أهلا وسهلا بالأخوة حميد وعالية.
سألتم عن :” كيفَ أستطاع يسوعُ أن يعيشَ بدون أكل كل هذه المدة ، أربعين يوما و أربعين ليلة ً ، ونحن الشر لا نستطيعُ “؟.
ونحن البشر لا نستطيع !
كان السؤال مقارنة يسوع بنا نحن البشر وادعاء أننا نحن البشر لا نستطيع أن ننقطع هكذا مدة متواصلة. بل أقول لقـرّائي الكرام أنَّ أناسا كثيرين قد صاموا مثل هذه المدة وأحيانا أطول منها. إنَّ الذين يبيتون الباعوثة ، أى لا يذوقون الطعام ثلاثة أيام متواصلة ، يقولون بأنه كان بإمكانهم أن يستمروا على الصيام. لقد ذكرَ التاريخ أنَّ بشرا صاموا أربعين يوما بلياليها. منهم موسى كما ذكر الكتاب ” وأقام هناك عند الرب 40 يوما و40 ليلة ، لا يأكلُ خبزًا ولا يشربُ ماءًا. وكتبَ على اللوحين كلامَ العهد وهي الوصايا العشر”(خر34: 28). وكذلك صام ايليا ،” قامَ وأكل وشرب ، وسارَ بفعل تلك الأكلة 40 يوما و40 ليلة الى جبل الله حوريب ” (1مل19: 8). ويذكر كتاب صلاةِ الطقس الكلداني بأن صيامًا خاصّا كان يؤديه بعضُ المؤمنين، ربما الرهبان ، لمدة سبعةِ أسابيع ، يبدأ مع بداية سابوع ايليا (حوذرا 3- ص297) وينتهي يوم تذكار ايليا النبي الواقع في الجمعة السابعة من ذلك السابوع (ص 340)،أى 46 يومًا، ويقول :” في هذا اليوم يحُّلُ الصائمون صومَهم”. وكذلك تنقلُ الصحف والإذاعات والفضائيات ، من حين لآخر ، أخبار سجناء أضربوا عن الطعام ، قسمٌ منهم مدةً أطول بكثير ولم يموتوا. وكثيرون ماتوا في سجون هتلر بسبب عدم إطعامهم أي شيء ، و قسم منهم قاوموا أكثر من شهرين !.
صـوم يســوع !
كيف صام موسى أو ايليا ؟. إنهما انشغلا مع الله. أنشغل موسى في الحديث مع الله وكتابة الوصايا وهي العهد بين الله والإنسان. أما ايليا فأيضا حاربَ من أجل الله وقضى على عبادة الأصنام وحُكم عليه لذلك بالموت ،فآنهزمَ قاصدا أن يلتقي الرب ” من أجلك وقفتُ … لأنَّ بني اسرائيل نبذوا عهدكَ… وقتلوا أنبياءَك بالسيف وبقيتُ أنا وحدي معك…” (1مل 19: 9-14). وقد صامَ يسوع أيضا إستعدادا لمهمةٍ الهية. يقولُ متى :” سارَ الروحُ بيسوعَ الى البرية ليُجَّربَه إبليس ، فصامَ أربعين يوما واربعين ليلة حتى جاع “(متى4: 1-2). كان خروجُ يسوع الى البرية بإيعاز من الروح ، كما كان لقاء موسى وإيليا بوحي منه. وكان أيضا بهدف ، كما يؤكدُ ذلك شُّراحُ الكتاب المقدس :” لكي يقهرَ ابليس بالصوم والصلاة. كان ابليسُ قد أغوى في بدءِ الخليقة آدمَ الأنسانَ الأول. يسوع هو الأنسانُ الجديد الذي إنتصرَ على ابليس وأنقذ الناس من شر الخطيئة “. ولم يأتِ ابليس ليُجَّربه إلا عندما رآه في أضعفِ حال. لقد أعياه الصوم والصلاة فــ ” جاع “، فدنا منه ليُجَّربَه. لكن الصوم والصلاة أذكيا في يسوع الروحَ وجعلا إرادته قوية تغلبت على متطلبات الجسد ، فغلبَ إبليس.
الجـسد والـروح !
يقول مار بولس بهذا الصدد :” الجسدُ ينزعُ الى الموت ، وأما االروحُ فينزعُ الى الحياةِ و السلام. ونزوع الجسد تمَّردٌ على الله ولا يخضعُ لشريعةِ الله..”. ويُضيفُ ” إنكم إذا حييتم حياة َ الجسد تموتون. أما إذا أمَـتُّم بالروح أعمالَ الجسد فستحيون”(رم7: 6-13). هكذا نلآحظُ أن إبليسَ يُجَّربُ يسوع بحاجات وشهوات الجسد – الأكل ، الجـاه ، المال – بينما يسوع ردَّ عليه وغلبه بكلام الروح – كلام الله غذاؤُهُ ، لايجَّربُ الله بل يستعملُ قواهُ التي أعطاه إياها الله ، عبادةُ الله أفضل من مال الدنيا وأمجادِها -. فيسوعُ صمدَ في الصوم بل نسيَ ذاتَه وحاجتَه الى الطعام. لأنَّ طعامَه كان ، كما صرَّحَ به مرة للرسل ” أن أعملَ بمشيئة الذي أرسلني وأن أُتمَ عمَله “(يو4: 34). كان عملهُ أن يُقاومَ إبليسَ ويدحّرَه. وكانت مشيئةُ الله لا فقط أن يصوم بل وحتى أن ” يشربَ كأس العذابِ والموت ” حاملاً خطايانا ومُسَّمرًا إيّاها على الصليب. كما في العلية ، ثم في بستان الزيتون هكذا في صومه كانُ حُّبه العظيم للبشر يُسَّهلُ عليه مهمَّتَه (يو13: 1) ويجعلهُ ينسى فيه نفسَه وحاجاتِه بل وآلامَـه ، حتى قال لبنات أورشليم ألا يبكين عليه (لو23: 38). وكذلك طاعتُه للمشيئة الألهية جعلته ” يتجَّردُ من ذاتِه متخذًا صورةَ العبد وصار على مثال البشر… فوضعَ نفسَه ، وأطاعَ حتى الموت موت الصليب…” (في2: 6-8). فحتى لو أضعفَ الصومُ جسدَه إلا إنَّ روحَه كانت متحَّـمسة (متى26: 41).