توالت مناقشة الموضوع مع تبعياته فترة أخرى حتى بلغت ختامها في 16/9/2010..
1. مُلَّخصُ الكلام :
قُلتَ : {{ الجسدُ ناتجٌ من التكاثر من خلايا ” دخلتها الخطيئة الأصلية ” ؛
تتلَوَّثُ الروح بالخطيئة متى ما إقترفَ الأنسانُ الخطيئة ؛
هذا حصلَ مع آدم ككائن، ومع حواء ككائن منفرد آخر ؛
ومع أيِّ فرد آخر من البشر جميعًا، ومن دون إستثناء لأيِّ بشر ؛
*و أنا أرى وأقول : هنا بيتُ القصيد ومربطُ الخلاف ومعارضةُ الوحي.
1ـ كيف دخلت الخطيئة ، وهي روحية، الى الخلايا المادّية ؟. عرفنا أنَّ عصيان آدم وحواء كان في الفكر والقلب، وتنفيذُه فقط تمَّ بالحواس الجسدية، لأنَّ الأكل لا يتم إلا بالفم /الجسد آلةِ الفعلِ والحركة. فإمَّا أَخطأَ الأنسانُ كُلُّهُ، جسدًا وروحًا، أو لا وجودَ للخطيئة أصلاً. لو دخلت خلاياه المادية فقط فكيفَ تلَّوثَ فكرُه وقلبُه الروحيّان ؟. ورأينا أنَّ المسيح صَرَّح وأكَّدَ أن الأكلَ لا يُدَّنسُ الأنسان. ما يُدَّنسُه هو ما ينبع من الفكر والقلب؟ (متى 15: 11). المعروف عن الخلايا أنَّها تتجَدَّد وتموت. فهل تبقى الخطيئة حيَّةً رغم موت الخلية؟. أم تنتقلُ الى الخلايا الجديدة؟. كيف وأنت لا تؤمنُ بآنتقال الروح من آدم الى حوّاء لأنَّك لا تؤمن بالتقسيم والتمديد؟. وبأَيَّةِ خلّيةٍ تنتقلُ الخطيئة من الوالدين الى الأولاد؟.
وإذا لم أوافِقْكَ رأيَك فلأنَّه يتعارضُ تعليم الوحي الألهي. سبقتُ وقلتُ لو قبلنا بهذا الرأي لَنَسَفنا الكتابَ المُقَدَّس ونسفنا معه التعليم عن الخطيئة والتجسَّد والفداء. ولذا أعتبرُ رأيَ أوغسطينوس وشنودة صحيحًا موافقًا لتعليم الكنيسة. فالمعرفةُ والشهوةُ والبِرُّ والخطيئة لا تُعزى الى الجسد، خلايا مادّية، بل الى الشخص الجوهر الروحي، الناطق والعاقل، أي للأنسان كلِّه (تك3: 1-7). من حَّقِ كلِّ إنسانٍ أن يبحثَ عن الحَّق ويُنَّورَ إيمانَه، لكنَّ خطرَ الأجتهاد في ما أثبته الحقُّ الألهي والكنسي يقومُ في ألا ينزلقَ المرءُ خارجَ تعليم الوحي، ويُخاطرَ بمصيره الأبدي.
نعرفُ أيضًا أن لا جنسَ للروح، وأنَّه يظهرُ في الأعضاء المادية للجسد. ولكن: هل لنْ يبقَ بعدَ الموتِ لا رجالٌ ولا نساء؟.كيفَ يكونون؟. قال الرَّبُ بأنَّهم لن يتزوجوا. ولكن لم يقلْ بأنهم سينقلبون الى ملائكة بدون جنس؟. كان الجنسُ وملَّذتَه للأنجاب. إنتفت حاجة الأنجاب فآنتهت شهوته. أمَّا صفات الرجولة والأُمومة فهي في الطبع والسلوك، ولا تنبعُ من الجسد، بل تعودُ الى إنسانية الرجل والمرأة. لذا أكد الوحيُ ” خلقهم الله ذكرًا وأُنثى”، وهما واحد في آدم. وبعد السقوط فقط بدت جليَّةً الميزاتُ الخاصّة بكل واحد، فيقول:” أُزيدُ تعبَكِ حين تلدين (أوجاع النفس الى أوجاع الجسد)… إلى زوجكِ يكون إشتياقُكِ، وهو يسودُ عليكِ … وأنتَ فلأنَّكَ سمعتَ كلام إمرأتِكَ ( ولم تسمع كلام الله : تك2: 16) تكون الأرضُ ملعونةً بسببكَ (لأنَّ الأنسان الخاطيء يفلخها، ويُسيءُ في تعامله معها)، … وبعرق جبينِكَ تأكلُ خبزَكَ ” (تك3: 16-19). تعودُ عملية الأنجاب والتربية للأم، ومسؤولية توفير الرزق
وحماية الأسرة للأب. الأنثى مارست القيادة الفكرية عوضَ الإعانة، والذكرُ أدَّى دور
العاطفة والتبعية، فحواء يسود عليها آدم ، وآدم يتألم في تلبية رغائبها ودلَعها.
2ـ أمَّا تلَّوثُ الروح بالخطيئة عندما يقترفها الأنسان، وتتحَقَّقُ في كل فرد ، ويرثُها المولود الرضيع من والديه، فلا فقط لا إعتراضَ عليها، بل هذا ما أوحى به الله. فالكائنُ الروحي الأزلي الخالق لا يخطأ. والكائنات الروحية، الملائكة، بعضُم أخطأَ وبعضُهم لا. خلقوا جماعيًا ولم يتناسلوا عن واحد، فآنقسموا بين صالح وشِرَّير. أمَّا الكائنُ المادّي والروحي الأنسان الواحد فأخطأ، كلُّه معًا جسدًا وروحًا. ولو قبلنا بالتفريق بين خطيئة آدم وحواء، و حسبناها خطيئنين مختلفنين فعندئذٍ يكون لنا ” خطيئتان أصليتان”!!. أمَّا الوحيُ فيُصِّرُ على ” زَلَّةٍ واحدة “. هكذا شرحه الكتاب ، كما ذكرنا آنفًا :” زلَّةُ إنسان واحد جرَّت الهلاك على كلِّ الناس ( يذكرها بولس ويشَدِّدُ عليها ستَّ مراتٍ في ستِّ آياتٍ من أصل ثمانٍ ) … و كذلك برُّ إنسانٍ واحدٍ يأتي جميع الناس بالخلاص الذي يهبُ الحياة ” (رم5: 12-19). إشترك آدم مع إبنته حواء في التمَّرُد على الله، وإشتركت مريم (لو1: 38) مع إبنها (مز39: 9 ؛ عب10: 7) في الخضوع لمشيئته. كلُّ واحد من يسوع ومريم أطاع الله بمفرده لكن النتيجة كانت ” خلاصًا ” واحدًا لجميع الناس، كما كان التمَرُّدُ والأكلُ الاول بفعلين منفردين لكن النتيجة كانت ” هلاكًا ” واحدًا لجميع الناس. الناسوت أخطأ من أصله في الخلق الأول في آدم، والناسوت أطاع في خلقه الثاني الجديد في يسوع. كان يسوع ومريم وحدَهما بارَّين مثل آدم وحواء بلا خطيئة. آدم نقل الى نسله ما كان له، ويسوع أعطى إخوته ما حصلَه لهم من غفران وأورثهم شريعة القلب والروح : المحبة والطاعة لله. وهذا كلُّه يعود للروح.
2. قلتَ : {{ إن كانت الروحُ قد تلَوَّثتْ ، أم لم تتَلَّوَثْ، كما في المولودِ الرضيع في يومِه الأول، فهو قد إكتسبَ الخطيئةَ الأصلية المتوارثة بالجسد من والديهِ }}.
*وأنا أرى وأقول : قلتَ :” تتلوَّثُ الروح بالخطيئة متى ما إقترفَ الأنسان الخطيئة”. آمنّا. والآن تقول أنَّ الرضيع لم تتلوَّث روحه قبل الولادة، وبرثُ الخطيئة الأصلية من والديه بالجسد. سؤالٌ يطرحُ نفسَه: كيفَ يرثُها من والديهِ، بعدَ الولادة ، بالجسد؟. ماذا يربط جسد الرضيع حتى ولو بأمِّه بعدَ الولادة؟!. لا شيء. هل بالرضاعة مثلاً؟. وكيفَ يتوارثُها وهو لم يخطأ بعدُ؟. وبالإضافة الى ذلك كيف تدخله الخطيئة وأنت تقول بأن الله يُنعمُ عليه نفخةً جديدة؟. ونفخةُ الله مقدسة ؟.
لا شيء يربط الطفل بوالديه، بعد الولادة، ما عدا الحياة والأنسانية. فإِمَّا يرث من آدم مع الحياة، عن طريق والديه، الأنسانيةَ الخاطئة أو لا خطيئة أصلية له. وإذا لم يخطأْ في حياته فهو قدّوسٌ بارٌّ لا يحتاجُ الى ولادةٍ جديدة بالعماد. لأنَّ اللهَ رأى جسدَه أيضًا “حسنًا جدًا “. يكفيه إيمانه بيسوع المسيح ليخلص. وإذا لم يؤمن عندئذ يخطأ فيهلك. وإذا كان الأمرُ هكذا فلم يكن المسيحُ بحاجة لا لأن يتجَسَّدَ ولا ليموتَ كفَّارةً عن الخطيئة (1 يو4: 10 ؛ رم3: 35). كان يغفرها لآدم وحواء لو تابوا. لقد تنَّدموا أصلا ورضخوا لعقابهم. بعكس ذلك لقد ” تجسَّدَ اللهُ ” (يو1: 14)، إِذ كان ” يجبُ عليه أن يُعانيَ هذه الآلام فيدخلَ في مجدِهِ ” (لو 24: 26)، لكي” تتمَّ الكتبُ المقَدَّسة التي تقول إنَّ هذا ما يجبُ أن يحدُث” (متى26: 54).
حتى الرضيعُ يرثَ إِذن طبيعةَ آدم الخاطئة منذ لحظةِ الحبل به، ما عدا مريم العذراء.