سألني أصدقاء عن سبب نصب آلمغاور في آلكنائس في فترة آلميلاد ، خاصَّةً وأن آلإنجيل لا يذكر ذلك، لاسيَّما وأن آلأرثذوكس وآلبروتستانت لا يقيمونها في كنائسهم مثل آلكاثوليك. يكتفي آلأرثذوكس بآستعمال أيقونات ميلادية لزينة الكنيسة في العيد، أمَّـا آلبروتستانت فينصبون الشجرة آلمُزَّينة فقط رمزًا لديمومة آلحياة !
ماذا قال آلأنجيل ؟
كتب لوقا يقول :” وبينما هما في بيت لحم، جاءَ وقتُها لِتلد، فولدتْ إبنَها آلبكرَ وقَمَّطتْهُ و أَضجَـعَـتْه في مِذوَدْ، لأنَّه لمْ يكن لهما مَحّلٌّ في آلفندُق” (لو2: 6-7). ولمَّا بشَّرَ آلملاكُ الرعاة بولادة يسوع أعطاهم علامةً لمعرفته وآلتأَّكُد من شخصِه/ هويته فقال:” تجدون طفلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا في مِذود” (لو2: 12). رَكَّز لوقا على آلمذود حسبما عرفه من مريم آلعذراء. في حين ذكر متى أن المجوس رأوا يسوع وسجدوا له وهو في بيت، حيثُ قال :” وبينما هم في آلطريق (الى بيت لحم) إذا آلنجمُ الذي رأوه في آلمشرق، يتقَدَّمُهم حتى بلغَ آلمكان الذي فيه آلطفلُ فوقفَ فوقَه. ولمَّا رأوا آلنجم فرحوا فرحًا عظيمًا جِدًّا. ودخلوا ” البيتَ ” فوجدوا آلطفلَ مع أُمِّه مريم فركعوا وسجدوا له …” (متى2: 9-11). متى إبن آلبلد و واضحٌ في تعبيره آلبسيط. لوقا من أنطاكيا، ثقافته يونانية، وطبيبٌ يُحِّبُ آلدِقَّةَ حتى في آلتفاصيل. لغته آليونانية أفصح وأمتن من متى. فبحثَ آلعلماءُ ومُحبوا آلدقة في آلتأريخ عن ماذا عنى لوقا بمذود؟ ولماذا ؟ وماذا عن آلفُندُق؟.
مكان آلولادة !
كلمة ” الفندق” لا تعني بالضرورة ” الفندق أو دار إستراحة أو خان” كما تعوَّدنا عليه. بل تعني عند لوقا، حرفيًا، ” الغرفة العُليا، أو الطابق الأعلى”، حيثُ تقيمُ العائلة، وآلمخصصَّة عند آلحاجة للضيوف. ما قد يعني انهم نزلوا عند عائلة، قد تكون من آلأهل أو آلعشيرة لم يكن بوسعها أن تُفرغ لهم الغرفة العليا، ولا كان بوسعهم أن يتساكنوا معًا في نفس ألغرفة بسبب عدد أفراد آلأسرة.
وكانت العوائل آلمتوسطة الدخل تملك عادة حمارًا أو بقرةً أو خِرافًا ، يأوون في آلطابق آلأرضي، الذي يمتلكُ مِذوَدًا حيثُ يوضع لها العلف. مكان يُؤَّفر أقَّله آلدُفءَ والسترَ ، وهي ضرورية في حالة آلولادة. بينما كانت الغرفة آلعليا مأهولة أو صغيرة لا تسعُ جمع ضيوفٍ الى أفراد العائلة العديدين.
دعا لوقا هذا آلمكان بِـ Phatne وتُرجم إلى آللاتينية بِـ Praesepiumوتعني” ألأسطبل”، ولا يزال يُطلق على مغارة الكنائس في ايطاليا مثلاً. بينما في بلاد أوربية أخرى مثل فرنسا سُميَّت آلمغارة بِـ Creche، وهي أيضًا تعني مذود الحيوانات. وأُستُعْمِلَ هذا آلمصطلح منذ القرن الـ 13، ويأتي من Krippia اليونانية، و Cripia اللاتينية والتي أعطت بدورها Creche للدلالة على المذود.
من أين أتت آلمغارة !
أولُ من بدأ بإقامة ” مغارة ” آلميلاد هو القديس فرنسيس الأسيزي وذلك ليلة عيد آلميلاد سنة 1223م. من أين إستوحى هذه آلفكرة؟. كانت أمنيتُه زيارة آلأراضي آلمقدسة، لآطّلاع حي على أحداث حياة يسوع آلخلاصية، أحداث ناطقة تبعثُ على آلإيمان آلفعال. فشارك في آلحملة آلخامسة لتحرير فلسطين سنة 1217-1221م. لم تصلها آلجيوش آلغربية. أما فرنسيس فبلغها سائحًا قادمًا من مصر. وتأثَر بنوع خاص من كنيسة آلمهد في بيت لحم. وقامت في تلك العُصور، في أوربا، حركةٌ فنيَّة يُمَّثلُ فيها آلفنانون داخل آلكنائس مشاهدَ حَيَّة عن حياة آلمسيح، ومنها آلولادة. خاصَّةً بعدَ فشل الحملات التالية في إستعادة القدس، وشِبْهِ إستحالةِ زيارة فلسطين من قبل آلسُوَّاح آلغربيين بشكل جماعي.
فآشتاق فرنسيس الى تقديم مشهد حي عن آلميلاد يتضمن مذودًا وحيواناتٍ حية. وإذ لم يكن ذلك ممكنا داخل آلكنيسة، أثناء المراسيم آلطقسية، إستقَرَّ رأيه على تحقيقَ رغبته بآختيار مغارةٍ يجمع فيها عوائلة وحيوانات ويُقيمُ فيها قداسًا، ليلةَ آلعيد. وتم ذلك ليلة الميلاد سنة 1223م في مغارةٍ في مدينة Greccio آلآيطالية. ساعده في ذلك رئيسُ آلقرية فنصبوا فيها مذوَدًا مليئًا بالتبن وجلبوا حمارًا وثورًا حقيقيين، حتى دُعيت بعده تلك آلمغارة ” كابلة آلمذود” أقام فيها رهبان مار فرنسيس صومعةً لهم دعوها ” صومعة كرتشو Ermitaggio di Greccio “.
وأخبر مؤَّرخُ سيرة مار فرنسيس Thomas de Celano بأنَّ أحدَ آلحضور رأى فرنسيسَ ينحني أثناء آلوعظ نحو آلمذود ويرفعُ منه طفلاً حمله بين ذراعيه.{ لم يكن ينقُصُها غيرُه}!! فآنتشرت عادة إقامة مغارات حية في إيطاليا ثم أوربا ، على يد آلقديسة كلارا ورهبان مار فرنسيس. وآقتصرت إقامتها على يوم واحد فقط أي يوم العيد 25 /12. ثمَّ رغبةً في آلتمتع بها زمنًا أطولَ، وتسهيلاً لتوفير من يمثل أشخاص آلمغارة ، تحَوَّلت آلأشخاصُ بعدَه الى تماثيل من خشبٍ أو جبس، وكانت تنصبُ داخل آلكنيسة أو في حوشها. وآستهدفوا بذلك تصوير أفرادِ آلمغارة وأحداثها لترسيخِها في أذهان” آلأُمّيين”خاصَّةً. ومن آلكنيسة إنتقلت إلى آلبيوت وحتى آلمحَّلاتِ آلعامّة.
وأحَسَّ آلآباءُ اليسوعيون بقيمة آلمغارة آلتثقيفية، من وجهة النظر آللاهوتية، مثل وسيلةِ إيضاح ٍ للعقيدة آلأيمانية، وتأثيرها آلإيجابي على آلأحتفال بالميلاد ، فبذلوا جهدًا مُكّـثَّـفًا لنشرها خارج أوربا وفي آلمسيحية عامّة، وبشكل تماثيل صغيرة آلحجم سهلة آلإستعمال. و آستعملوها كثيرًا في آلتعليم آلمسيحي للأطفال. فهي تُسَّهلُ آلتعبيرَ عن آلإيمان، كان ذلك في آلتعليم أو في آلطقوس آلعبادية.
أوَّلُ مغارة بتماثيل اُقيمت سنة 1252م في دير آلفرنسيسكان في Fussen في بافاريا. وأول مغارة بتماثيل من حجر أُقيمت سنة 1288م في روما، في كنيسة مريم آلكُبرى على عهد آلبابا نيقولاوس الرابع الذي كلَّفَ بإقامتها النحاة Arnolfo di Cambio . ودخلت آلعراق وآنتشرت على أيدي المرسلين من الرهبان آللاتين، خاصّةً ألآباء آلدومنيكيين.
معنى آلمغارة
بالنسبة للمسيحي تُمَثِّلُ المغارةُ مشهَدًا يُعطي معنًى للعيد :
1* معنًى تأريخي لميلاد آلمسيح، ورمزي لتواضعه وفقر آلعالم مع سوئِه، وتذكيرًا بالأشخاص وبظروف آلمجيء ؛
2* المسيح يأتي ، عن محبة، ويسكن مع البشر ، ويقاسمهم أوضاعَهم ؛
3* المغارة رسالة حب آلله للأنسان: يرسلُ اللهُ إبنه آلوحيد آلحبيب ليشتريَ أبناءَه آلخطأة ؛
4* الرعاة هم آلأول وآلوحيدون من شعب الله يسجدون للمسيح : الأنسانية فقيرة روحيًا.
وآلمجوس هم الأول وآلوحيدون من غير آلمؤمنين بالله يعترفون ويسجدون له. يسوع
وحده آلوسيطُ للقرب بين آلله وآلأنسان.
5* وفي رسالةٍ للبابا فرنسيس اليسوعي عن آلمغارة Processus …. جاء فيها :” تُشَكلُ آلمغارة جُزءًا من آلجهد آللطيف وآلمُلّح لآيصالِ آلإيمان. منذُ آلطفولة وعبرَ مراحل آلحـياة تُعَلِّمُنا آلمغارة أن نتأمَّلَ بيسوع، وأن نشعُرَ بحُبِّ آلله لنا ونعيشَ ونُؤمنَ بأنَّ اللهَ معنا ونحن معه. جميعُنا أبناءٌ وإخوة، بحَقِّ هذا آلطفل الذي هو إبنُ آلله وآبنُ مريم آلعذراء. وأن نتمَتَّعَ بهذا آلشعور، في مدرسةِ آلقديس فرنسيس، لنفتحَ قلبَنا لهذه آلنعمة آلبسيطة، وندعَ آلآندهاشَ يتحَوَّلُ إلى صلاةٍ متواضِعة ، نقول فيها شُكرَنا لله الذي أرادَ أن يُشاركَنا كلَّ شيء. ولكي لا نسمحَ أبدًا لآنفسِنا أن نكون مُنـعَزلين “.