أهلا وسهلا بالأخت نغم توما
طلبت الأخت نغم معرفة المزيد عن الفرق بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثذوكسية، لاسيما بخصوص الأسرار: العماد، التناول، الزواج والكهنوت. ثم سألت : لماذا يصعبُ توحيدُهما ؟
الإنقسامات !
قبل كل شيء يجب التنويه إلى وجود نوعان من الأرثذوكس: الذين تمَّ إنفصالهم سنة 451م ، وكانوا يُعرفون الى نهاية القرن الماضي بـ” المونوفيزيين ” وهم : الأقباط ، والسريان، والروم، والأرمن ويعترفون بالمجامع المسكونية الثلاثة الأولى فقط. والبيزنطيون والروس مع بلاد البلقان الذين تم َّ إنقسامهم سنة 1053م ويعترفون فقط بالمجامع المسكونية السبعة الأولى. والمجامع هي: 1- نيقية 325م ؛ 2- قسطنطينية الأول 381م ؛ 3- أفسس 431م ؛ 4- خلقدونيا 451م؛ 5- قسطنطينية الثاني 553م ؛ 6- قسطنطينية الثالث 780-781م ؛ 7- نيقية الثاني 787م ؛ وتبعتها : 8- قسطنطينية الرابع 869-870م ؛ إلتأمت هذه كلها في الشرق. ثم توالت في الغرب في الكنيسة الكاثوليكية بعدَ أن إنفصل الشرقُ كله عن روما ماعدا الكنيسة المارونية التي حافظت على كثلكتها. ومجامع الغربِ عُقِدَتْ في : 9- لاتران 1 (روما) 1123م ؛ 10- لاتران 2 ، 1139م ؛ 11- لاتران3 ، 1179م ؛ 12- لاتران 4 ، 1215م ؛ 13- ليون1 (فرنسا)، 1245م ؛ 14- ليون2 ، 1274م ؛ 15- فيينا 1311م ؛ 16- كونستانس 1414م ؛ 17- بال-فلورانسا 1438-43م ( بدأت بعده أجزاءٌ من الكنائس الشرقية ترجع الى الوحدة مع الكنيسة الكاثوليكية )؛ 18- لاتران5 ، 1512-17م ؛ 19- ترنتو 1545-63م ؛ 20- فاتيكان 1، 1870م ؛ 21- فاتيكان2 ، 1962-65م.
الفروقات !
يصعب تحديد الفروقات بين الكنيستين. لأنَّها تضاعفت بعد الأنقسام على مَّر الأجيال. كانت الأساسية منها مع المونوفيزيين حول شخص المسيح في كيفية شرح طبيعتي المسيح الألهية وإلأنسانية والأتحاد بينهما مع توَّجه نحو رفض أولية كرسي خليفة مار بطرس، بابا روما، والأولية بين الأخوة مع نزعة إلى الجماعية الأسقفية Collegiality و رفض عصمة مار بطرس وخلفائه (متى16: 18-19؛ لو22: 31-32؛ أع15: 7). أما مع البيزنطيين، وكانت نزعة الأستقلالية والمساواة بين الرؤساء قد تفاقمت وظهرت نزعة السيادة في الأدارة ، و ساعد على ذلك وجود عاصمة الأمبراطورية المسيحية في بيزنطية (إسطنبول)، ليكون بطريرك بيزنطية هو رئيس أعلى للكنيسة وليس أسقف روما، رابطين العاصمة الأيمانية بالعاصمة السياسية. وكان سقوط الأمبراطورية تحت حكم الأسلام عاملا إضافيًا لتهمة الغرب بالهرطقة. وقادت هذه الخلافات إلى رؤية كل جانب أخطاءًا في الجانب الآخر و تفخيمها. أما الأسرار السبعة فهي نفسها في وجودها وشرحها اللاهوتي، وإذا وجد خلاف فهو في ممارستها فقط. مثلا ربط الشرقُ سر التثبيت بالمعمودية وأعطاه الكاهن مع العماد، في حين إحتفظ به الكاثوليك في الغرب للأسقف ومنفصلا عن العماد (أع8: 14-17)، وفي عمر الشباب. ولكن بعد وقوع الأنقسام عاش وتصرف كلُّ طرفٍ حسب إجتهاداته الخاصّة. فآنفرد كل واحد بممارسات خاصة به. فبعض الكنائس الأرثذوكسية حددت اليوم الأربعين للعماد، وتفرض الغطس الثلاثي للطفل في الماء، وتُعَّمد ثانية من ينتمي إليها من الكنائس التي تختلف عنها في إيمانها، وتناول الطفل جسد المسيح، وتوسم جسم المُعَّمد بدهن الميرون 36 رسمًا. وآحتفظت أغلبها بالتناول تحت الشكلين. البيزنطيون يدعون إشتراك الشعب كله في دعوة الروح القدس لتقديس القرابين وتجديد ذبيحة المسيح. بخصوص التوبة والأعتراف وفي حين يقر المونوفيزيون بالأعتراف الفردي أمام الكاهن مثل الكاثوليك، يقر البيزنطيون بالأعتراف أمام أيقونة المسيح أو العذراء بحضور الكاهن الذي يشهد فقط على ذلك. وفي الكهنوت يشترك الشعب في إختيار الأساقفة ويكونون عُزَّابًا أو أرامل. أما الكهنة فيتزوجون أو يكونون رهبانًا. أما في الزواج فالأنجابُ أحد أهدافه لاسيما لِ ” تكثير عدد أعضاء الكنيسة وزيادة عدد أبناء الله “!.
إضافاتٌ عقائدية !
كما نوهنا دخلت بعد الأنفصال خلافات عقائدية جديدة، منها : إنبثاق الروح القدس من الآب وحده دون الأبن، رفض وجود مطهر( ومع ذلك يُصَّلون من أجل الموتى !)، رفض الأنعام البولسي ( وهو:عند إهتداء زوجٍ، في عائلة غير مسيحية، وآعتماده وحده دون شريكه، و رفض شريكه المساكنة والعيش معه أو يمرمر حياته عمدًا، عندئذ يحَّق للطرف المسيحي أن ينفصل عن شريكه الوثني ويتزوج من جديد. هذا يعمل به الكاثوليك إستنادًا إلى حكم مار بولس. 1كور7: 12-17). رفض عقيدتي المحبول بها بلا دنس أصلي (أعلنها البابا سنة 1854م) والأنتقال الى السماء (أعلنها البابا سنة 1950م) مع العلم تذكارها موجود في الصلاة الطقسية!. رفض إمكانية خلاص غير المُعَّمدين، (كما يؤمن الكاثوليك) وآستنادًا إلى مار بولس (رم2: 11-16). لا يُسمح بزو اج ثانٍ للأرمل أو المُطَّلق إلا لأسباب شاذّة و قاهرة، وبعد توبة.
هل يصعبُ التوحيد بين الكنيستين ؟
قال السائل :” لماذا يصعبُ توحيدهما “؟. ربما يكون الجواب عند مار بولس الذي تنبَّأَ قُبَيلَ سجنِه قائلاً لشيوخ أفسس :” خُذوا الحذر لأنفسكم ولجميع القطيع ..أنا أعلمُ أنَّه سيدخلُ فيكم، بعدَ رحيلي، ذئابٌ خاطفة لا تُبقي على القطيع. و سيقومُ من بينكم أنفسكم أُناسٌ ينطقون بالضلال ليقتادوا به التلاميذ في إثرِهم.” (أع20: 28-30). ونبوءة بطرس أشَّد رُعبًا حيث قال: ” يقوم فيكم علماءٌ كذّابون يُحدثون بِدَعًا مُهلكة … وسيتبعُ كثيرٌ من الناس فواحِشَهم و يكونون سببًا للكفر في مذهب الحَّق. يزخرفون الكلام ويتاجرون بكم في طمعهم.” (2بط2: 1-3). ونبوءاتهم تُؤَّكد ما قاله الرب :” إيَّاكم أن يضِلَّكم أحد. سيظهر مسحاءُ دجّالون و أنبياءُ كَذّابون..” (متى24: 4-26). لقد تحَّول مؤمنون من حنطةٍ الى زؤان .. خلوا من إيمان و من محَّبة. توشحوا روح العالم وتبنوا أفكاره. وخدعوا كثيرين فآنقسم قطيع المسيح. ورعاةٌ تصَّرفوا كأجراء لا كأصلاء بتواضع وبذل وتضحيةٍ. ولا دواء لهذه المأساة غير التحَّلي بروح المسيح وبشفافية تعليم الأنجيل. نحن البشر نرى ذلك صعبًا جدًّ،ا إن لم نقل مستحيلا. ولكن الكتابَ قال:” ليس عند الله أمرٌعسير”. والله على كل شيء قدير(متى19: 26؛ لو18: 27). والأنسان الضعيف نفسه يقوى على كل شيء بالذي يقَّويه.
طريق وحدة الكنيسة لا يمُرُّ بآتفاقاتٍ وعقودٍ ومناقشات بل بسلوك درب المسيح. بنكران الذات وحمل صليب التضحية وآتباع يسوع الذي أقام في الكنيسة قادة رعاة ومعلمين وطلب من الرعية أن تسمع لهم ( لو 10: 16). وبالأضافة إليها رفع صلوات حارة ليرحم الله كنيسته، فيُنَّورَ قادتها ويسند ضعفَ إيمان أبنائها. لأنَّ الوحدة لن تُكتَبَ بحبرٍ على الورق ، بل تعاشُ حياةً تنبضُ في القلب وتُضيءُ في الفكر. توحيد الكنيسة صعبٌ، لا من طرف الله بل من طرف الأنسان الذي لا يستسيغُ بسهولة سلوكًا جديدًا بينما تطَّبعَ على غيره من آلاف السنين؟. بينما تعَّود على سبيلٍ يسير فيه عفويًا دون تفكير ولا حتى فتح العين، رتَّب عليه خطواتِ رجليه، ونظَّمَ بموجبه آفاقَ مسيرته!. عندما تُجري أيّةُ كنيسةٍ إصلاحًا في تقاليدها الخاصَّة يعترضُ الكثيرون ويُعارضون فيرفضون الجديد، فكم بالأحرى إتفاقٌ بين كنائسَ إختلفت بكل شيء عدا شخص المسيح لن يقبل رضى الجميع. ناهيك عن تحَّركات أصحاب المصالح، ذئاب خاطفة، لعرقلة الوحدة لكي يُحافظوا على منافعهم، ويُسَّيروا الكنيسة على هواهم!. بحجة خيانتك وأمانتي للمسيح. بدأ الخلاف أصلاً في فهمٍ مختلف للمسيح ونحا كلُّ واحدٍ منحًى إرتاح إليه وآعتقدَ أنَّه الأصّح. مع العلم كان الهدفُ، أغلبَ الظن، الحفاظ على الكرسي أو الأرتفاعُ إلى عرشٍ أعلى. وناهيك عن دور سيِّدِ العالم الذي لن يتقاعسَ عن خبط المياه ، هو الذي ” كالأسد الزائر يرودُ في طلب فريسةٍ له. دافعوه راسخين في الأيمان ” (1بط5: 8-9). هكذا يبقى الأيمان فادرًا على إجراء المعجزات، لأنَّ اللهَ على كلِّ شيءٍ قجير !