أهلا وسهلا بالأخت حنـان بطرس
تأَلمت الأخت حنان من إختلاف موعد عيد القيامة بين الكنائس المسيحية. وقادَها الألم الى التأمل في الموضوع من وجهة نظر الرب يسوع نفسه ، وفكَّرَت هل يرتاحُ المسيح إلى أن تعَّيد كل طائفة على مزاجها أو وفقَ نظام خاص بها؟. وإنْ لم يكن المسيحُ راضيا عن الوضع القائم فعلى عاتق من تقع المسؤولية؟. فطلبت لو أمكن أنْ ” يُعادَ النظر بالأمر بجدّية “، وسألت ما يلي :
+ هل يرضى المسيح أن يتجَّزَأَ المسيحيون من خلال العيد ؟
++ إنْ رضيَ فهو سببُ الخلاف. وإنْ لمْ يرضَ فمَـن المسؤول ؟
+++ والخلاف يزرع التفرقة والتمييز. فنتساءَل: من أنا ؟ ومن أنتَ ؟
وحدة المسيحيين في العيد شهادةٌ للعالم !
حتى نعرفَ الجوابَ الصحيح علينا أن نعود دوما الى مصدر إيماننا ، الكتاب المقدس و نقيس الأمور ونحكم فيها على ضوئِه. لقد سجَّلَ لنا يوحنا صلاة يسوع الختامية لحياته الأرضية كمسك الختام لرسالته ، طلبَ فيها من الآب أن يمنحَ تلاميذه المؤمنين به قطيعًا واحدًا تحت رعايته هو المسيح “ليكونوا واحدا بأجمعهم “. ثم لتكون وحدتهم قائمةً على المحبة والأتفاق على صورةِ وحدة الثالوث الأقدس نفسها وجزءًا من تلك الوحدة الألهية “ليكونوا فينا واحدًا “، كون المسيحيين صورة الله، حتى يؤمن العالم بلاهوت يسوع المسيح. وأخيرًا لتكون وحدتهم مبنية على أيمانهم بالمسيح، الذي هو واحدٌ مع الآب باللاهوت و واحد مع المسيحيين بالناسوت، ويكونوا هكذا واحدا مع فكر الله ومشيئته ومع حياة الناس وحاجتهم،” ليكونوا واحدا كما نحن واحد: أنا فيهم وأنت فيَّ لتكون وحدتهم كاملة ً”، وذلك شهادةً للعالم. فالمسيحيون شهود ليسوع (أع1: 8)،” فيعرفَ العالمُ أنك أنتَ أرسلتني”. هذه الوحدة المطلوبة ليست فقط جوهرية لرسالة المسيحية، بل هي ضرورية للشهادة للبشرية بأنَّ المسيح هو الله المتجسد ، رسول اللاهوت، ليُخَّلصَ العالم (يو17: 21-23).
المسيح تعليم وأخلاقٌ ورعاية. واحد لا يتجَّزأ. والمسيحية جسد يسوع السري ، اى إتحّاد المؤمنين بالمسيح مثل وحدة الأعضاء بالجسم والأغصان بالجذع. ليس للمسيحية الواحدة سوى تعليم واحد وسلوك واحد وراع ٍ واحد. وعيد القيامة ، وهي نواة الحياة المسيحية و لولبها، عنصرٌ أساسي مهم جدا للشهادة ليسوع المسيح. والقيامة أول عيد رسمي أقامته المسيحية من عهد الرسل. وتحتفل بها في كل قداس تقيمه، لأن كل قداس هو ذكرى وتجديد سري لموت المسيح و قيامته (1كور11: 26). القيامة مركز الحياة الأيمانية فالطقسية لكل المسيحيين. وكل خلاف بين المسيحيين حول إبرازها كذلك تُعتبَرُ إنقسامًا وتجزئة.
المسيح لم ينقسم !
لقد ذَّرَ خلافٌ قرنَه في عهد الرسل في كنيسة كورنثية، وكاد يميل كل واحد وينتمي الى رسول معين لكن بولس وقف له بالمرصاد وقطع دابره بقوله ،” أ تُرى المسيحُ آنقسم”؟. و كان الجواب مفهومًا: المسيحُ لم ينقسم. إذن لا يجوز أن يقوم خلاف ولا بين تلاميذ المسيح ، ولا أن ينقسموا. واليوم إن كان المسيحُ موافقا ومؤَّيدا للخلاف حول العيد فيكون قد إنقسم. وإذا آنقسم المسيح فآقرأوا السلام على المسيحية وعلى البشرية كلها. لكن المسيح لم ينقسم. المسيحيون إنقسموا. وإذا آنقسم أتباع المسيح و وقع بينهم” شقاقٌ وحسد أفليس ذلك دليلاً على أنهم بشر ويسيرون سيرة بشرية “؟(1كور3: 3-4). فالأنقسام والخلاف من مسؤولية القادة الكنسيين الروحيين لا من المسيح.
ظهر في القرون المسيحية الأولى إنقسامٌ حول موعد تعييد القيامة. أُتُّـفِـقَ حول المقومات الأساسية المحددة للعيد وهي : الربيع لرمزه بتجَّدد الحياة والأحد لأنَّ فيه تمت القيامة التي هي بدء الخليقة الجديدة في المسيح. ولكن لم يتم تحديد يوم واحد عام للكنيسة كلها وذلك بسبب خوض المسيحية معركة الأضطهاد وآنشغالها بالثبات في الأيمان بالمسيح، الى سنة 313م لما أوقف قسطنطين الملك الأضطهاد وأعلن من ميلانو حرية ممارسة الدين المسيحي. ولم يطل الوقت كثيرا حتى أسرعت الكنيسة وعالجت تحديد موعد العيد فتجنبت أنقسام المؤمنين. وتم ذلك سنة 325م في نيقية حيث إلتأم الممثلون من كل الأقطار وحددوا الموعد بالأحد الذي يلي اكتمال البدر بعد اعتدال الربيع في 21 آذار الشمسي. عَّيدَ جميعُ المسيحيين القيامة معا الى سنة 1582م رغم الأنقسامات التي بدأت منذ سنة 451م. في سنة 1582 تَمَّ تغييرُ الكلندار/التقويم اليولياني بسبب خطأ علمي أفسده سبَّبَ تأخير الزمن عشرة أيام في تلك السنة. وكان الـتاخر سيزداد و يوقعُ خللاً في تعييد القيامة بحيث تنتقل ، مع مرور الزمن، من الربيع الى الصيف ثم الخريف ثم الشتاء. أصلحوا التقويم وكان المهتم به البابا غريغوريوس. تم تقديم التقويم عشرة أيام وأصلح الخلل العلمي في حسبان مدة دوران الأرض حول الشمس. تبنى التغيير العالم كله وتبعته كل الدول وكل الكنائس عدا الشرقيين غير الكاثوليك. ولا زال الخلاف قائما الى اليوم.
ومنذ أكثر من قرن إهتمت الكنيسة الكاثوليكية بجدية وحاولت آستعادة وحدة الكنيسة بدءًا بتوحيد العيد. عقدت لقاءات ومؤتمرات شتى بهذا الهدف مع جميع غير الكاثوليك. أهمها المجمع الفاتيكاني الثاني، قبل 51 عامًا، لكن محاولاتها كلها باءَت بالفشل. لم تقبل الكنائس الأرثذوكسية باللحاق بالركب العالمي بتغيير التقويم الناقص، رغم أن حكوماتها تتبع التقويم الجديد، كما رفضت كل المقترحات الأخرى. وأمام هذا التزَّمت بادرت الكنيسة الكاثوليكية وأوعزت الى أبنائها، حيث هم أقلية، أن يُعَّيدوا مع الأغلبية في البلد الواحد. ومنذ سبعينات القرن الماضي يُعيدُ كاثوليك البلدان الأرثذوكسية مع الكنيسة المحلية وليس مع بقية كاثوليك العالم. كذلك الأقباط الكاثوليك في مصر يعيدون مع إخوانهم الأرثذوكس منذ أكثرمن ثلاثين سنة. ويُعَّيد كاثوليك الأردن مع الأرثذوكس منذ أكثر من عشرين عاما. في العراق حاولت الكنيسة الكلدانية مرتين جمع كل الكنائس وتحديد موعد جديد بين التاسع والخامس عشر من نيسان لكنها جوبهت برفض قاطع آخرها سنة 1995 ومن قبل الكنيسة الأرثذوكسية فقط. لقد قدَّم البابا فرنسيس نفس المقترح منذ سنةٍ تقريبا إلا أنَّ الكنائس الأرثذوكسية في أوربا الشرقية ما زالت تتلكأ في الموافقة.
الأختلافُ في التعييد لن يزيله إلا ايمان مستقيم بالمسيح، وليس تمسُّكٌ بالقومية والوطنية والتقاليد البشرية. والأيمان بالمسيح يقتضي حتما الأيمان والقبول برئاسة كنسية موَّحدة ضمن تعليم الأنجيل. والعيش في حظيرة واحدة والصيد في زورق واحد لا يتحَّقق خارج زورق بطرس. وحتى نعيش في حظيرة واحدة يجب ان نتحلى بالمحبة والوداعة والتواضع والألتزام بتعليم الكنيسة وعدم اعطاء الفرصة للشيطان وأعوانه أن يمَّزقوا جسد المسيح. هل قادة الكنائس وأبناؤُها مستعدون كلهم للتضحية بالمنافع والألقاب الشخصية من أجل المسيح؟
من أنا ومن أنتَ ؟
إنَّ الأختلاف في التعييد يخلقُ شعورًا بأن المسيحيين ليسوا ديانة واحدة. وإذا كل واحد منا إعتبرَ غيرَه مُخطِئًا ومُقَّصرًا فعندئذ نبتعد من بعضنا ونتغَّرب عن بعضنا فنُصبحُ كلُ واحد منا للآخر” وثنيا وعَّشارًا” (متى18: 17). وقد حدثَ في التأريخ أن كنيسة معَّينة سمحت لنفسها أن تشي بكنيسة أخرى لدى أعداء المسيحية للإساءة اليها والتقليل من نفوذها. القيامة مركز المسيحية، وإذا لم نتفق عليها سوف لن نتفق على أمور أخرى كثيرة. وسوف تتغَّير طرق تفكيرنا ومسلكنا. وقد يزول في الأخير بيننا كل رابط بآسم المسيح. تبقى الأنسانية وحدَها تجمع بيننا. ولكن إذا آرتفع الله من بيننا فلن نتفق أبدا حتى ولا في إنسانيتنا. وسنشَّكل بابل جديدة تتكرر مع كل جيل. الشيطان لا يُمَّيز بين مسيحي وآخر. يحاول إبادة كلهم. و العالم لا يحترمُ كنيسة ويبغض غيرَها. بل يحاول تمزيق كلها وإخراس صوتها للأبد. لا يريد أن يسمع لفظة ” نحن “. إنها تخيفه ويرتعب أمامها. يُقَّدسُ ويشجعُ ” أنا ” العزلة والتمييز مُرَّكزًا على القيمة الذاتية للفرد لتسهلَ قيادة الشعوب. يضربُ المسيحيين أولا ببعضِهم ويقَّسمهم. ثم يحاول القضاء عليهم الواحد تلو الآخر الى أن يستأصلَ الأيمان من قلب الناس أجمعين. هذا حُلمُه. لكنه وهمٌ، لأنَّ الرب أقوى من كل قوة ولن يسمح للعالم أن يبيد قطيعه الصغير، بل سيحميه ويُنَّميه و يوَّحده ليكون قطيعا واحدا وراعيا واحدا. من آمن بالحب لن يتعامل حسب تصرف البعض الشاذ أو الأنتقادات اللاذعة والمُرَّة. لأنه عوضُا عن أن يدين سيحب حتى أعداءَه ويخدم من كل قلبه حتى المسيئين اليه. سيتحلى بأخلاق المسيح نفسه كما طلب مار بولس (في2: 5)، ويشهد بذلك انه وإن كان مهما أن نُعَّيد مع البعض لكن الأهم من ذلك أن نكون قد قمنا مع المسيح عن سقطة الخطيئة ونشع نوره في العالم ونبذر ملحه بين الناس. وعندئذٍ ستتغَّلب “نحنُ” شاءَ العالم أم أبى.