوليته عن أفعاله وتصَّرفاته وحتى عن فكره وقراراته. وصاغ الأخ يوسف حديثه وأسئلته كالآتي :
# هل يعرف الله المستقبل أم لا ؟ وإذا كان الله يعلم كلَّ شيء فتبدو مسألة صلب المسيح :
# كأنه موضوعٌ مخططٌ له مسَّــبقًا ؟ ويدخل عندئذ كلُ شيء دائرة ” المُخَّيَر والمُسَّيَر” ،
يعرف الله ، مُسَّبقًا، من يخلص ومن يهلك ؛ وعندئذٍ :
# هل يتدخل الله ليُخَّلِصَ من يهلكون ؟. وينهي حديثه بالسؤال :
# ما هي معرفة الله بالضبط ؟ وما تأثيرُها على حــياتنا ؟
ليس الله بإنسان … ولا كبني البشر ..! عدد23: 19
مِن خطأ الأنسان أن يعتبرالله مثل نفسه فيقيسه بمقاييسه ويعزو اليه ما يراه في نفسه. وبالتالي يُحدِرُ الله الى مستواه في التفكير والتدبير. في حين يسمو الله عن الأنسان لأنه روحٌ محض ولأنه خالقه. وإذ يتخوَّف الأنسان أو يفشل في الأرتفاع الى مستوى الله يعكسُ الأمور فيُنزلُ الله الى مستوى نفسه. تجسَّدَ الله فصار إنسانا لكن الأنسان لم يقدر الى الآن ويرفضُ أن يتأله في فكره و سلوكه.
ومن جهةٍ ثانية يخلطُ الأنسان معرفة الله بمشيئتِه. لا يُمَّيز جيدا بين علم الله الشامل وبين إرادته الخاصة وفعله. إننا نمَّيز جيدا بين علم الأنسان وبين مشيئته. مثلا : طبيبٌ يعرفُ أنَّ مريضا معَّينا مقضّيٌ عليه بالموت بسبب تلف أجهزة جسمه وفقدانه مقومات الحياة. لكنَّ هذا لا يعني أنه يقَّرر مصيره ويريدُ له الموت. الفرق واضح بين المعرفة والمشيئة.
هل يعرف الله المستقبل ؟
الأنسان محدودٌ في معرفته ويخضع علمه للتغيير. الأنسان يعرف الماضي ، ويحيا الحاضر، أما المستقبل فيجهله كليا. أما الله فهل فيه مستقبل ؟. رأينا أنه ليس مثل الأنسان. نعرف أنه خالق الكون والأنسان. لا بداية له ولا نهاية مثل الأنسان. ولا تغيير فيه (يع1: 17). لا يوجد في الله لا ماضٍ خرج عن طوعه ولا مستقبلٌ يغمضُ عليه. الله حاضرٌ دائمٌ في فكره وعمله. تأريخ الكون السابق واللاحق أمام ناظريه يجري ويُحَّقق هدفه في الخليقة رغم التداخلات المناوئة و الشر الذي يخالفُ مشيئته. وجود الكائنات كلها متوقف على مشيئته تعالى. ولا تفوتُ معرفتَه أيةُ شاردة أو واردة. ومع ذلك لا تنتقص حرية الأنسان حَّبة في أن يتصرف بقراره وعلى هواه.
الأنسان مُسَّيرٌ أم مُخَّير !
إذا قرأنا نصًا كالآتي: ” الذين أسماؤُهم غير مكتوبة منذ بدء العالم في كتاب الحياة… فمن كُتبَ عليه أن يُساق الى الأسر، فإلى الأسر يساق. ومن كتب عليه أن يُقتلَ بالسيف فبالسيف يُقتل ..”(رؤ13: 8-10)، ربما نستنتج حالا أنَّ الله قد سبق فحَّددَ أفعال كل إنسان ولا قدرة للأنسان على أن يُغَّيرها؛ أو هذا الآخر: “.. أولئك الذين دعاهم حسب قصده. فالذين سبق فآختارهم سبق وعيَّنهم ليكونوا على مثال صورة ابنه … والذين دعاهم بررهم أيضا. والذين بررهم مجَّدهم أيضا “(رم8: 28-30)، وقد نستنتج أنَّ الله غير عادل إذ إختار البعض للخلاص وأسلم الآخرين للهلاك!؛ أو هذا النص: ” لا يعود الأمر الى إرادة الأنسان ولا إلى سعيه ، بل الى رحمة الله وحدها .. فالله إذًا يرحم من يشاء ، ويُقَّسي قلب من يشاء “(رم 9: 16-18)، وربما نفكر أنَّ الأنسان مُسَّيرٌ ولا قيمة لأعماله.
وحتى موضوع صلب المسيح يبدو على نفس الوتيرة مصَّمَما ومُقَّرَرًا بمشيئة الهيه :” فيتم كل ما كتبه الأنبياء في ابن الأنسان”(لو18: 31) ،” تتم الكتب المقدسة التي تقول إنَّ هذا ما يجب أن يحدث “؟(متى26: 54؛ لو24: 25-26). بينما نقرأ على فم يسوع :” لا أحد ينتزع حياتي مني. بل أنا أضحي بها ، ولي القدرة على أن أستردها “(يو10: 18). ولما قبضوا عليه حسبما هو مكتوب لم يقل هذا مكتوبٌ عليَّ، بل قال:” هذه ساعتكم ،هذا سلطان الظلمة ” (لو22: 53).
فالصلب لم يقرره الله بل عرف منذ الأزل أنه سيحدث. عرف أن الشرير يتكالب على يسوع و سيحاول أن يبعده عن الحق ويجره الى الفساد مثل الأنسان الأول. لكن يسوع سيصمد في الحق وينتصر على خصمه الشيطان ، الحيَّة القديمة (رؤ12: 9). والمكتوب في كتب الله لم يعنِ أن الله قرر صلب يسوع بل أنه كشف للبشر إذ أوحى ذلك الى الأنبياء فأودعوه الكتاب تنبيها للناس وتحذيرا وعلامة بها يعرفون أنه المسيح المخلص.
معرفة اللـه !
ما مدى معرفة الله؟. إنها كاملة أي يعرف الله بتفاصيل كل ما يحدث في الكون لكل الكائنات. الخلائق غير الناطقة تعيش على الغريزة. الخليقة الناطقة وحدها، الأنسان، يعيش ” حسب مشورته ” كما أكد الكتاب فيختارُ أفعاله ويُقررُ سلوكه. ومع ذلك يعرفها الله قبل أن تتم، دون أن يرغم الأنسان عليها ، أو أن يردعه عنها. إذا كان الله يعرف حتى خفايا أفكار الأنسان فهل يخفى عليه شيء؟. ولكنه أن يعرف أني أكذب أو أسرق أو أصوم وأصلي وأقدس ذاتي فهذا لا يعني أنه يأمرني بها ويفرضها علي من قبل أن أوجَد، بحيث لست أنا الذي أختار أفعالي تلك، بل ” مكتوبة علي ” و أؤَّديها رغما عني لا بإرادتي. يعرف الله كلَّ ما أفعله دون أن يفرض عليَّ مشيئته. وهذا أمرٌ واضح في خبر قائين وتصميمه على قتل أخيه. عرف الله ذلك ، وحاول ردع قائين عن القتل، لكن قائين تبع رغبته ومشيئته الملتوية (تك4: 6-12).
ما صممه الله للخليقة هو ” حسن جدا” وكامل. أما ما يشوبه من شر وألم فذلك نتيجة تدخل الشرير الذي يحاول إغواء الناس ليهلكهم. وفي تصميمه لم يحذف الله إرادة الأنسان وحريته في الأختيار. بل بنى المخطط كله على تفاعل الأنسان مع مشيئته تعالى ، سلبا أو إيجابا، لأنه كلف الأنسان بأن يتابع عمله بل وسَّلطه على الكون كله من أجل ذلك (تك1: 28). وإذا إختار الله بعضًا من الناس وكلفهم بمهمة خاصة تدخل نطاق آكتمال الكون وخلاص الأنسانية فلا يعني ذلك أنه يُمَّيز ويُفَّرق بقدر ما أنه يعرف من هو جدير بالمهمة ويؤديها بأمانة فيكلفه بها. فهو لا ينبذ أحدأ، بل يكلف كل واحد بمهمة يقوى على أدائها. ويدعو كل البشر الى الحق و الخلاص، لكنه لا يجبرهم عليه.
هل يتدخل الله لآنقاذ الهالكين ؟
سلك قائين درب الهلاك. نبَّهه الله وأرشده الى مقاومة حسده وحقده والى تحسين سلوكه بغية إنقاذه من الشر المحدق به، لكنه لم يتجاوب مع الله. وكذلك يهوذا الأسخريوطي حذَّره يسوع من تفكيره وسلوكه الخاطئين. ودعاه الى تغيير سلوكه. لم يفعل بل إستمرَ في غَّيه إلى أن أكله ندمُه. وغفر يسوع حتى لصالبيه داعيا إياهم بذلك الى التوبة وتغيير سلوكهم ، لكنهم ظلوا غارقين في رغائبهم وملذاتهم الحسية فخسروا حياتهم ، إلا من تاب منهم بعده ، إن تابَ أحد !. ومثله فعل المكتوب، ما أوحاه الله الى البشر، إذ أرشد الناس الى الحق وحَّذرهم من السوء لأنَّ الله لم يرد أن يهلك الخاطئون بل أن يتوبوا ويحيوا أمامه (حز18: 23). وقد أكد يسوع أنه لم يأتِ من أجل الأبرار بل من أجل إنقاذ الخطأة الهالكين(متى9: 13؛ لو19: 10). وصَّرح أنه لم يُرسِلْه الله ” إلا الى الخراف الضالة من بني اسرائيل”(متى15: 24؛ 10: 6)، وتحَّمل لعنة الصلب ليتبرر الأبناء الخاطئون (غل3: 13)!. وبالأضافة الى هذه فقد نبَّه الى موطن الخطأ من جهة، ومن أخرى ” فتح أذهان تلاميذه ـ عبر الأجيال ـ ليفهموا الكتبَ المقدسة {المكتوب} (لو24: 45).