إعـتذارُ آدم وخطة الفـداء !

أهلا وسهلا بالأخ دلير شير

قرأ الأخ دلير في أحد الأجوبة عبارة ” لو إعترفَ آدم بخطِأِه وآعتذر لسامحه الله”. فتساءَل: كيف يُسامحُه وهو الذي مُسبقًا دَبَّرَ خطَّةً للخلاص، وهي الفداء”. ولو سامحَه على فِعلَتِه فماذا عن الموت الذي دخلَ فيه ؟.

خُطَّــة الفـداء !

لا شَكَّ أنَّ الله كان سيُسامحُ الأنسان آدم على خطيئتِه ” إذا إعترفَ بها وآعتذرَ عنها”. لأنه : 1- الله مُحِّبٌ ورحوم. يقولُ المزمور:” يا رب لو كنتَ للآثام حافظًا من كان يا ترى سيبقى؟ .لأنَّ الغفرانَ هو من عندك” (مز129: 3). لو كان الله قاصصَ آدم لأبادَه من الوجود، لأنه دون أن يعلم تعالى على الله. قبل أن يخلقَ الله الأنسان يعرفُ أنه سيُجَّربُه ابليس. وكان يجب أن يسمح اللهُ بذلك ما دام أرادَ أن يكون الأنسانُ عاقلاً حٌرًّا صورةً منه. وعرفَ اللهُ مُسَّبقًا أن آدم سيسقط في الفخ، فخطط الله لآنقاذه وأفشَل بذلك خطة ابليس. لو أفنى الله آدمَ لكان الله قد فشلَ في عملِه. ولن يحدث ذلك مطلقًا. لأنَّ كلَّ عملٍ لله حسنٌ وكامل.

نحن نقرأ حرفَ الكتاب المقدس المكتوب بأسلوبٍ تربوي ليردع عن الشر. ومن يقولُ بأنَّ الخطيئة والفداء ليست خطة محكمة من قبل الله لم نفهم نحن بعد كنهها ؟. يقول القديس أوغسطينوس طوبى لخطيئة آدم إذ لولاها لما صار الله إنسانًا فما حظي جنسُنا بهذا المجد، لأنَّ الأنسان صورة الله في مجده. أعني يعرفُ الله كلَّ شيء وقادَ الأحداث إلى هذا الهدف. سمح الله لأبليس أن ينال من إرادة أدم وحواء، لكنه لم يسمح له أن ينال من إرادة يسوع ومريم حتى أطاعا وصية الله دون أن يُجبرهما عليه. 2ـ كان آدم جاهلاً. لم يكن له فكرة لا عن الخطيئة ولا عن الغفران. كان طِفلاً لم يستعمل كل طاقاته الفكرية. وسمح الله أن يخطأ وألا يعتذر لأنه رأى بحكمته أنه من الأفضل أن تبدأ الحياة بالوجه الأسود السلبي ثم تنتهي بالأبيض الأيجابي. أما هكذا بدأت الخليقة؟. بدأت الأرض” خاويةً خالية وعلى وجه الغمر الظلام” (تك1: 1)، ثم عقبتها الحياة والحركة و النور، فبقية الأجزاء الحَّية النشطة. وحتى اليوم يبدأ بالليل ثم يعقبه النهار. فليس بعيدًا أن يكون الله خطَّطَ أن تبدأ حياة الأنسان بوجهها السلبي فيختبرها ويستعِّد لأدراك وقبول الحياة الروحية التي كانت ستبدأ عندما ” يتم الزمن” المخصص لهذه العملية. يقول مار بولس :” حبس الكتابُ كلَّ شيء تحت سلطان الخطيئة..والشريعة كانت مُؤَّدِبَنا إلى أن يجيءَ المسيح حتى نتبَرَّر بالأيمان..”(غل3: 22-25)…وتابعَ ” حين كُنا قاصرين كنا عبيدًا لقوى الكون الأولية. ولمَّا تمَّ الزمان أرسلَ الله إبنَه مولودًا لآمرأةٍ وعاش في حكم الشريعة ليفتديَ الذين هم في حكم الشريعة حتى نصيرَ نحن أبناءَ الله” (غل 3: 3-5). أردا الله أن يكون الأنسان إبنَه أكثر من صورته فقط. لم يكن الأنسان قادرًا أن يعي كيف يكون إبنًا لله إلا بعد ملايين السنين من الجهاد وآنفتاح الذهن ومعاينة أعمال الله الباهرة، وقمتها صلب المسيح، ليفهم بذلك حبَّ الله العظيم وقدرته الفائقة. والله الذي رحم الأنسان وغفر له من فوق الصليب هو نفسه الذي خلقه وكان سيغفر له لو أدركَ وآعتذر. ولم يحدث ذلك بسبب حالة الأنسان الذي حاول أن يُبَّررَموقفَه. أما مع تجَّسد المسيح والفداء فتعَّلم أن يؤمنَ ويُحِّبَ ويتواضعَ ويعتذر.

الخطيئة والموت !

عندما نقرأ في الكتاب عن نتائج الخطيئة نفهم بأنْ لو لم يخطأ آدم/ الأنسان لما مات بالجسد. هذا تفسيرٌ شبه شامل للمؤمنين. لكنَّ قراءةً دقيقة وبطيئة وتأملية للنصوص تجعلنا نغَّير فكرَنا. والنص الذي يخُّصنا هو :” بعرقِ جبينكَ تأكلُ خبزَكَ حتى تعود الى الأرض، لأنك منها أُخَذْتَ”(تك3: 19). ونعتبرُ الموت قصاصًا للخطيئة. ومن الطبيعي أن نفَّكر:” إذن لو لم يخطأ الأنسان لما دخل الموت الى الحياة”.

أولا: كلمة الموت تعني نادرًا، في الكتاب المقَّدس، زوال الأجساد بآنطفاء الحياة فيه. أغلبية النصوص الساحقة تعني بالموت ” الهلاك “، أي خسران التمتُّع بالمجد مع الله والملائكة. أول كلام عن الموت جاء في نهي الله لآدم بأكل ثمرة شجرة معرفة الخير والشر قائلا: ” يومَ تأكلُ منها موتًا تموت “(تك2: 17). ولو عنى الله الموت كما نتحدَّث نحن عنه لكان آدم قد مات. لكنه لم يمُتْ. موتُه الحقيقي كان عندما أُضطُرَّ إلى ترك الفردوس لأنه لم يكن بعدُ ممكنًا أنْ يبقى صديقًا لله ويعيش معه وهو الذي خان الصداقة وتعالى على الله إذ حاولَ أنْ يتألَّه ويُنافس الله. موتَه الحقيقي كان أنَّ الخطيئة أفقدته إمتازاتِه وراحتَه. حيث كان قبلاً لا يتعبُ ولا يشقى لتوفير قوته وحماية نفسِه، الآن سيُجاهد بقسوة مع الطبيعة. فقَدَ راحة نعيم القصر لينتقل الى شقاء الكد في فلاحة الحقل. إنتقل من فرح الصديق المُدَّلل إلى تعاسة العامل اليدوي. الموتُ أهون من الحالة الجديدة.

ثانيًا: النص الذي إستشهدنا به لم يقُل ما نحن نذهب إليه. قال ببساطة سوف تعيش في حالتك الجديدة إلى أن تموت. لا توجد مدة محكوميةٍ مُحَّدَدة. تعمل إلى أن تأكل. ولن ترى العودة الى الجنة. وأضاف نصُّنا :” أنتَ ترابٌ وإلى الترابِ تعود”. صحيح أنَّ الخطيئة شوَّهت الطبيعة والعمل والعلاقات الأجتماعية، أمَّا الموت فهو مُصَّمَمٌ قبل الخطيئة. سيقول مار بولس بأنَّ” إنَّ اللحمَ والدمَ لا يمكنهُما أن يرثا ملكوت الله. ولا يمكن للموت أن يرثَ الخلود.. لابُدَّ لهذا المائت أن يلبسَ ما لايموت، ولهذا الفاني أن يلبس ما لا يفنى” (1كور 15: 50-53). هذا ما قاله النص:” أنت تراب”. الجسد مُكَّون من العناصر الكونية المادية. هكذا قال نصٌّ سابق :” و جبل الربُّ الأله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفِه نسمة الحياة، فصارنفسًا حيَّة” (تك2: 7). عند الصلب سلمَّ يسوع جسده للموت، أما روحه فسَّلمها بين يدي الآب السماوي (لو23: 46).

ثالثًا: حتى جسد يسوع الذي لم تمُّسه الخطيئة الأصلية نال منه الموت، مع أنه لم يخضع للفساد كبقية الأجساد. قال عنه المزمور:” ..جسدي سيرقد على رجاء. لأنَّك لا تتركني في الأموات ولا تدع قدوسَك يرى الفساد “(أع2: 26-27؛ مز16: 8-11). وكذلك جسد مريم العذراء البريء من الخطيئة نقله الله الى السماء فلم يرَ الفساد. لو كانت الخطيئة سبب الموت فما كان للموت سلطان على يسوع ومريم. لكن لأنَّ الموت أمر طبيعي، لأنَّ الجسد من التراب فلابد أن يموت لكي يتغَّير فيُصبح بعده للأنسان جسد روحاني، مثل جسد المسيح. وهذا الأمر يُوكده الكتاب. يقول المزمور 89 :” مَن هو الأنسان الذي يعيش ولا يرى الموت ” (مز89: 19). ويقول مار بولس :” يُدفَن الأنسان جسدًا بشريًا ويقومُ جسدًا روحيا.. ما كان الروحانيُّ أولاً بل البشري، وكان الروحاني بعدَه “(1كور15: 44-49). ويتابع :” نعلم أنه إذا تهَدَّمت خيمتنا الأرضية التي نحن فيها، فلنا في السماء بيتٌ أبديٌّ من بناء الله غيرُ مصنوع بالأيدي “(2كور5: 1). هكذا يموت كلُّ جسد، كلُّ كائن حي، لأنه ” لم يكن، ويوما ما وُجد، فيأتي يومٌ ما ويموت”. هذه سُنَّة الحياة ليست، بالنسبة للأنسان، أزلية حتى تدوم على الأرض للأبد. الخطيئة شَوَّهت الطبيعة لكنها لم تُغَّيرها. إنما جعلتها عرضة لشقاء كبير وجعلت الموت نفسَه يبدو عدّوًا وعقابًا يجب التغَّلُبُ عليه. لولا الخطيئة لكان ممكنًا أن لا يموت الأنسان بالشكل الحالي بل أن ينتقل الى الحياة الأبدية بطريقة أخرى. لأنَّ الموتَ إنتقالُ الجسد من حالةٍ مادية فانية إلى حالةٍ روحية خالدة. ولأنَّ الأنسان الأول تبع شهوة الجسد ففسُدَ وأصبح طريقًا إلى الموت لاسيما المؤلم. لولا الخطيئة كان ممكنًا أيضًا أن ينتهي الجسد بالمجد بطريقة أُخرى خاصة. تقول الكنيسة : ” وإن كان الأنسان يملكُ طبيعةً مائتة فالله كان يُعِّدُه لعدم الموت. فالموت إذن كان مناقضًا لمقاصِدِ الله الخالق، ولذا يُرى دخوله العالم كعاقبة الخطيئة “( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 1008). ولو لم يخطأ الأنسان لكان الأنتقال الى الحياة الأبدية مُريحًا ومَرغوبًا. كما هو مرغوبٌ ومُشتَهًى من بعض قديسي الله مثل بطرس أو بولس (في1: 21-24). فالموتُ لا يبدو نتيجة حتمية مباشرة للخطيئة، بقدر ما دخولُ الخطيئة إلى الجسد صار سببًا لعدم تمَتُّعِه بمجد أعظم منذ البداية. لو كان تخطيط الله ألا يموتَ الأنسانُ فما كان ممكنًا أن تتغَّير مشيئة الله، لأنَّ الله لا يتغَّير(يع1: 17)، إذ ليس إنسانًا حتى يجهلَ المستقبل فيندم على عملٍ له و يُغَّيرُه (عد23: 19) ” الرَّبُ جلَّ جلالُه لا يكذب ولا يندم، فما هو بإنسانٍ ليندم “(1صم15: 29). ولا يفشَلَ في تحقيق ما يُريدُه ،” كلمة الرب لا تفشل ولا ترجع إليه فارغة” (اش55: 11)، لأنه يعرفُ ما يريد، وما يريدُه يتحَّققُ ويثبُت.

القس بـول ربــان