أهلا وسهلا بالأخت منال يوسف يعقوب
سمعت الأخت منال الى موعظة بمناسبة الباعوثة ربط فيها الواعظ بين قصة يونان وداعش . فسألت :” كيف لغير الشرق أوسطي أن يستفاد من نصوص الكتاب المقدس ويربطها بأحداث الحياة العصرية”. وآستغَّلت الفرصة فطرحت سؤالا ثانيا هو :” لماذا ظهرت جميع الأديان والأنبياء في الشرق الأوسط”؟.
الأنبياء والأديان من الشرق الأوسط !
ظهرت الأديان المُسَّماة بالسماوية في الشرق الأوسط ومنه ظهرت أيضا أنبياؤُها لسبب بسيط جِدًّا هو لأنَّ الله إختار الشرق الأوسط وجعله مركز العالم ، ففيه غرسَ الله جَنَّته و فيها خلق الأنسان. يقول الكتاب :” وغرس الرب الأله جَنَّة في عدن شرقًا، وأسكن هناك آدم الذي جبله. .. وكان يخرج منها نهرٌ يسقيها ويتشعبُ فيصير أربعة أنهار” ، هي النيل ، دجلة ، الفرات ، وجيحون (تك 2: 9-14). وآختار من المنطقة أول شخص دُعيَ نبيًا هو إبراهيم (20: 7)، ومن نسله تكون شعب الله. ثم أقام الله من بعده جميع الأنبياء أيضا من نسل إبراهيم.
أما الأديان غير السماوية فقد ظهر منها العشرات ، مع أنبيائها، كالبوذيين والهندوس و غيرها وكلها من خارج جنة الله.
كيفية ربط الأحداث المعاصرة بالكتاب المقدس ؟
الكتاب المقدس هو كلام الله لكل إنسان غير مرتبط لا بالزمان ولا بالمكان. لكن ورود هذا الكلام ، الوحي، إرتبط بشعبٍ هو نسل إبراهيم. وكان إبراهيم إنسانا إعتياديا لم يتمَّيز عن غيره إلا بالأيمان فقط. كذلك الأرض التي عاش فيها شعب الله لم تختلف عن غيرها بسوى أن الله جعلها موطنا لأول إنسان ثم لشعبه الخاص. أما في خيراتها وتضاريسها وأجوائها فهي مثل كل بُقع العالم. كذلك إبراهيم حتى مع اختيار الله له عاش حياة إنسانية طبيعية. لم يكن كل شيءٍ فيها خارقًا ومثاليا كما يشتهيه البعضُ أو يتصَّورُه. هذا من جهة. ومن أخرى لم يخلُ التأريخ عبرالأجيال، وكان لكل بلد حصَّتُه فيها، ولا حُرِمَ الناس من الكوارث، وكان لكل شعبٍ منها نصيبُه، حتى يومنا هذا. فالأعاصيرُ والزلازل والأوبئة التي تصيب اليوم عالمنا ليست أقل من الطوفان أو حريق سدوم وعامورة أو لدغات الحياة في زمن موسى. لا زالت البشرية تعاني من آثار تشرنوبل وتسونامي وفوكوشيما. ولم تكتفِ الحياة بها حتى قبل أيام ابتليَ شعب كولومبيا بآنزلاقات طينية دمَرَّت مدينة وشَرَّدت الآلاف ولم تكد تلتأِمْ جراح الأعصار في استراليا. لم يخلُ بلد من مأساة تُذكره بمآسي ما ذكره الكتاب المقدس بحيث يُصبح الكتاب قريبًا من كل أُمَّةٍ على وجه الأرض لاسيما من الذين يؤمنون بالله. و هكذا تُصبح أحداث كل شعبٍ سبيلا ليفهم حياة الأيمان على وجه أدَّق مما لو كان عائشًا في المريخ.
وربط الأحداث بتأريخ الخلاص ليس مرتبطًا ببلدٍ معَّين أو شعبٍ خاص بل بالأيمان بالله. فالمؤمن، من أي زمان كان أو مكان، يرى يدَ الله في الأحداث ويقرأ الدرسَ الذي يُلقيه عليه . مثلاً : الصراع السياسي والأقتصادي القائم بين قادة الدول يذكرنا ببلبلة البشرية في بابل. ففي بابل إختلف البشر على المصالح والقيادة لأنهم إبتعدوا عن الله الذي هوالعنصر الوحيد لوحدتهم والتفاهم فيما بينهم. ولما فقدوا هذا العنصر الحيوي إختلفوا فيما بينهم وتصارعوا على المصلحة. بينما لما حضر الله بين ممثلين من سبعة عشر بلدًا يوم العنصرة إفتهموا بعضَهم وتآاخَوا فتآلفوا (أع2: 5-12). فقادة العالم، اليوم، لا يؤمنون بالله وزالت من بينهم المحبة والتعاون. المصلحة وحدها توَّحدُ بين من تقاطعت مصالحهم، إنما لا ثقة بينهم ولا روح التضحية والتآلف. وأول ما آفترقت مصالحهم يذهب كل واحد في سبيله إن لم يتعادوا ويتصارعوا. أما هذا هو ما حصل لبريطانيا التي، بعد 43 سنة وحدة أوربية إنعزلت بحجة حماية مصالحها؟. وبريطانيا نفسها التي إستقطعت من اسبانيا مقاطعة جبل طارق منذ مائتي سنة، ترفض إعادتها رغم تحالفها الأقتصادي مع اسبانيا من خلال السوق الموَّحدة. لماذا لأنها لا تعرف الله ولا تعير له إهتمامًا. مصلحتها إلَـهُها. الكتاب المقدَّس مرتبطٌ بحياة جميع الشعوب ويقدر كل واحد أن يفهمه ، وأن يفهم ويعالج وضعه الفردي على ضوء الأيمان.
أما أن يكون الواعظ قد إستشهد بحرب داعش ليُفسرَّ قصة يونان فله أكيدًا أسبابه وحجته و مبرراته للتقريب بينهما. لكني لا أرى أنا وجه القرب. داعش عصابة شيطانية تبغي دمار الأنسانية ودَمَّرت حيث إستوطنت. أما يونان ، وإن كان يُغَّذي الحقد تجاه آشور لأسباب قومية ولا يحاولُ خدمتها، إلا إنه لم يبادر الى الإساءة. بل مَّجرد أنه أعلن، رغمًا عنه، أن نينوى ستعاقب على جرائمها وأدَّى ذلك، كما نعلم، الى توبتها وغفرانها ونجاتها. حتى عنادُ يونان في رفضه الأول أن يتجه الى نينوى كان بسبب وثوقه بتوبة الآشوريين ورحمة الله. صحيحٌ أنه لم يكن راضيًا بهذا الحل لكنه مع ذلك لم يحاول إيذاءَ الآشوريين مباشرةً، وآقتنع في الأخير بالدرس الذي أعطاه الله له ولشعبه اليهودي. والدرسُ كان أنَّ اليهود قصَّروا في تنويرالآخرين بالحق، وقد أدوه بطريقة غير مباشرة ورغمًا عنهم. لأنَّ إرادة الله تتحَّقق ولا يقدر الأنسان إعاقتها. ومن جهة ثانية كلُّ إنسان يتوب عن جرمِه، مهما ثقلت جرائمه، ينال رحمة الله ، لأنَّ الله ” لا يريد موت الخاطيْ بل أن يتوبَ ويحيا أمامَه ” (حز18: 23). و حزقيال النبي يسبق كتابة سفر يونان بمئات السنين.
أما أن يكون يونان قد زرعَ الرعبَ في قلب الآشوريين لكنه لم يُسَّبب تشَّرُّدَهم، مثل داعش ، ولا خَرَّبَ مدينتهم ، ولا جَوَّعهم، ولا أبادَ آثارَهم. حقد داعش وشَرُّهم ابليسيٌ مُتوَّحش، أما حقد يونان فكان إحساسٌ غريزي بكره من أساءَ اليه. ولم يكن الله قد أعلن بعدُ واجب محَّبة الأعداء والإحسان اليهم.