طُلبَ مني أن أُحاضرَ في موضوع : “أللهُ يعـرفُ بالمُستَقْـبَل ! لماذا يسمحُ بالشّر إذًا ؟
مَدخَل ! { نصوص كتابية }
- اللهُ يعرفُ كلَّ شيء. إنَّه فاحصُ الكلى والقلوب ار20: 12
- نرى أنَّك تعلمُ كل شيء، لا تحتاج إلى من يسألُك. يو16: 30
- ما في قلبه من مقاصد تفهمونها في آخر الأيام . ار30: 24
- أنت لا تفهمُ الآن ما أفعله. لكنَّك ستدركه بعد حين. يو13: 7
- عيناه مفتوحتان على طرق بني آدم لتجازيَ كلَّ واحد بحسب طرقه وثمار أعماله. ار32: 19. متى 16: 27
- يطلعُ شمسِه على الأشرار والصالحين..متى 5: 45 ؛ يدعو الى الوليمة أشرارًا وصالحين .. متى22: 10
- يميز في الدينونة بين الأبرار والأشرار، ويأخذ كلُّ واحد حقَّه متى25: 32 ، 46
- يا رب أنت عادلٌ. ولكن لماذا تنجح طريقُ الأشرار ويَسعَد الغادرُون جميعًا “ار12: 1 بإنصافٍ أُؤَّدبُكَ ار30: 11
- أبناءُ هذا العالم أكثر فطنةً من أبناءِ النور … لو16: 8
- أ تريدُ أن نذهب فنجمع الزؤان ؟.. متى 13: 28
- دعوا الحنطة والزؤان ينميان معًا .. متى13: 30 . الزؤان ينمو أفضل …
- قبلَ أن أُصَّورَك في البطن إخترتُكَ ، وقبل أن تخرجَ من الرحِمِ كرَّستُك وجعلتك نبيًّا للأمم . ار1: 4
- سأقتلعُهم من أرضِهم وأقتلعُ بيتَ يهوذا من بينهم. ار12: 13
- يُجمع الزؤان أولاً ويُحرق.. متى13: 30. لله خطته.
- لا كان نهارٌ ولدتُ فيه ..اي3: 3 ـ ملعون يوم ولدت فيه . ار20: 14-15
- أنا في خصامٍ ونزاعٍ مع الأرضِ كلها. .. وكلُّ واحدٍ يَلعَنني. ار15: 10
- كان الأفضل ليهوذا الخائن لو لم يولد ؟ متى26: 24
- لا توازي آلامُ هذا الدهر بالمجد المزمع أن يتجَّلى فينا . رم8: 18
- اليوم تكون معي في الفردوس . لو23: 43
- يسمحُ اللهُ بالشر لأجل خير أعظم.. يوسف الصديق .. موسى .. يسوع المسيح
- يسمحُ به لأنَّه يحترمُ عمله. يحترم الخلائق كلها لاسيما الأنسان صورته. يقول المزمور: ” الله خلقَها بأمره وثبَّتها للأبد، وأقام لها حَدًّا فلا يُخالِفُه ” مز148: 5-6.
- لو لم يسمح بخطيئة آدم وحواء لما نالت البشرية شرف أن تُكَّرمَ بتجَّسد الله
- وبصيرورة الله إنسانًا شاركنا في حياته الألهية فرفعنا الى مقام مجده، أبناءَ له و ورثة لخيراته (رم8: 16-17؛ غل4: 7).
- يسمح لأن الله نظَّم الأمور الزمنية لتُحَّققَ حياة الراحة والمجد مدى الأبدية.
- لا تجمعوا لكم كنوزًا على الأرض. إجمعوا لكم كنوزًا في السماء.. حيث كنزكم يكون قلبكم (متى6: 19-21 ؛ لو12: 33-34.
- البشر كلهم أولاد الله. خلقهم. مات على الصليب من أجل خلاصهم. يريد أن يخلص كل الناس (يو12: 47؛ 3: 16. خلقه بدون إرادته لأنه أحَّبه وعَظَّمه أكثر من ابليس. ويطلب منه أن يختار هو بدوره محبة الله والجهاد من أجلها. ” إنَّ ملكوت الله يُدخلُ فيه بجهاد، والمجاهدون يدخلونه ” (متى11: 12)
- إذا لم يكن زؤان لا تجاهد سنابل الحنطة من أجل غذائها. وإذا لم تهتم لن يكون لها ساقٌ.. وبدون ساق لا يحصل على العلف للحيوانات.
- لماذا خلق الله حيوانات ونباتات سَّامة؟. ليس بالتأكيد لأَذية الأنسان. بل إنها دواء له في أمراضٍ كثيرة كان سيُعاني منها. ولاسيما لأجل تحذيره من وجود الشَّر حوله فيحمي نفسَه. الشيطان موجود. لم يُفنِهِ اللهُ بل دعا الأنسان وزوَّده بالروح الألهي لـيقاومه ويتغلب عليه.
- وإذا لم يسمح الله بالشر لن يكون الأنسان حُرًّا ليختار بين الخير والشر. وإذا لم يكن حرًّا فلا وجود للمحاسبة. وإذا لم يكن حرًّا فهو ليس صورة الله. وإذا ليس صورة الله فكيف يأمل بالمجد والراحة معه للأبد؟. ليس الشر في طبع الأنسان. بل هو في فعله متأَّثرًا بغيره. لمار أفرام مدراشٌ يقول فيه :
– لو كان الشَّرْ طبعًنا : فعلى الخالق اللوم. لو الشَّر في الحُرّية : إلينا يعودُ الذَّم. لو لم نكن أحرارًا : لا يجوز أن نُحاسَب. فالعبدُ يدان ظُلمًا : أمَّا الحُّر فيُطالب * { لا أدعوكم عبيدًا بل أحَّبائي } تُحاسَبُ الحُّرية : والناموسْ يخُّصُها. إنْ كانت قد تعَّدَتْ : حدودَ دَّيانِها. ما نفعُ الخالِقِ الحَّق : أن يستَخِّفَ بنا. إنْ كانْ لمْ يُحَّررْنا : بالناموسْ كيفْ قَيَّدْنا * { بدون حرية لا وجود لا للشر ولا للناموس ولا للمحاسبة } يقومُ الحَّقْ في الوسط : ليَسأَلْ ويُستَجْوَبْ. هل وهبنا الخالِقْ : حُرّيةْ أمْ لمْ يهَبْ. أَسئلةْ ونقاشاتْ : تولَدْ من الحريّة. فالحسابْ والأمتحانْ : أبناءٌ للحُرّية * { حياة الإنسان كلُّها ، بخيرها وشَّرِها ، متوقفة على الحرية }
– أحب الله الأنسان فخلقه ، على صورته ، حُرًّا. والشَّر لا يقدر على الأنسان إذا لم يستسلم الأنسان له. ولو لم يكن أشرارٌ لما إستطاع الأنسان أن يختار بينهم وبين الله. وإذا لم يختر فهو ليس حرا، ولا هو صورة الله، ولا يشاركه مجده وراحته.
الله والمستقبل
بالنسبة الى الله لا تفرقُ كثيرًا. الله لا يتغَّير لأنه المعرفة الكاملة. فهو نفسُه من الأزل والى الأبد. وضع للكون نظامًا يُحَّققَ أفضل الحياة. ولن يتغَّير لأنه هو مهندسُ الكون. وإنَّه أصلاً لا يَفرُضَ الخير، وبالمقابل لا يمنع الشَّرَ، بل يحترمُ صُنعَ يديه. وإلا لن يكون عادلاً. هو يعرف ما سيحدث لأنه لا ماضي فيه ولا مستقبل. كلُّ شيء فيه حاضر. يرى كلَّ شيء يسيرُ أمامه حسب النظام المطلوب. يُنَّبهُ الأنسان بالويلات والكوارث ويدعوه إلى أن يتحبب مع الجميع ويتضامن معهم. ويُحَّذرُه من خداع ابليس الشّرير. ويُقَّدم له العون عند الحاجة. ويذهب الى أكثر من ذلك. فعندما يلتجيءُ الناس إليه بإيمان وثقة في ضيقهم وحاجتهم، مباشرة أو عن طريق قديّس رضيَ عنه الله، يوقفُ اللهُ النظام السائد للحظات ويغَّير وضعَ السائل إلى أفضل. هذه هي ما نسَّميها بالمعجزات.
ولو منع الله الشر والأمراض والمشاكل فلن تبقَ حاجةٌ الى الله، لأنَّ نظام الكون يتوقف. يتصَّرف الأنسان ايضًا عندئذٍ غريزيًا. وإذا توقفَّ النظام فهل تكون الفوضى أفضل؟. ولن يبقَ معنًى لا للخطيئة ، ولا للتجَّسد ولا للفداء. ونرى في عصرنا في فوضى الألحاد لم يبقَ خيرٌ ولا بار أصبح الشَّرُ والأنانية النفعية سَيِّدَ الحياة.
لكن لله خطته في القضاء على أصل الشر وأعوانه ، وفي مساندةِ إنتشار الخير. أين الأمبراطوريات المضطهدة للحق، وأين جبابرة الشر، وأين مملكة ابليس؟. إنَّ دولة الشر تضعف يومًا بعد يوم والحَّق يعلو والخير ينتشرُ أكثر. إلى الآن لم يؤمن بالمسيح نصفُ البشرية. ورغم ذلك ورغم إضطهاد الشر للخير إنَّ عدد المؤمنين في آزدياد مُطّرَد.
نحسبُ إستشهاد الناس بسبب الحق خسارةً وشَّرَا لا أبشع منه. نعم قتل الحياة شَّرٌ كبير. لكن الحياة هي ملك الله وهو ينجازُ فيها. أمَّا الشهيد بذاته فهو نال فخرًا إذ لم يخذل أمام الضيق، ونال مجدًا يُحسَدُ عليه. القائد طهمزكرد قتل في كركوك سنة 446م 12 ألف مسيحي خلال ثلاثة أيَّام. وفي وسط تعذيبه لهم رأى أنَّ كلَّ من يُقتَل يرتفع الى السماء بسُّلمٍ حيث ينتظره ملكٌ في مهابة و مجدٍ لا يوصفان ويكَّللُ كل شهيد بإكليل من مجد، أضرم نار الشوق في القائد ليقتنيه بأيِّ ثمن كان. ولما عرف أن ذلك الملك هو المسيح وهو الحَّق فتوقف عن قتل المسيحيين وآمن بالمسيح وآستشهدَ على نفس التلَّة الحمراء. لو منع الله هذا القائد أو ملكه لما حصل قديسون في الجنة ولا آنتشرت حقيقة المسيح وتعاليمه في شرق آسيا.
الأنسان والمستقبل
الأنسان ناقص المعرفة. لا يعرف ماذا يحدث مستقبلاً. يضعُ نظامًا يتماشى مع معرفته وظروف حياته الآنية، وهي تتغَّير بآستمرار، يهدفُ به إلى تحقيق الخيرالعام. يضيعُ فيه أحيانًا حَّقُ الفرد. المجتمع أهم من الفرد. أما بالنسبة الى الله فالفرد أهَّم لأن المجتمع يتكوَّنُ من أفراد. وإذا لم تُصن كلُّ حقوق الفرد، ولم يكن الأفراد صالحين، يُعاني المجتمع من نقص. فيبدو نظام البشر ناقصًا. لأنَّهم يُعَّلمون مباديءَ الأنانية لا المحَّبة والخدمة.
البشر يحاولون صيانة الحق بالقوَّة والعنف: بالسجن ، بالأعدام ، بالغرامات يُعاقبون بها الأشرار. ليس هدفهم إصلاح الفرد بل فرضُ ذاتِهم وردع الغير من الشر.لا يحترمون الفرد ولا يُعالجون الشَّر في جذوره بل في أغصانه. فالشر يدوم. أما الله فيحترم كرامة الأنسان وحُرَّيته و يُعطيه فرصة التوبة والخلاص، لأنه خلقه للسعادة. ويُعالجُ الشَّر في أصله، في الحُرَّية نفسِها. أما البشر فلأنهم لم يخلقوا الناس عن محبة بل عن الشهوة والمنفعة، يَهُّمُهم فقط أولادهم لا الآخرون. فردعُ الأنسان للشر بأسلوب القمع لا يبني. أما الله فيريدُ أن يشعُر الشّرير بمحبة الله له ويفهم شريعته ويتَطَّلع إلى مُستقبله الأبدي فيتوب. قال الله في حزقيال النبي:” أَ بموتِ الشّرير يكونُ سروري، يقول الرَّب؟. كلا. بل بتوبتِه عن شَّرِه فيحيا ” (حز18: 23)، ” لئلا تقلعوا القمح مع الزؤان .. ” (متى13: 29).