أهلا وسهلا بالأخت السائلة الكريمة.
كتبت قارئة تسألُ : 1+ لماذا قال يسوع للمجدلية ” لا تلمسيني ” ؟
2+ ولماذا سمحَ لتوما أن يلمسَه ، إن كان ذلك غير مسموحٍ ؟
المجـــدلـية !
كانت مريم المجدلية تحِّبُ يسوع كثيرًا، لأنه ” كان قد اخرجَ منها سبعة شياطين” (لو8: 2). وكان قد أقامَ أخاها لعازر من القبر أيامًا قليلة فقط قبل آلامه وصلبه. كان موته بالنسبة اليها خسارة كبيرة لا تُعَّوّض. وبالأضافة إلى ذلك لم تقدر أن تقدم له واجب الدفن فتُحَّنِطُه كما كان يجب، وكما كان يليق به وهو أعَّزُ الأعّزاء، وكما آشتهت أن تفعله. وجاءَها فوق الحِمْلِ علاوة الخبرُ الصاعقْ فرأت القبر فارغًا!. حتى جسدُه قد أُخفيَ عنها. فبحثت عنه بجنون و لهفة. ولما تعَّرفت على يسوع وهو واقفٌ أمامها لم تُصَّدق حالها. ربما آشتاقت أن تحضنه بشدّة وتُقَّبلَه بحرارة. لكنَّ آحترامَها له ومحَّبَتَها الصافية جعلتها ترتمي على أقدامه ، كما فعلتها عندما غسلتها بدموعها ومسحتها بشعر رأسها وعطَّرتها بالطيب (لو7: 38). ربما آشتهت وفكَّرت أن تجلس معه لتستنشقَ معه رائحة الحياة وتستوضحَ منه كيف إستعادها و قد دفنته بنفسِها (متى27: 61؛ مر15: 47).
هذه المشاعرالتي هي طبيعية للحواس أصبحت بالعلاقة مع يسوع غير إعتيادية. لأنه قد تمَّجد. ويجب على المؤمن بيسوع، كانت مجدلية أو غيرها، أن يعرفَ أنه يتعامل مع روح بجسد مُمَّجد وليس مع الحواس بالرؤية واللمس. وأصبحت إقامته في الله والمجد وليس أن يجلس معها على المقعد لتحاوره فمًا الى أُذن. الحوار مع يسوع يتم بعد قيامته بالروح والقلب. لا تنفعُ العاطفةُ بعدُ. ثم لا تتصور أنها لن تراه بعد. بل سيبقى يلتقي معهم فترة ، ليشبعوا من رؤيته ويروي فضوليتهم في معرفة حقائق أخيرة قبل أن ينتقل الى عند الآب الذي أصبحَ أبَ جميع الناس” أبي وأبيكم “، لاسيما أب إخوة يسوع المؤمنين به. لا حاجة بعد الى اللمس لأن يسوع سيكون حَّيا في فكر المجدلية وقلبها حيث تقدر أن تلتقيَ به بدون إنقطاع ولا تشويش.
تــومـــــا !
أما توما فوضعه يختلف. فهو لا يطلب العاطفة. بل الفكرُ هو الذي يدفعه الى الأصرار على رؤية يسوع وآثار الصلب في يديه. إنه إنسان “برغماتيكي” أى عملي. لا يثق بـ” الأقاويل” ولا يتكلُ على “حكي الناس”. بل يريد أن يتأكد بنفسه ،وآستنادا الى برهانٍ حسّيٍّ كما يفعلُ العلماء، من معلومةٍ خطيرة جدًا سوف يكون شاهدا عليها. لم يكن موتُ يسوع إعتيادا فلا يسهلُ القبول بخبر قيامتِه. ثم لقد عاين يسوعَ يُقيمُ الموتى. نعم. ولكنَّ يسوعَ من أقامه؟. لم تكن فكرة لاهوت المسيح واضحة وثابتة عند الرسل. ولم يسمعوا ولا حدث لهم أن يروا الله يموت ويُقيمُ نفسَه بنفسه. لم يذكر التأريخ أنَّ مَّيِتًـا قام بذاتِه بعد دفنه بيومين؟. ولما شاهد توما آثارالصلب آمن كليا ونهائيا بلاهوت يسوع ، فصرخ ” رَّبي وإلهي”!.
قال يسوع لتوما ” أنظر يدَّي، وهاتِ يدك وضعها في جنبي. ولا تكن منكرًا بل مؤمنًا “. أى لامه على عدم إيمانِه. ويقدر أن يرى آثار الصلب ما دام يسوع القائم حقيقة وليس خيالا. مع ذلك لم يقل الكتاب أن توما لمس فعلا جسد يسوع. الرؤية وحدها كانت كافية لتزيل شَّكَه. وسماحُ يسوع لتوما أن يلمسَه لم يكن أمرًا عاطفيا من قِبَل توما، ولا تنازلا من يسوع لرغبةِ جامحة. بل تأييدًا لمبدأٍ سيذكره يوحنا في رسالته الأولى وهي تحذيرُه المؤمنين من الركون الى كل قول ومن أي كان. بل دعا علنا الى الحذر والفطنة، فقال :” أيُّها الأحباء لا تركنوا الى كل روح. بل إختبروا الأرواحَ لتروا هل هي من عند الله “(1يو4: 1). وتوما طلب الخبرة ليطمئن من أنَّ إيمانه لم يُبن َ على غشٍ او خداع ، بل على حقيقةٍ إختبرها بنفسه فيكون واثقا من نفسه عندما يشهدُ لها أمام الناس.
ففي كلا موقفي المجدلية وتوما تصَّرفَ يسوع بطريقةٍ يُبيَّن فيها لتلاميذه كيف يتعاملُ الأنسان مع الله ، ومع إدّعاءات الناس التي أصبحت اليوم فارغة من كل حقيقة. فإذا كان اللمسُ غير ضروري فإنَّ الرؤية أيضا ليست أفضل منه. وقد صرَّح يسوع لتوما :” طوبى للذين يؤمنون ولم يروا “. يعودُ يسوع ويؤكدُ أنَّ العلاقة بالله لن تقوم على الحواس بل على ثمر العقل والقلب، على الأيمان والحب. لأنَّ ” اللهَ روحٌ. ويجبُ على العِبادِ أن يعبدوه بالروح والحَّق “(يو4: 24).