أهلا وسهلا بالأخ شاكر عيسى.
إنتهى أمس أسبوع آلصلاة من أجل وحدة الكنيسة. نقلت وسائل التواصل الأجتماعي خبر لقاءاتٍ وصلوات بهذه المناسبة مع ردود فعل بعض الأخوة المؤمنين. منهم الأخ شاكر. فكتب يقول: ” لماذا لا تتوَحَّد الكنيسة رغم صلاتنا ؟. هل صلاتنا غير مقبولة؟. أو رؤساء الكنائس هم السبب؟. يسوع وُلدَ مرَّةً، وعُمِدَ مَرَّةً، صلب ومات وقام مرَّةً، وآلآن لكل طائفة يومٌ وتاريخ؟. هل هذا ما اوصانا به الرَبُّ يسوع له المجد “؟.
يوم وتأريخ مختلف !
السببُ المباشر الحالي للإختلاف في الأحتفال بالمناسبات هو” التقويم، أو الكلندار”. في سنة 1582م أصلح البابا غريغوريوس 13 التقويم اليولياني لأنه إكتشف فيه، مع العلماء، خطئًا في حسبان مدة دوران الأرض حول الشمس، مما سبَّب تأخيرًا في التقويم عشرة أيام عن الواقغ الكوني. ولأن ذلك كان ينقضُ النظام الكنسي في التوفيق بين الزمن وعيد القيامة ، مركز الحياة المسيحية، قرر إصلاح التقويم، بآتفاق العلماء، ووضع أَساسًا جديدًا لضبط مدة دوران الأرض الحقيقية. ولما تبع العالم هذا الإصلاح رفضت الكنائس الأرثذوكسية تبّني التقويم الجديد. وآستمَرُّوا يتبعون التقويم اليولياني، بفارق عشرة أيام. لكن هذا الفارق يتَّسع ويزداد يومًا واحدًا كل 129 سنة. وآلفارق الحالي هو 13 يومًا. فبينما أكتب في 27/ 1 في التقويم الغريغوري يشيرُ اليولياني الى 14/ 1، وسيزدادُ مع الزمن. فعيد الميلاد مثلا هو في كل الكنائس 25/ 12. و7/ 1 الغريغوري ليس سوى 25/ 12 اليولياني. أما عيد القيامة فيختلف لأنه لا يرتبط بيوم في شهر معَّين، بل يرتبط بالربيع ويقع بعد 21/ 3 الشمسي، وبعد بدر الربيع. و إتّباع تقويمين مختلفين يسبب إختلاف موعد العيد.
السبب الحقيقي آلأصلي !
سبب إختلاف الأعياد، لاسيما الميلاد والقيامة، ينتج بالأصل من سبب الأنقسام. لو لم نكن منقسمين لتبع الجميعُ التقويم العلمي الجديد، لأنه يخدمُ الكنيسة. والأنقسام بدأ منذ القرن الخامس الميلادي، من سنة 451م، أي قبل أكثر من ألف ومئة سنة من تغيير التقويم. و آنقسمت الكنيسة على ايدي رؤساء الكنائس بسبب إختلاف الرؤية الأيمانية عن المسيح من حيث لاهوته وناسوته. وتحَقَّقتْ نبوءَة سمعان الشيخ بسقوط البعض وقيام غيرهم (لو2: 34 ). وسببَ عدم الأتفاق على التعابير الفلسفية كان فتورُ المحبة والثقة المتبادَلة من جهة ، و آرتفاعُ تأثير روح العالم ومجده من جهة أخرى في نفوس بعض الرؤساء. ولكن اللوم ليس عليهم فقط ، بل أيضًا على جهل المؤمنين وسطحية إيمانهم ، بحيث تبعوا الرؤساء بشكل عمياوي دون آعتراض ولا حتى هَّم ٍ. كل شعب تبع رئيسه ، وليس مثل أهل كورنثية الذين ناقشوا بولس وعارضوه حتى آفتهموا الحقيقة.
وأيضًا لن تتم الوحدة إلا على أيدي الرؤساء مع تـأييد شعوبهم. تتم عندما يعودون إلى حوار صادقٍ صريح وشوقٍ الى الوحدة، لا تدفعهم ظروف إستثنائية صعبة ، ولا تغريهم منفعة زمنية، ويتحاورون بمحبة وتواضع وحبِّ الحقيقة وآستعدادٍ لكل تضحية وتغيير. لقد قال أحدُهم مرَّةً لأبناء كنيسته طلبوا تعجيلا في الوحدة :” هل تريدوني أكون ذيلا لغيري”؟. حُبُّ المناصب والعظمة أفسدَ العقول فغابَ فكرُ المسيح. والحسدُ وآلغيرة نخرت القلوب فلم تلين للإخاء. وفقدانُ روح الخدمة والطاعة غوَّش الرؤية الأيمانية فجهلوا الله. وقلَّة المحَبَّة ونشوة الأستقلال وآلحُرّية قيَّدت النفسَ فآنهدم سياجُ الوحدة. هذا فعله رؤساؤُنا وشعوبُنا.
و مشيئة المسيح ؟
أن تكون كنيسة واحدة، بإيمان واحد، ورئاسةٍ واحدة. لأنَّها كنيسته ، وهو واحدٌ ولم ينقسم و يرفضُ آلأنقسام، بدليل صلاته، قُبيل موته، من أجل وحدة الرسل، قادة الكنيسة، وجميع الذين يؤمنون على يدهم (يو17: 20-21). وقد تنَّـبَأَ بولس بآلأنقسام :” إنَّ ذئابًا خاطفة ستدخلُ بينكم بعد رحيلي ولا تشفقُ على الرعية ” (أع20: 28-30). وآختبر إنقسام المؤمنين بينهم، وكان كل جماعة تفتخرُ برسولٍ وحتى قال بعضُهم” أنا مع المسيح”!. فرَدَّ بولس أنَّ المسيح لم ينقسم. فما زال المسيحُ واحدًا لم ينقسم، وسيجمع كنيسته وتلاميذه، ومن يرفضُ وحدَه سيخسر. والى ذلك الحين يدعونا إلى أن نصَّلي، وأَلّا نمَّل الصلاة. وأن نحيا في المحبة والتواضُع والسهر على نقاوة الأيمان من إلتواءاتِ فكر العالم.
هل صلاتنا غير مقبولة ؟
إن كان المسيح نفسُه صلَّى من أجل وحدة قطيعه فهو يقبلُ بفرح ورضًى كلَّ صلاة نرفعها إليه بإيمان. فقد وعدنا بذلك. ربمَّا ليست صلاتنا من كل قلوبنا. ربما ليست بالمستوى الأيماني المطلوب. رُبَّما لم تكتمل الأدعية وآلظروف (رؤ 6: 10-11)، ولم تدُّق بعدُ ساعة الوحدة. لنرفع صلاتنا إلى الآب بآسم المسيح، وقد وعد أن يستجيب (ي14: 13).
الكنيسة ستتوحد شئنا أم أبينا. لا بطرقنا. لا متى شئنا نحن لأغراض دنيوية. بل متى شاء الله، وكما يشاؤُها، ويوحي بها. الَّرب أسسها. الرب صلَّى قبلنا من أجل وحدة أبنائها. الرب يُغَّير العقول ويذيبُ آلجمود ويزلزلُ الأحجبة الحاجزة، ويباركُ الجهود المبذولة لآستعادةِ الوحدة، ويرُّدَ نقاوة صورتها. عندما نكون كلنا مستعدّين بشوقٍ وصدق لقبولها والآحتماء بخيمتها الواحدة. عندما نعي كلنا، قادةً و شعبًا، أننا كلُّنا مسؤولون عن آلأنقسام ويجب أن يُجاهدَ كلُّنا من أجل الوحدة، حسب مشيئة الرَّب. إننا لسنا من العالم لنسلك طرقَه، بل نحن فيه لنُقَدِّسَه. وحتى نُقَدِّسَه يجبُ أن نُقدِّسَ ذواتِنا أولا من أجل أهل العالم، كما قدَّس المسيح ذاته من أجلنا (يو17: 16-19). ومع تقديس ذواتنا لنتكل على الله، ونُسَّلم أمر آلوحدة الى مشيئته :” يا أبتاه لتكن مشيئتك”.