عقَّبَ قاريٌ كريم على موضوع ” هل يخطأُ الناس في الملكوت “، حيثُ جاء فيه أنَّ ” الملكوت ليس مكانًا مُحَدَّدًا ” بل حالة الراحة. كتبَ المُعَّقبُ يقول :” إجابةٌ كهذه يمكن أن تخلق الكثير من الألتباس والتشوش”. وبالمقابل إدَّعى أنَّ الملكوت فعلا مكانٌ محَدَّد بدليل أقوال الأنجيل :” في بيت ابي منازل كثيرة.. أرجع وآخذكم إليَّ لتكونوا حيث أكون .. أنتم تعرفون الطريق ؟ (يو14: 2-4). يسوع في القيامة إلى أين ذهب ؟
أنا ذاهبٌ عند الآب !
هكذا قال (يو14: 28)، وكررها بعد القيامة :” أنا ذاهبٌ الى أبي وأبيكم ..الهي والهكم ” (يو20: 17). وأما للص اليمين فقال :” تكون اليوم معي في الفردوس” (لو23: 43). و الفردوس ، حيث سكن آدم، قال عنه الكتاب :” وغرس الرَّبُ الأله جِنَّةً في عدن شرقًا، و أسكن هناك آدم الذي جبله .. وكانت تجري فيها أنهارٌ : فيشون، وجيحون (النيل)، ودجلة والفرات (تك2: 8-14). وهل يكون هذا ملكوت بعد القيامة ؟. ولا يمكن أن يُحَدَّد مكان إلا على ” أرض”. ولم يذكر الكتاب عن مكان آخر. وعلماء الفضاء لم يجدوا، لا بمركباتهم ولا برُوَّادِهم مكانًا يمكن العيش فيه!!. وفي الفضاء حيث مقر الهواء والنار لا توجد أمكنة محددة ولا يمكن أيضًا. فأين يكون ، إذا كان الملكوت فعلا ً ” مكانًا محَدَّدًا “؟.
تَهُّبُ الريحُ حيثُ تشاء !
وتابع يسوع القولَ:” ..ولا تعرف من أين تأتي وإلى أين تذهب. هكذا هو كلُّ من يولد من الروح” (يو3: 8). والمعَّمَد وُلدَ من الروح. ومن يموت جسده يفسد في التراب. روحه هي التي موعودة بالملكوت. والروح أصبحت مثل الريح هي حيَّة ولكن ليس لها مكان مادي. و من صفات الروح أنَّه لا يُحَّدده لا زمان ولا مكان. وعن كلام يسوع فقد قال عنه يسوع نفسُه في معرض كلامه عن ” أكل جسدِه وشُربِ دمِه” :” الروح هو الذي يُحيي أما الحرف فلا نفع منه. والكلام الذي قلته لكم هو روحٌ وحياة ” (يو6: 63). أي يجب فهم كلام المسيح وعدم التوقف على ” حرفِه “.
ملكوت الله في داخلكم !
في ردٍّ على الفريسيين بخصوص الملكوت قال يسوع :” لا يُقالُ ها هوذا هنا. أو ها هوذا هناك. فإنَّ ملكوتَ الله فيكم ” (لو17: 20-21). كيف يكون الملكوت داخل الأنسان إن كان مكانًا مُحَدَّدًا بمنازل ومدن ؟؟. ولو كان مكانًا محَدَّدًا لكشفه لتلاميذه فكانوا يعرفون الطريقَ إليه. لكن الرسل أنفسهم يعترضزن على يسوع :” كيف نعرف الطريق ولا نعلم إلى أين أنت ذاهب”؟. وأجابهم الطريق هو يسوع نفسه، وهو ذاهبٌ الى الآب. وهل لله /الآب مكان محَدَّد؟. ويقول سليمان الملك عنه :” ولكن هل تسكنُ يا الله حَقًّا على الأرض؟. لا تسعُ لكَ حتى السماواتُ وسماوات السماوات، فكيف هذا الهيكل الذي بنيتُه لكَ؟ “(1كل8: 27). إذا كان الله لا يسعه مكان ولا يبيتُ في مدينة أو دار فأين يذهبُ إليه المُخَّلصون؟. هل ينعزلون عنه في منازل، أو يكونون معه حيثُ هو يكون ؟. ولو تابع القاريءُ اللبيب فقرأ أعدادًا تالية لِمَا دعم به إعتراضَه لوجد ضالته ولم يتحمل قلق السؤال. أكَّد أن سكناه هو في الآب وسكنى الأبِ فيه (يو14: 10-12)، وأنَّ سكناهما معًا هو في المؤمن الذي يُحّبُ الرب ويعمل بوصاياه، فقال:” من قبل وصاياي وعمل بها أَحَّبَني . ومن أحَّبني أحَّبَه أبي.. ونجيءُ إليه ونقيمُ عنده ” (يو14: 21-24). وإذا كان ملكوتُ الله في داخل الأنسان فأين يكون يا تُرى ملكوت الأنسان إِلَّا في الله، الذي ذهب اليه المسيح و ينتظرنا حيثُ يكون!!. وهل في الله مكان أو زمان ؟؟.
جاء في سفر الرؤيا الحديث عن سماءٍ جديدة وأرضٍ جديدة، لأنَّ الحاليتين تزولان، ولن يبقَ للبحر وجود. وعن أورشليم الجديدة قيل :” ها هو مسكن الله والناس. يسكن معهم و يكونون له شعوبًا..”. وتابع يوحنا :” وما رأيتُ هيكلاً في المدينةِ لأنَّ الربَّ الألهَ القديرَ والحَملَ هما هيكلها.. والمدينة لا تحتاج الى نور الشمس والقمر لأنَّ مجدَ الله يُنيرُها والحَمَلَ هو مصباحُها ..” (رؤ21: 1-4 +22-23).
كما نرى ليست لغة الأنجيل ومقاييسُه مادية جسب مفهومنا. وليس الله من سيتغَّير بل نحن. نحن الترابيين الماديين سنتحَّول الى الحياة بحسب مقاييسها الألهية الروحية. لا مدنهم مدننا ولا منازلهم منازلنا. سبق الله ودعانا الى أن نرتفع الى مقاييس الله للحياة وبعدُ نحن على الأرض فنتَرَوحَن. ليس الله مثلنا ولا أفكاره أفكارنا ولا طرقنا تشبه طرقه (اش55: 8-9). وردَّ يسوع على الفريسيين الذي قاسوا حياة السماء على وتيرة الحياة على الأرض، فقال : ” أنتم في ضلال. لأنكم تجهلون الكتب المقدَّسة وقدرة الله … في القيامة يكون الناس مثل ملائكةٍ في السماء” (متى22: 29-30). وهل للملائكةٍ بيوتٌ ومنازل ؟؟.