أهلا وسهلا بالأخت أنسـام يوسف
كتبت الأخت أنسام يوسف ، تسأل :” لماذا أنا موجودة في هذا آلعالم ؟ ما هي الغايةُ من وجودي؟. إذا كان الجوابُ :”” لأجل أن أُسَّبحَ وأعبُدَ الله “”، فأنا بتصَّوري لا يحتاج الله إلى أحد يخلقه لكي يعبُدَه ويُمَّجِدَه ، لأنَّه كاملٌ ؛؛ وإذا كان الجوابُ هو :”” من فيضِ حُبِّهِ خلقني “”، فما الغايةُ من وجودِه. لماذا خلقَ اللهُ الإنسان ، وما آلفائدةُ من وجودِه “”؟. و قالت ” أحتاجُ الى إجابةٍ مُقنعةٍ وشافيَةٍ “.
إجابة مقنعة وشافية !
كلُّ إنسانٍ له فكرُه ورأيُه الخاص، يتصَرّفُ ويقَرِّرُعلى ضوئِه. فهو مقتنعٌ به ويرتاحُ إليه. وعندما يُحاورُ غيرَه لا يضمن كسبَ قناعة المقابل إلى جانبِ رأيِه. هو يُعَّبرُ عن ذاتِه و آلآخر حُّرٌ أن يقبلَ به أو يرفُضَه. فأنا عندما أُجاوبُ على سؤال ما ليس هدفي إقناعه بل إعطاءَه ما أراهُ ، أعرفُه وأعتقدُه الحقيقة. بكلمة أخرى مشاركَتَه بقناعتي. لا يوجد أسلوبٌ خاص للإقناع أو كلامٌ سحريٌ يُشفي غليلَ السائل أو السامع والقاريء. قد يشفي عطشانٌ غليلَه بماءٍ جامد، وغيرُه بماءٍ دافيء. فالقناعةُ إحساسٌ يُكَوِّنهُ المقابل إستنادًا إلى إرتوائِه. ويرتوي كلُّ آمرِءٍ عند آمتلاءِ آنيتِه، لا آنيةِ مُحاوِرِهِ. وإذا لم يشفِ الفكرُ غليلَ المرء عندئذٍ ينبري آلأيمانُ ليُغيثَه. لأننا ” بالأيمان نُدرك أنَّ الله خلق”،لا بمنظق بشري (عب11: 3). و بالأيمان نقبل أنَّ ” الروح القدس يأتي إلى نجدة ضُعفنا ..إذ يشفع لنا عند الله بأنّاتٍ لا توصَف ” (رم8: 26). والقناعة كنزٌ من الله لا يفنى، لأنها ثقةٌ بالله وبكلامه :” وآمن إبراهيم راجيًا حيثُ لا رجاء… لم يشُّك في وعد الله، بل قَّوَاهُ إيمانُه فمَجَّد الله ” (رم4: 18-21). وعندما لا نبلغ قناعتنا الذاتية نثق بمشيئة الله وفعله :” ولمَّا عجزنا عن إقناعه سكتنا وقلنا : لتكن مشيئة الله ” (أع21: 14).
بتَصَوُّري … !
ونحن مؤمنون بآلله وبيسوع المسيح. ويسوع ناقش الفريسيين كثيرًا ولم يقتنعوا بكلامه. و لم يعنِ ذلك أنه فاشلٌ في كرازته، بل أن الفرّيسيين تعاموا عن الخروج عن أفكارهم و التخَّلي عن تراثهم وتقاليدهم المغلوطة، فقال لهم :” ستموتون في خطاياكم إن لم تؤمنوا أني أنا هو” (يو8: 24). قال لهم أنه المسيح الله ، لم يقتنعوا به، بل تمسَّكوا برأيهم و” آزداد سعيُهم لقتله ” (يو5: 17-18). ولمَّا تحَدَّثَ يسوع عن أنه خبزُ الحياة ومن لا يأكل جسده لا حياة له، إعترض حتى تلاميذُه وتذمروا متشبثين بأفكارهم البشرية ، رافضين الأرتقاء الى مستوى الروح، و” تخَلَّى عنه بعضُهم وآنقطعوا عن مصاحبته ” (يو6: 66). لم يتراجع يسوع عن قول الحقيقة ولم ييأس ولم يعتبره فشلا، بل أعطى كامل الحرية حتى لرسله أن يتركوه إن شاؤوا ، فقال بطرس :” الى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك ” (يو6: 18). لم يقتنعوا دوما بكلام يسوع ولم يفهموه ولم يؤمنوا حقًّا بكلامه إلا بعد حلول الروح القدس عليهم بعد قيامته (يو2: 22؛ 7: 39). ونحن نحتاج إلى أنوار الروح القدس.
كل إنسان يتبع قناعته كما أسلفتُ. وهنا بيت القصيد. إذا إعتبر كل واحد أن الحقَّ معه فعندئذ سيضيع الحق. وإذا لم يقبل بما للآخرين من فكر مغاير سوف يسلك طريق التعَنُّت والعنف. وهل يعقل أن تكون حقيقةً الأفكارُ المتناقضة كلها؟. هنا ضعف الأنسان الذي ليس كاملاً فلا يعرف كلَّ شيء ولا يقدر على كل شيء، فكيف يقدر أن يضمن الحقيقة؟. يجب أن يعترف الأنسان أن ليس دومًا كلُّ ما يقتنع به صحيحًا. والخطأ فيه وليس في الحقيقة. و
يلجأ عندئذٍ الى من يقدر أن يساعدَه، كي يدخل عمق ذاته ليلتقي بالروح الألهي الذي صنعه. فالقناعة لا تحصل إن لم تتجذر الفكرة في القلب والروح أكثر من المخ العقلاني. يلتقي مع الله خالقه ويسأله ” لماذا خلقتني”؟. يسأله عن هدفه في الحياة. فحقيقةُ حياة الأنسان، مصدره ، سلوكه ، هدفه لا يعرفها إلا الذي صنعه، خلقه. كيف صنعه ولماذا صنعه، ولماذا صنعه بشكله الحالي وليس بشكل مختلف؟. إنَّ تفسيرَ معنى الوجود وتحديدَ الهدف وتوثيقَ فائدة كل كائن يأتي من الله نفسه. فالجواب على أسئلة السائلة الكريمة عند الله.
لماذا أنا موجـود !
والله كشفه للأنسان : ” أُنموا وآملأوا الأرض أخضعوها وتسلطوا..(تك1: 28)؛ أُسلك أمامي، وكن كاملاً .. وآحفظ عهدي (تك17: 1، 9؛ متى5: 48)؛ أنت إسمع ما يقوله الرب وكلمنا ..فنسمع ونعمل به (تث5: 27)؛ إسمعوا ..أطيعوا..أحبوا الله والقريب (تث6: 3-4؛ أح19: 18) ؛ طعامي أن أعمل بمشيئة الله (يو4: 34)؛ أخلى ذاتَه وتواضع وأطاع حتى الموت” (في2: 7- 8). فكَشْفُ اللهِ، وَحْيُهُ ، المباشر أو عن طريق الأنبياء الوسطاء ، بلغَّه إلينا الذين رأوه وسمعوه وتحدثوا إليه، فشهدوا وتركوا شهادتهم لنا في الكتاب المقدس (1 يو1: 1-3).
قالوا عن الله أنَّه ” المحَّبة “( يو4: 8)، وأنه “الرحمة ” (متى9: 13؛ هو6: 6؛ خر20: 6). وقال الله عن الأنسان أنه ” إبنه ” (خر4: 22؛ هو11: 1-4؛ متى3: 17؛ يو1: 12؛ 13: 33؛ مر10: 24). وعلمنا الرب يسوع أن ندعو الله أبانا السماوي. وما أحلى التشبيه في آلعلاقة بين الله والأنسان ” الأُبُّوة والبُـنُوَّة “. ولنا أب وأم أنجبونا. لماذا؟. لأنهم مؤمنون بالحياة لتستمر، ولأنهم يُحَّبون. والمحبة عطاء وجريان مستمر. الله الوجودُ والمحبة خَلقَ الأنسان ” على صورته “، لا ليُمَّجدَه بل كي يرَ مجدَه ويشترك فيه، و يرَ خيرَه ويتمتع به، كما يتباهى كل ابن بأبيه ويرث خيراته. وعند ذلك يتمجَّدُ الأبُ ويتباهى بآلإبن. أعطى الله للأنسان ذاته : الوجود والكمال اللذين يتحققان بالمحبة. لذا قال الرب :” آمنوا بالله وآمنوا بي” (يو14: 1)، و ” أحبب الربَّ الإلَهَ والقريب ” (متى22: 37-40). وقال الرسول :” أُثبُتْ في الأيمان والمحبة ” (2طيم1: 13؛ 1طيم2: 15). لا يُضيفُ موقفُ الأنسان الى الله شيئًا. ولا يستخدمُ الله الأنسان كخادم. بل يشركه في حياته، بمجده وعمله وراحته، كما يشرك كلًّ الآباء أولادهم بحياتهم وخيراتهم، ويتمنون أن يقتدوا بهم.
لهذا خلق الله الأنسان، إمتدادًا لمحبته. ويطلب منه أن يتحَّلى بصفاتِه هو ويسلك بتوجيهاته فيتابعَ عمله، كما كان يسوع يعمل دوما ما يعمله آلآب (يو5: 9). وقال :” إقتدوا بي” (يو 13: 15). أعطى الله الكون للأنسان ليسوده ويُجَمِّلَه ويقودَه نحو الكمال. وأعطى لكل إنسان فرد مواهبَ وطاقاتٍ خاصَّة مختلفة ليشتركَ في هذا العمل بآسمه تعالى ، ويؤَّديَ دَورَه ويضعَ في بنائه طابوقته، فيكون الكونُ الكاملُ عملَ الله وعملَ الأنسان، كل الناس، معا.
هذه هي الغاية من وجود كل إنسان. وحتى يتحَقَّق بشكل سليم على كل إنسان أن يستمع إلى الله ويحفظ ما يوصيه به، فيتخَلَّقَ بأخلاقِه (في5: 2). هذا ما أراده الله.