أهلا وسهلا بالأخ تومي ن. سارا تومايي
سأل الأخ تومي : لماذا نتناول القربان فقط ولا نشرب ؟. أَلم يقُل يسوع ” من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه”؟. لماذا يُعطى التناول تحت شكل واحد فقط، وليس على الشكلين ؟.
من أكلَ هذا الخبز يحيا !
تناول الرسل من أيدي يسوع تحت الشكلين. وهكذا درجت العادة وسارت الأمور منذ بداية المسيحية. إلا لمَّا كانوا تحت ضغط الإضطهاد حيث كانت الأمور صعبة لتوفير كلِّ المواد. ولا تزالُ بعضُ الكنائس أو مجاميع مسيحية تُعطي القربان للتناول تحت الشكلين. وُجدت عادة سابقة للمسيحية بآستعمال الخمر في عشاءات جماعية أو في مناسباتٍ إحتفالية. نلاحظ أن يسوع إستعمل في عشاء الفصح كأسين: الأولى للوليمة الفصحية والثانية للقربان (لو22: 17-20). ويذكر بولس أنَّ الكورنثيين بدأوا ” يستصغرون” القربان إذ كان بعضهم يتناول القربان وكأنه خبزُ العشاء وخمره العادي لا جسد المسيح ودمه. وتمادى بعضهم إلى الأستخفاف بالقربان حتى لامهم بقوله :” أنتم لا تأكلون عشاء الرب حين تجتمعون ، بل كلُّ واحدٍ منكم يأكلُ عشاءَه الخاص فيجوعُ بعضُكم ويسكرُ آخرون” (1كور11: 20). و سمّى تلك الفئة “بِدعةً ” أو” شيعةً” أي المُبتعِدة عن الفكر والتصَّرف العام والمُتبَّنية فكرًا وسلوكًا خاصًّا خارج الأطار المألوف والمقبول. فخلطت حقيقة جسد الرب ودمه بالخبز والخمر الأعتياديين.
بجانب هذه البدعة ظهرت بِدعٌ أخرى منها أنَّ تناول الجسد أو الدم وحدَه ليس كاملا ، في حين تؤمن الكنيسة وتعَّلم أنَّ يسوع حاضرٌ كاملا بلاهوته وناسوتِه في كل شكلٍ منهما ، بحيث إذا تناول المؤمن تحت شكل واحد لقد تناول يسوع كاملا. لأنَّ ما يجري في القداس هو سِرٌّ، ويسوع حاضرٌ بشكل سري في كل شكل وحدَه، بل في كلِّ بُرشانةٍ (جزءٍ صغير) يتناولها ملايين المؤمنين كلَّ يوم، دون أن يتجَزَّأَ، ولا أن يَقُّل، ولا أن ينقصَ عند البعض و يزدادَ عند غيرهم، بل كاملاً لكل متناول، وكما هو حاضرٌ في مئات الألوف من القداديس اليومية المقامة في كنائس العالم.
إنَّ موضوع الشكلين مهِّمٌ لفهم مغزى القربان الذي قدَّمه يسوع قوتًا يُغَّذي حياة من يتناوله. ترك لنا يسوع حياته قوتًا لنا على شكل ذبيحة لنتذكر موته وآلامه حُبًّا بنا. فالقداس عشاءٌ نتناول فيه جسد المسيح لنحيا من فكره و روحه فيحيا فينا يسوع ونحيا نحن منه فنصبح منه صورةً حَيَّة، ونقدرعندئذٍ أن نصرُخ مع بولس : ” حياتي هي المسيح” (غل2: 20). إذن إذا تناولنا الجسد وحدَه فنحن نأكل المسيح الحَّي في جسده ودمه معًا لأنَّ الجسد الحي يحوي في داخله الدم، إذ قال عنه الكتاب :” نفسُ الجسد هي في الدم” (أح17: 11، 14). و يحدُثُ نفسُ الشيء إذا تناولنا الدم وحدَه. وهذا الأيمان ساعد على، و ربما قاد إلى الإكتفاء بالتناول تحت شكل واحد. وأخيرًا حَلَّت سابقًا ظروفٌ وبائية قاسية إلى درجة الخطورة إنتشر فيها الطاعون وأمراضٌ أخرى مُعدية تتنقل عن طريق التماس. وبما أن التناول تحت شكل الدم كان يتم بالشرب من نفس الكأس لذا كان خطر إنتقال العدوى عن طريق الدم ممكنا فآحتاطت الكنيسة للأمر. و آحترامًا أولا للقربان، حتى لا يتدنس بوصول الميكروب إلى الكأس، و وقايةً ودرءًا للخطر إلتجأت الكنيسة إلى الإكتفاء بتوزيع القربان تحت شكل واحد، الجسد فقط. هذا بجانب كثرة عدد المؤمنين الذي صَعَّبَ بدوره توفير كؤوس للدم تكفي للكل، و أيضا إحتمال إنسكاب الدم الى الأرض لسبب أو آخر وصعوبة رفعه.
كل هذه الأمور، مع تحوُّلات ظروف الحياة، ومع الشعور بمسؤولية الكنيسة من جهة و بسلطانها من جهةٍ أخرى في تدبير شؤون الأيمان دفعت الكنيسة إلى إتخاذ التدابيراللازمة ، الملائمة لكل ظرف و حاجة. وهي تدعو وتشَّجعُ على إستعمال التناول تحت الشكلين في ظروف ومناسبات خاصَّة كالتناول الأول، أو عيد الجسد، أو خميس الفصح، أو تجَّمعاتٍ روحية، مع أخذ التدابير الأحتياطية ليتم كلُّ شيء بآحترام وتقوى، وبأساليب تضمن تبجيل القربان المقدَّس.