أهلا وسهلا بالأخ لؤي بطرس.
هل أحدثَ التجسّد تغييرا في الثالوث ؟
كتب الأخ لؤي يقول : نعرفُ أنَّ ليسوع بعدَ القيامة جسدٌ روحي. وهو في نفس الوقت في وحدةٍ داخل الثالوث الأقدس. هذا يعني أنه طرأ تغيير في الثالوث بين ” قبل وبعد القيامة ” نظرا لذلك الجسم الروحي. ونحن نعلم أنَّ اللهَ لا يتغَّير. فســأل :
## :- هل بإمكانك توضيح ذلك -:## ؟
قبل وبعد القيامة !
نعم يقول الكتاب :” الله لا تبَّدُلَ فيه ولا شِبهُ تغيير” (يع1: 17). ربما قصدَ مار يعقوب عدمَ وجود تغيير في مشيئة الله ، كما سبق فأكَّدَ الكتابُ ذلك :” ليس اللهُ بإنسان فيكذبَ، ولا كبني البشر فيندَمَ..” (عدد23: 19؛ 1صم15: 29). لكن إرادةَ الله هي جوهرُ كيانه العارف بكل شيء، والقادر على كل شيء، والذي ” من عنده تنزل كل عطية صالحة وهبة كاملة.. لأنه هو الحق” (يع1: 16؛ متى7: 11)، وقد صنع كل شيء على أحسن ما يُرام (تك1: 31). ما دام اللهُ كاملا (متى5: 48)، من الأزل والى الأبد ، فلا يطرأ عليه تغيير. ولهذا لا يفرقُ بعد قيامة المسيح عما كان عليه قبل قيامته. فإذا تحوَّلَ جسدُ يسوع الى جسدٍ روحاني بعد موتِه لم يطرأ شيءٌ جديد، لأنَّ الجسدَ كان موجودا قبل القيامة. ما تغَّير هو جسد يسوع نفسُه. فمن جسد مادي بشري محسوس إنتقل الى جسد روحي ـ كما الله هو روح ـ غير مرئي ولا محسوس. لا ننسى أنَّ الأنسان صورة الله. ولا ننسى أنَّ يسوع إتخَذ جسدأ إنسانيا و وَّحده مع شخصه الألهي. فالجسد كان موجودًا قبل القيامة متحّدًا مع الله الثالوث.
يؤَّكدُ يسوع ذلك في جداله مع علماء اليهود، ” إنَّ الذي أرسلني هو معي، لم يتركني وحدي” (يو8: 29)، حتى صَّرح بأنه واحد مع الآب (يو10: 30). ولفظة ” الآب ” تعني في الأنجيل ” الله ” بشكل عام. لذا لما قال يسوع ” أنا والآب واحد” إعترض عليه اليهود قائلين :” جعلتَ نفسكَ اللهَ “. وردَّ بعده عليهم ” من رآني رأى الذي أرسلني ” (يو12: 45). بينما قال لرسله ،” من رآني رأى الآب” وأضاف” صَّدقوني إني في الآب والآبُ فيَّ”(يو14: 9-11). لم يقل “سأكون ” في الآب, بل الآن أنا في الآب ، وهو يعيش في جسده الأنساني. وأنهى خطابه للرسل بأن الله معه قائلا :” ستتركوني وحدي. كلا ! لستُ وحدي، إنَّ الآبَ معي” (يو16: 32). إذن جسد يسوع الروحي ، أو جسدُه الذي تمَّجَدَ، لم يُضِفْ شيئًا على الثالوث حتى يحدث في الله تغيير بإضافة جسد إنساني.
أنتم هيكل الله الحي !
سأل يسوع الآب ، في صلاته الأخيرة قبل آلامه وموته ، أن يكون الرسل ،بل وكل المؤمنين على مر الأجيال، ” بأجمعهم واحدًا”. ليس المطلبُ غريبًا بشيء. ما هو جديرٌ بفكرنا وآهتمامنا هو أنه أضاف : ” كما أنتَ فيَّ أيُّها الآب وأنا فيك، كذلك فليكونوا فينا واحدًا”، و تابع :” أوليتهم مجدي ، ليكونوا واحدا كما نحن واحد: أنا فيهم وأنتَ فيَّ “(يو 17: 21-23). وحدة الآب والأبن الهية ، بالجوهر. وحدة المسيح والرسل إنسانية ، بالطبيعة البشرية. لقد وحد يسوع في شخصه الألهي الطبيعتين :الألهية والأنسانية. ومن خلال وحدة المؤمنين مع المسيح يتحدون بالله الثالوث ، كما كان الله ولا يزال متحدا بالناس من خلال وحدة المسيح بهم. فلا أضافت وحدة المسيح في طبيعتيه شيئا الى الله الثالوث ، كما لم تُغَّير وحدة المسيح في طبيعتيه شيئا في إنسانية المؤمنين به. قال مار بولس :” أنتم هياكل الروح القدس” (1كور 6: 19)، وبالتالي ” أنتم هيكل الله. إنَّ روحَ الله حالٌّ فيكم.. إنَّ هيكل الله مقدَّسٌ، وهذا الهيكل هو أنتم “(1كور3: 16-17). إنن يُصبح المؤمنون ” هيكل الله الحي” (2كور6: 16)، بقوة الروح القدس الحال فيهم. هم هيكل الروح وبه هم هيكل الله الثالوث ، كما هم جسد المسيح وبالتالي جسد مع الثالوث دون أن يًغَّير ذلك شيئًا في جوهر الله ولا في جوهر الأنسان. هذه الوحدة ليست كمية مادية تُضافُ فيزدادُ الوزن. ولا هي إضافة عدد جديد فتتبَّدل المعادلة مثل : 1+3=4. إنها وحدةٌ فكرية وروحية. مثل المحبة: يمكن أن نُّحبَ والَدينا وإخوتنا فقط. و يمكن أن نضيفَ إليهم فنُّحب كلَّ أبناءِ رعّيتنا دون أن يُغَّيرَ ذلك شيئًا لا فينا ولا فيهم. وكذلك المعرفة: إذا تخَّصَصْنا في علم معَّين ، الطب مثلا، نقدر بنفس الوقت أن نُضيف معلومات في الموسيقى مثلا أو السياسة أو اللاهوت دون أن يُغَّير ذلك إختصاصَنا. إنَّ الوحدة الروحية كوحدة الله الثالوثية هي شيءٌ حياتي يُعاش، لا يُخزَن. ليست قياساتٍ ، أوزانًا ، وحدات مادية حتى تتعارض أو تزداد نموا. الأمورُ الروحية تحُّسُ بها، وتتفاعل معها بالسلوك الخلقي وتُضفي عليك إحساسًا بالراحةِ أو القلق ، بالفرح أو الحزن، بالسعادة أو التعاسة. والوحدة داخل الله ومعه هي ” وحدة المجد ” كما وصفها الأنجيل:” المجدّ الذي أوليتني أوليتهم إياه ، ليكونوا واحدًا كما نحن واحد: أنا فيهم وأنت فيَّ ، لتكون وحدتهم كاملة ” (يو17: 22-23).
هو بكرُ الخلائق كلها ! كو1: 15
وهو أيضا ” البدءُ وبكرُ من قام من بين الأموات ، لتكون له الأولية في كل شيء” (آية18). هذا هو المسيح. إنه موجود ، في جسده المخلوق، في فكر الله قبل أن يُخلقَ الكون ،” مَّجدني بما كان لي من المجد عندك قبل أن يكون العالم”(يو17: 5). وأكَّد لليهود أنه كائن قبل ابراهيم (يو8: 58)، وقال ” أنا منذ البدءِ”(يو8: 25). والحديث عن نفسه بصفته ” المسيح” أى الأله المتجسد. فالتجَّسد إذن موجود في فكر الله. كما كان الأنسان موجودا في فكر الله منذ الأزل ، هكذا كان جسد يسوع موجودًا في فكره. فليس غريبا عن الله الثالوث ولا هو إضافة شيء جديد بالنسبة الى الله. إنه جديد بالنسبة الينا نحن الذين لا نعرف الأمور إلا بعد ما تحدث. ولا ننسَ أيضا أن الخليقة كلها ، الكون وكل ما فيه من كائنات، خرجَ من الله ، أى وجوده صادر من وجود الله الثالوث الأزلي. وأيضا يرجعُ اليه ويكتملُ فيه. فلا يوجد شيءٌ يُضاف الى وجود الله والى جوهر كيانه. نحن الآن نؤمن بهذا الشيء لأنَّ المسيحَ كشفَها لنا هكذا ، دون أن نُدركَ عمقها وكيفية تحقيقها. ولكن عندما ” نرى الله وجهًا لوجه … عندئذٍ سأعرفُ مثلما أنا معروفٌ ” (ذكور13: 12).