أهلا وسهلا بالأخت مريم عبرو.
سمعت الأخت مريم موعظة في كنيسة انجيلية تطرق فيها الواعظ الى إختطاف المؤمنين تليها فترة سبع سنوات ضيق. ويبدو أنها لم تستطع ربط أقوال الواعظ فتساءلت هل يعني أنَّ هذه الفترة الأضافية هي فرصة لتوبة الخطأة الذين لم يُخطفوا في المرة الأولى. فسألت :
# ما هو الأنخطاف أصلاً ؟ (أضافت : أريدُ تفسيرا للموضوع !).
مجــيء الـرب !
لما صعد يسوع الى السماء ظهر ملاكان للتلاميذ وقالوا لهم :”.. يسوع هذا الذي صعد عنكم الى السماء سيعود مثلما رأيتموه ذاهبا الى السماء “(أع1: 11). وآرتبطت هذه العودة بنهاية العالم. وآعتقد الكثيرون بأن هذا المجيء لن يتأخر. ربما أساؤوا فهم تعليم بولس الذي كتب لأهل كورنثية :” لا نموت كلنا ، بل نتغَّير كلنا …عند صوت البوق الأخير… يقوم الأموات لابسين الخلود ونحن نتغَّير”(1كور15: 51-52). وعلى ما يبدو فسَّر الكثيرون ” ونحن نتغير” بأن بولس يقصد أن مجيء الرب قريب جدا بحيث سيتم وبولس وبقية الرسل أحياء. وآضطر بولس، في ثاني رسالة يكتبها سنة51م، أن يُصحَّح هذا الأنحراف في إدراك الوحي. فكتب لأهل تسالونيقي ما يلي :” أما مجيءُ ربنا يسوع المسيح وآجتماعُنا إليه، فنطلب إليكم أيها الأخوة ألا تتزعزعوا سريعا في أفكاركم ولا ترتعبوا من نبوءةٍ أو قول أو رسالةٍ كأنها منا تقول ” إن يوم الرب جاء”!. لا يخدعكم أحد بشكل من الأشكال. فيوم الرب لا يجيءُ إلا بعد أن يسودَ الكفرُ ويظهر رجل المعصية ، ابن الهلاك .. الذي يحاول أن يثَّبت أنه إله “(2 تس3: 1-4).
يوم المجيء ليس قريبًـا !
ما كتبه بولس لأهل تسالونيقي جاءً توضيحا وتبديدًا لأوهام بعضهم ردًّا على ما سبق وكتبه لهم وأخطأوا في تفسيره. كتب ما يلي :” نقول لكم ما قاله الرب. هو أننا نحن الأحياء الباقين الى مجيء الرب لن نتقدم الذين رقدوا ..” (1تس4: 15). لا يقصد بولس هنا أن المجيء يتم في أيامه. بـ “نحن الأحياء” يقصد بولس المسيحيين المؤمنين الذين، في أيامهم، يتم المجيء. لأنَّ نهاية العالم لن تحدث بعد إنقراض البشرية. ويوم تجيء النهاية يكون ملايين البشرأحياء. وبما أن بولس يصور المؤمنين كلهم، على مر العصور، جسدا واحدا مع يسوع، هو الرأس وهم الأعضاء (أف1: 22-23؛ كو1: 18) فيحسب بولس نفسه واحدًا منهم.
هذا من جهة. و من أخرى يقصد بولس ، بـ” الأحياء” ، المخلصين الذين يحيون للأبد مع الرب (آية17) بعكس الهالكين الذين يُعَّرفهم الكتابُ دوما بـ “المائتين “(رؤ20: 12-15). فبالأحياء لا يقصد بولس نفسه ، ومن في زمانه حصرا، بل من يكونون أحياء في نهاية العالم و يكونون مخلصين أى ” الموتى القديسين “. كما يُرَّكز بولس على أن يوم مجيء الرب هو يوم مجده ومجد المؤمنين به. فعند مجيئه ” يتمجد يسوع في قديسيه ” كما ” يتمجَّدون هم فيه “(2تس 1:10-12).
ويكشفُ سًّرا هو أنَّ نهاية العالم تبدأ بقيامة الراقدين المخَّلصين فيظهر أولا مجدهم في الرب ثم يتحَّولُ الأحياء من حالة الفساد المادي الى حالة المجد الروحي. وعن هؤلاء قال بولس :” لا نموتُ كلنا، بل نتغَّيرُ كلنا”. وسبب التغَّير” لأن اللحم والدم لا يمكنهما أن يرثا ملكوت الله .. فلا بدَّ لهذا المائت (الجسد الترابي تك2: 7؛ 3: 19) أن يلبس ما لا يموت، ولهذا الفاني أن يلبس ما لا يفنى”(1كور15: 50-54). هذا التغيير يتم إعتياديا في حالة الأفراد بموت الجسد. أما في نهاية العالم فيتم في لحظات كما حدث لأيليا النبي. وهذا التغيير يكون آخر عمل يجري على الأنسان بآنتهاء الموت والزوال المادي وبتمجيد الحياة الروحية فتكتمل صورة الله (تك1: 27). فيكون النصر النهائي لعمل الله والفشل النهائي لعمل الشيطان الذي أفسد الجسد بفعل الخطيئة، كما قال بولس :” الموت إبتلعه النصر” (1كور15: 54).
ونُخطـف معهم في السحاب !
ويصف مار بولس التغيير الذي سيحصلُ للمؤمنين الأحياء بالجسد بـ” الأنخطاف”. ويقول :” الرب سينزل من السماء..( كما سبق وأخبرعنه الملاك عندما صعد يسوع الى السماءـ أع1: 11).. يقوم أولا الذين ماتوا في المسيح..( كما سبق وأشار إليه متى عندما قال : قامت أجساد كثير من القديسين الراقدين، وبعد قيامة يسوع خرجوا من القبور <متى27: 52-53>. فهنا أيضا بعدما يظهر يسوع ممجدا يقوم أولا الراقدون في المسيح أى الممجَّدون).. ثم نُخطف معهم في السحاب ، نحن الأحياء الباقين (الأحياء على الأرض عند وقوع نهاية العالم) ، لملاقاة الرب في الفضاء (عالم النقاء والسلام )..”(1تس4: 14-17).
في السحاب قاد الله شعبه في البرية نهارا وليلا(خر 13: 21-22)، والسحاب دلَّ على حضوره بينهم (خر33: 9-10)، وآرتفع ايليا في مركبة نارية نحو الفضاء ليلتقي الله (2مل2 : 10-11)، ورأى دانيال واحدا ” بمثل ابن انسان آتيا على سحاب من السماء يقترب منه ” (دا7: 13-14). وبولس خطف الى الفردوس ـ السماء الثالثة !ـ ليتلقى كشوف الله (1كور12: 2-4). الله ينزل نحو البشر ويريهم مجده ، وبالمقابل يرفع اليه الأنسان المؤمن الصادق ، الذي يرضى عنه، ليشركه في مجده. وهذا الأرتفاع ،الذي يتم بقوة الروح القدس، دعاه الكتاب ” إنخطافا “.
فالأنخطاف يعني أن ينعم الله على من يشاء ليشعر برؤيته تعالى و بسماعه ليكشف له أمرا وتعليما لا يبلغه الأنسان بقدرته الذاتية. إنه مشاركة حياة الله ومجده، لفترة طالت أم قصرت، يتنعم فيها المحظوظ بالعلم الألهي وعظمته ومشيئته. من هذا القبيل خطفت القديسة برناديت ، في لورد ، فخرجت عن نظام الكون وفقدت كلَّ حس مادي وآتصّلت بالعالم الروحي المجيد فرأت مريم العذراء وحدَّثتها وكلفتها برسالة التوبة الى العالم. وكذلك حدث للرؤاة الثلاثة في فاطمة الذين ظهرت لهم مريم وكشفت لهم أسرارا الهية عن مسيرة الكون تحققت بعده. و هكذا يُخطف المؤمنون في نهاية العالم ليشتركوا في حياة الله ومجده. الفرق الوحيد بين ما حدث أو يحدث لأفراد معَّينين وأهل نهاية العالم هو : ما يحدث للأفراد هو زمني ومن أجل إيصال تعليم وإرشاد ؛ أما ما سيحدث في نهاية العالم فسيكون نهائيا وأبديا لأظهار مجد الله وقداسته و عدالته ، ومجازاة الناس على سلوكهم الجيد أو السيّيء.
أما ما ذكرته السائلة عن ” سبع سنين ضيق ” فلا يُخبر عنه الكتاب ولا هو منطقي أو إيماني ما دام العالم ينتهي ويأخذ كل واحد جزاءَه. عند مجيء الرب لن يبقَ مجال للتوبة حتى تعطى الفرصة للخطأة. ومار بولس صريح في ذلك، فيقول: ” من العدل عند الله أن يجازي بالضيق الذين يضايقونكم. وأن يجازيَكم معنا بالراحة على ما تحتملون الآن من الضيق ، عند ظهور الرب يسوع من السماء.. لينتقم من الذين لا يعرفون الله ، ومن الذين لا يطيعون بشارة رَّبنا يسوع. فيكون عقابهم الهلاك الأبدي، بعيدا عن وجه الرب وقدرته المجيدة” (2تس1: 6-9). ويأتي هذا مطابقا لتعليم يسوع في مثلي :الغني ولعازر(لو16: 24-26) والعذارى الجاهلات (متى 25: 1-13) بأنَّ الموتَ ، فرديا كان أم عاما ، هو حدٌّ فاصل وتحديدٌ لمصير الأنسان الأبدي بحيث لا يقدر أحد أن يغَّير، بعد الموت، في سلوكه ولا يزيد لا من فضله ولا من شَّره.