طُرحَ السؤال ورُدَّ جوابه سنة 2008، نعيدُ نشره للفائدة
أهلا وسهلا بالأخ جوني يوسف حنا
كتب جوني يقول :” الشيطان جَرَّبَ آدم وحَوّاء. ولكن من خلقَ الشيطان إِذ سفرُ التكوين لا يذكُرُ أنَّ الله خلقَ الشّريرَ؟. وإِنَّ الرَبَّ خلقَ كلَّ شيءٍ ” حسن “؟.
بدأ صوت الشباب يرتفع ويجلجلُ في الأجواء حاملاً صدى الأيمان والرغبةَ في إبقاءِ شُعلتِه نَيِّرَةً مرفوعةً لتُشِّعَ لكل مَن في البيتِ المسيحي. الربُ يحميهم ويُقَّويهم إِذ يشعرون بدورِهم ومسوليتِهم عن إيصال رسالةِ المسيح الخلاصية بأمانةٍ وآعتزاز.
أمَّا سؤالُك عن مصدر الشيطان وجوهره فليس غريبًا في عالمٍ وظرفٍ لا يعترفُ أصلاً بوجوده ولا وجود أيِّ كائن روحي. بينما يُتَّيِه وقته في أخبار خيالية حول وجود عوالم و كائناتٍ بشرية وحضاراتٍ مختلفة عما في كوكبنا. أمَّا وجود الشيطان ،”ابليس”، فحقيقةٌ كشفَها الوحيُ الكتابي، إِذ لولاهُ لما كان لا وجودٌ ولا مُبَّررٌ للتجَّسُدِ والفِداء. ونكران وجود الشيطان ليس سوى تجربة ومكيدة جديدة من إيحاءِ ابليس نفسِه ليُخَّدرَ بها ضِعافَ الأيمان ويُكّثِّرَ بِدَعَ العبادة له والأئتمار بأوامره، كما قال القديس البابا بولس السادس.
الشيطان شِرّيرٌ وسَيِّدُ الشر. فمَن خلَقَه إِذا كان كلُّ ما خلقَه اللهُ ” حَسَنًا جِدًّا”؟ (تك1: 31). و لماذا لم يذكرسفرالتكوين عن خَلقِه شيئًا؟. أمَّا أن يكون الشيطان قد خلقه الله فالكتاب المقدس يُؤَّكد ذلك. لقد ذكرته أسفار أُخرى كُتبَت قبل سفرالتكوين. يقولُ المُزَّمرُ:” صنعَ الله ملائكته روحًا وخُدَّامَه نارًا تتقِدُ (مز104: 4). والشيطان ملاكٌ سقط من مرتبته. و وصفَه إشعيا في شخص ملك بابل، قال :” كيف سقطتَ من السماء أيَّتُها الزهرة نجمةَ الصباح (لوسيفر)!. كيف حُطِمتَ الى الأرض يا قاهرَ الأُمم؟. قلتَ في قلبكَ : إني أصعدُ الى السماء. أَرفعُ عرشي فوقَ كواكب الله وأجلس على جبل الجماعة… أصعد فوق أعالي الغيوم وأكون شبيهًا بالعلي” (اش14: 12-15). وقد رأى فيه آباء الكنيسة صورةً و وصفًا لسقوط ابليس سيد الشياطين. فيُصَّورُ الكتابُ الشيطان عدُّوًا وخصمًا يتَّهمُ ويحسد ويُحَّرِضُ على الشَّر (2صم19: 23؛ مز109: 6؛ 1مل5: 18؛ 1أَخ21: 1؛ زك3: 1-2؛ حك2: 24). ونعتَه أَخيرًا بـ “الحية ” التي تعترضُ سبيل الأنسان لتصُدَّه عن الحَّق وتُضِّلَه فلا ينعم بالخلاص (تك3: 1-5؛ رؤ12: 9).
والأنجيل وصفه في شخص الفرّيسيين المنافقين الدَجّالين: ” أنتم أولاد أبيكم ابليس وتريدون أن تتبعوا رغباتِ أبيكم. هذا الذي كان من البدء قاتلا. لم يثبت على الحَّق، لأنَّ لا حَقَّ فيه. وهو يكذبُ .. لأنَّه كَذّابٌ وأبو الكَذِب “(يو8: 44). فعلَّمنا الرب أن نطلب في صلاتنا أن يُنَّجِيَنا منه لأنَّه غَدَّارٌ. أمَّا الكنيسة فتقولُ عنه ” الكتابُ المُقَدَّس والتقليد يُريان في هذا الكائن ملاكًا ساقِطًا يُدعى ” شيطانًا أو ابليس”. فالكنيسة تعَّلم أنه كان أولاً ملاكًا صالحًا من صُنع الله، لكنه آنقلب بنفسِه مع رفاقِه أشرارًا…إختاروا بحريتهم فرفضوا الله وملكوته” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 391-392). وقد طلب الرب من الآب أن يحفظ تلاميذه من الشر (يو17: 15). والكنيسة تعَّلم أنَّ” الشَّرَ ليس شيئًا مُجَرَّدًا، بل هو يدُّلُ على شخص الشيطان الشِّرير، الملاك الذي يُقاومُ الله. ابليس يعني من يُلقي بذاتِه ليُعيقَ قصدَ الله وعملَه الخلاصي الذي أتَمَّه المسيح “( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 2851).
قال مار بطرس بأنَّ الله دعا خليقته إلى مشاركة حياتِه، مجده وخيراته فتتأَلَّه (2بط1: 4). أمَّا ابليس فأرادَ أن يكون إِلَهًا بطريقتِه ومزاجه لا كما يريده الله. ويقول مار أُغسطينوس “إنَّ الله كُلِّيُ القدرة ومُطلقُ الجودة والصلاح. ولا يدع أيَّ شَّرٍ يُصيبُ خلائقَه لو لم يكن له من القدرة والجودة ما يكفي لآستخراج الخير من الشَر نفسِه”. وبذلك فسَّر قول مار بولس ” يسعى الله دومًا لخير الذين يُحِّبونَه ” (رم8: 28)، كما برهن في قصَّة يوسف الصِدّيق.
إِذن الله هو خالقُ ابليس إِذ لا يوجد كائن بذاتِه ما عدا الله خالق كلِّ شيء. ولا شَرَّ في الله. فكلُّ ما خلقَه هو بطبيعة ذاته حسنٌ جِدًّا. فكان ابليس ملاكًا ويبقى في طبيعته كائنًا روحيًا إنقلبَ، في سلوكه، إلى شِرِّير. إنقلب ضد الواقع الحَّق. تكَّبر فتمَرَّدَ على خالقِه وآختار أن يتصَّرف بحرِيَّتِه. والحرّية غاليةٌ جِدًّا ومجدُ الله يُغري. فقَرِّر منافسة الله في السيادة. كان هذا خطَأ ًا جسيمًا، ولم يتندَّم ولا إعتذر بل تطاول على حق الله، فخسر نعمته. وهذا هو الشَّر. ونشر شَرَّه إِذ حرَّضَ الأنسان على التمَرُّد مثله ليُفشِل عمل الله.
يقول عنه القديس يوحنا الدمشقي ” لم يضعْ الخالق في تكوينه أثرًا للشر البتَّة. لكنه لم يحمل الإنارةَ ولا الكرامة اللتين خَصَّه الخالقُ بهما فحادَ، بمطلق حُرِّيتِه، عما هو من طبيعته إلى ما هو خارج عن طبيعتِه …وهذه السقطة صارت للملائكة كما هو الموتُ للبشر”. وتحَدَّدَ بذلك مصيرُه الأبدي.
معروفًا في الوحي ومذكورًا في الأسفار التي سبقَ تدوينُها على سفر التكوين. يأتي سفر التكوين الأول بالتسلسل نسبة الى بقية الأسفار، لاسيما أسفار التوراة التي تُنسبُ الى موسى في إعلان محتواها، ولأنَّ سفر التكوين أطول أسفارها. لكن تدوينه النهائي، أي في صورته النهائية الحالية، متأَخِّرٌ ويرتقي الى الجيل الخامس قبل الميلاد، بعد عودة اليهود من سبي بابل، بحدود سنة 450ق.م. بينما يرتقي تدوين بقية أسفار التوراة الأربعة في الجيل التاسع قبل الميلاد. إنَّ أسفار التكوين والحكمة ويونان من أواخر المُدّونين.