أهلاً وسهلاً بالأخ بول عمـاد
كتبَ الأخ بول يتشَّكى من قلة المعلومات عن حياة يسوع بين مولِده وعمادِه. وتمَّنى لو عرفَ تفسيرًا لذلك. يقول: ” أوَّدُ أن أعرفَ عنها تفسيرًا مُعَّيَنًا، ولا أعرفُ كيف أجدُ تفسيرًا منطقيًا”. هو يؤمن بأنَّ يسوع هو الله المُتجَّسد وليس إنسانًا عبقريًا { سوبرمان} رفعه الله إلى مقام اللاهوت. ويؤمن أيضًا أن يسوع واعٍ على لاهوتِه منذ طفولتِه. لكنه يحتار بهذا السكوت الغريب المطبق عن أخبار تلك الفترة المذكورة. وطلب:أرجو معالجة الموضوع
هل سكت الأنجيل أم نطق ؟
وهل يهُّمُ جدًّا معرفة ماذا فعل يسوع في تلك الفترة وماذا حدثَ له؟. هل يهُّمُ خلاصَ البشر أن نعرفَ عن يسوع هل أُصيبَ بالرشح ؟ هل درس في تكية الهيكل، أم عند أقدام مريم ؟. ليس الأنجيلُ تقريرًا صُحفيًا ليُسَّجلَ عنه كلَّ شاردة و واردة. وماذا نعلم عن طفولة أغلبية قادة العالم القدماء وأباطرتِه؟. مع ذلك تقودُنا أخبارُ ولادة يسوع إلى الجزم بأنَّ لوقا كاتبها عرفَ عن يسوع أدق تفاصيل حياتِه من ولادته والى عماده، لأنَّه دقَّقَ في كل شيء قبل كتابتِه وآستقى معلوماته المذكورة من والدة يسوع نفسِها، وهي تعرف عنه كل صغيرة و كبيرة. لكنه إكتفى بذكر فقط ما يَخُّصُ ” تعليم يسوع “والأحداث التي أحاطت به، بعدَ أن إنتقل من الناصرة الى كفرناحوم وبدأ بالتبشير. ما سجَّله عن ولادة يسوع تجعلنا نخَّمن أنَّه عرفَ سنة ولادة يسوع وشهرها ويومها، لكنه أبى ذكرَها لأنها تفاصيلُ لا تخدمُ رسالة المسيح. لا يريد المسيح أن يتعَّلق المؤمن بأمور ثانوية وينسى أو يُهملُ الأساسية ألا هي الحياة بروح المسيح. هناك تفاصيل ذكرها الأنجيل ، مذكورة هنا أوهناك بشكل عابر، لو إنتبه إليها القاريء الكريم لآغتنى بمعلوماتٍ كثيرة مُهَّمة لأشباع فضوليته أو الدفاع عن إستقامة إيمانه وأصالةِ مصادره.
مع ذلك لو توَّقفنا وعَمَّقنا التأمل في القليل المذكور لآغتنينا بمعلومات تُغنينا عن غيرِها. ذكر الأنجيل خبر تخَّلف يسوع في الهيكل عن والديه وعمره إثنتا عشرة سنة وجوابه على قلق أمّه عليه. حصلت بالتأكيد ليسوع أحداثٌ أخرى في الفترة المظلمة لمْ يرَ لوقا ضرورةً لذكرها لأنها لم تكن تفيد أكثر مما ذكر. جوابه دلَّ أنَّه واعٍ على لاهوتِه وعلى رسالتِه وهو يُمارسها منذ صغره وعلى والديه، والمؤمنين به مستقبلاً، أن يثقا به ويُساعداه على أدائِها. وكذلك ذكر لوقا على دفعتين أنَّ يسوع ” كان ينمو في هذه الفترة ويتقَّوى ويمتليء بالحكمة ،وكانت نعمة الله عليه “.. ثم ” كان مطيعًا لهما .. وينمو بالقامةِ والحكمة والنعمة عند الله و الناس”(لو2: 40 و 51-52).
إندهشت الجموع من تعليم يسوع السلطاني (متى22: 33؛ مر1: 22) وآستغربَ القادة” أنَّه يعرف الكتبَ المقَّدسة وهو لم يتعَّلم” ؟(يو7: 15)، وآحتاروا بفهمه وأجوبتِه (لو2: 47). مع أنَّ لوقا أكَّد أنه ” كان ينمو بالقامة والحكمة والنعمة”. وما القامة والحكمة غيرَأنه كان يعيشُ مثل كلَّ أمثاله البشر الصغار يتعَّلم كيف يتصَّرف ويتثقَّفُ في إيمانه. كان يسوع ينمو و يكتملُ إنسانيًا ليكون في مقام الله الذي يعمل فيه. بالتأكد تمَّ ذلك على يد مريم أمه، وأيضًا في مدرسة أطفال الناصرة. وكان لابد ويقدم خدمات بيتية فيساعد أبويهِ. وربما كان يلقى معاكسات أو مشاكسات من أمثاله لكنه تعلَّم” بالنعمة ” وبتوجيه الأبوين أن يتغَّلبَ عليها بروح سلمية. إحتار به أهلُ أورشليم وآندهشَ أهل كفرناحوم لأنه كان غريبًا عنهم. لم يتعَّرفوا عليه إلا بعد ما بدأ التبشير. ولم يذهبوا إلى أمه مريم مثل لوقا ليسألوها. لم يهمهم معرفة ماضيه بقدر ما إندهشوا بحاضره وحاولوا الأستفادة من تعليمه. وهذا هو المهم بالنسبة إلى كُتَّاب الأناجيل أن يعرفَ الناس ويتقبَّلوا صِحَّةَ ما عَّلمه كما ذكر لوقا نفسُه (لو1: 4). إبتعدَ الأنجيلي عن ذكر معلومات وتفاصيل قد تشغل الأنسان عن جوهر حياة يسوع. وكذلك عن حياة يسوع الأنسانية وهو طفلٌ قد تشكل حيرةً عند البعض إذا فكَّروا أنَّه اللهُ الأزليُّ الوجودِ والمعرفةِ والقدرة. لماذا ينمو وهو قادرٌ من أول لحظة على أن يتكلَّم ويمشي ويشتغل. بل لا يحتاج إلى عمل وهو صاحبُ خيرات الكون كلِّها؟. لماذا يتعب، يشقى ويتألم وهو موجد الحياة؟. تلك حكمة الله ومشيئَتُه ومن أجل راحة الأنسانية وخيرها (عب2: 15) عندما تَعْرفُ أن إلهَها تشَّبَهَ بها في كلِّ شيء، شاركها حياتها كاملة، وآبتليَ حتى بالألم، إنَّما لم يقترف الخطيئة، (يو8: 46)، ولكي يُخَّلِصَها. ربمَّا يتمنَّى قاريءُ الأنجيل أن يجدَ فيه كلَّ تفصيلٍ ودقيقٍ عن حياة يسوع فلا يتحمَّلُ جهدًا ، ويخاصمُ به أعداء المسيح. هذه الأمور يهتَّمُ بها أهل الدنيا ومظاهرها وحُجَجِها. أما أبناء الملكوت فتعَّلموا من المسيح ألا يكنزوا كنوز المعرفة الزمنية بقدر ما يصبوا الى معرفة الحَّق، وأن يعملوا من أجل الحياة الأبدية. والحياة الأبدية مبنية على تعليم يسوع. وتعليمُهُ و أسرارُه تُقبَلُ بالأيمان لا بالحجج العلمية المنطقية، كما قال بولس :” تبشيري لا يعتمدُ على أساليب الحكمة البشرية في الأقناع، بل على ما يُظهرُه روحُ الله وقُوَّته، حتى يستندَ إيمانُكم إلى قدرةِ الله لا إلى حكمة البشر” (1كور2: 5). ومعرفة تفسيرٍ مُعَّين ومنطقي للسكوت عن أحداث فترة الطفولة أو تفاعل اللاهوت والناسوت في يسوع لا يُزيدُ ولا ينقصُ من حقيقة المسيح ورسالته الخلاصية. وقد أكَّد يوحنا أن حياة يسوع تشمل أحداثًا وأقوالاً كثيرة لم تُذكر في الأنجيل، لأنَّ ما ذُكر يكفي للأيمان بالمسيح وبالتالي لنيل الحياة الأبدية (يو20: 31؛ 21: 25).