الحظ، القضاء والقدر، القسمة والنصيب !

أهلا وسهلا بالأخت جيـهان.

قالت جيهان :” نحن المسيحيين لا نؤمن بالحظ ، ولا القدر ولا القسمة. مع ذلك إذا حصل حادثٌ ما يقولُ بعضُنا : ليس لدينا حظ !. هذا قــدرُنا !؟ . ما رأيُـك ؟

 أنــاسٌ إزدواجــيون !

أن نؤمن بشيء ونتصَّرف خلافه يدُّل على ازدواجية ذلك الشخص. وقد دعا يسوع مثل هذا التصَّرف ” رياءًا ونفـاقًا “. وندَّدَ به في شخص الفريسيين عندما قال :” الويل لكم أيها الفريسيون المنافقون .. المراؤون ” لأنهم ” يقولون ولا يفعلون “(متى23: 3-27). وتأتي الأزواجية إما من الجهل أو الخوفِ أو الآنانية. أما المسيحيون في البلدان ذي الغالبية الأسلامية فقد تطبعوا عامة بالذهنية الأسلامية السائدة. وعقيدة القضاءِ والقدر أمرٌ طبيعي ومشاع فيها.وكذلك عقيدة القسمة والنصيب. وإذا كان المسيحي لا يؤمن بها ، لكنه لا يعرفُ أيضا ولا يقدر أن يُفَّسرَ بعضَ الأحداث فيلجأُ الى تلك العقائد تهَّرُبا من ذاتِه ، أو من جهلِه بإيمانِه ، وتفسيرا لواقع ظلمٍ يتحمَّله ، دون رغبةٍ منه ، يريدُ التخلُّصَ منه لكنه لا يقوى على ذلك. لا يُحاولُ أن يرى أسبابَ ما يحدُث. وإذ يجهلُ أُسسَ إيمانِه لا يبقى أمامه إلا أن يسيرَ مع الركب ، ويتمُ المثل :” الحشرُ مع الناسِ عـيدٌ “!. وبذلك يتصَّورُ أنه يتخَّلصَ بل يتمَّلصُ من مسؤوليةِ ما يحدثُ ، مُلقيًا إياها كلها على عاتق الله.

الحظُ والطالـع !

أما الطالع فهو أيضا من بابِ العقائد السلبية التي تحرُم الأنسانَ كرامتَه وتسلبُه حُّريتَه وتنفي قدرَته ، مثل القدر والقسمة. بينما يقولُ لنا إيماننا أنَّ الأنسان صورة ٌ من الله ، حُّرٌ في حياتِه وسلوكِه وتقريرِ مصيرِه. وأنَّ لكل عملٍ يقومُ به جزاءًا : مكافأة أو قصاصًا. لقد أعطى اللهُ الأنسان الفكرَ والرغبة والأرادةَ ليختارَ فعله. لكنه لا يُرغمُه ولا يُحَّتمُ عليهِ أفعاله حتى كما يقتضيه الحَّق والخير. يريدُ الله من الأنسان لا فقط أن يكون حرًا قادرا على عمل الشر ، بل أن يختار بمحض إرادتِه أن يكون حَّقانيا وصالحًا.

أما الحظ ، فهو لا يتبعُ إرادة الأنسان ولا يضمنُ له الطريق المستقيم. الحظُ هو أنَّ أسبابا نجهلها تتفاعلُ مع بعضها وتضمن لشخص ما نجاحًا ، غالبَ الأحيان، قد يُسيءُ اليه أكثرَ مما ينفعُه. إذا ربحَ أحدٌ جائزة ، أو تجَّنبَ خطرًا ، أو نالَ ما يطلبه بدون جهدٍ وعناء مثل غيره نقولُ بأنَّه ” محظوظ”. إننا نقارنُ هذه الحالة بحالةِ آخرين. ربما لو قارنّناها بتعليم الله لوجدناها حالة أتعسَ مما كنا نتصورُها. إلا أللهمَ إذا كانَ ذلك الحظ آتيا من الله تعالى نفسه ، لا لراحةِ الشخصِ أو منفعةِ نفسِه ، بل لأجل المنفعة العامة. كان القديس يوحنا بوسكو مثلا محظوظا في أنَّ الربَّ كان يستجيبُ لطلباتِه وحاجات مشاريعه بطرق لا يستطيعُ البشرُ أن يفسروها. كان يوحنا قديسا ، يتكلُ على الله ويكملُ مشيئته في خدمةِ الشبابِ المنبوذين. ومع ذلك لم ينجُ دون بوسكو من نقمةِ رجالِ الدولة أو مقالب إبليس ضده. إن يدَ الحظ الخفية قد تكون أحيانا من الروح الشّرير، فيفيضُ الأموال والحظوظ على أتباعِه. لكنها لا تقابلُ أبدا ما يَصنعه اللهُ لمُحّـبيه و السالكين دربَ شريعتِه. فلما أرسلَ يسوع التلاميذ يبشرون ورجعوا اليه فرحين قالوا له :” ربنا حتى الشياطين تخضعُ لنا بآسمِكَ. أجابهم … إني أوليكم سلطانا تدوسون به
الحَّياتِ و العقاربَ وكلَّ قوةٍ للعدو ، ولن يضُّرَكم شيء.
ولكن لا تفرحوا بأنَّ الأرواحَ تخضعُ لكم. بل إفرحوا بأنَّ
أسماءَكم مكتوبة في السماوات”(لو10: 17-20).

القس بـول ربــان