أهلا وسهلا بالشماس اسحق صليوا.
دار جدالٌ بين الشماس ورفاقٍ آخرين حول ” صعود المرأة الى المذبح” بسبب سماح بعض الكهنة ذلك وبمنع غيرهم عن ذلك. فطلب إيضاح الأمر قائلاً :
ما هي التعليمات السارية حسب طقسنا الكلداني ، وحسب نظرة الأنجيل الى ذلك ؟
العهـد القــديم !
جاءَ في سفر الأحبار عن المرأة أنها تكون نجسة عند طمثها وإنجابِها. وطيلة فترة الطمث أو بعد الولادة ، لفترة 40 أربعين يوما إذا كان الطفل ذكرًا و80 يوما إذا كان الطفلُ أنثى ، لا يجوز لها دخول الهيكل ولا أن تمُّسَ أوانيه وأدواته إلى أن تُطَّهر ويُكَّفر عن سيلان دمها (أح12: 1-8). والطمث يُصاحبُ العادة الشهرية. وهكذا أصبحت المرأة محرومة من دخول الهيكل أكثر أوقات حياتِها. ولم تُكَّلفْ بأية خدمة دينية داخل الهيكل أو خارجه. لأنَّ الخدمة الكهنوتية والعمل في الهيكل حُصر في قبيلة لاوي ، والذكور منهم فقط (أح4: 2-4، 23، 30؛ 43؛ 47).
العهـد الجــديد !
أما في عهد يسوع فقد دخلت المرأة ساحة العمل. بدأن بخدمة يسوع وتلاميذه والصرف عليهم (لو8: 3) ومرافقتهم جولاتهم بين الجليل واليهودية، ليس كوظيفةٍ و واجب بل كإلتزام تطوعي نتيجة المودة والأحترام المتبادل بينهن وبين المسيح. كانت بعضهن أمهات لتلاميذه مثل سالومة أم ابني زبدى ومريم أم يعقوب ويهوذا. وكانت المجدلية تجلس عند أقدامه و تناقشه أمور الحياة ، وكانت مع أختها مرتا وأخيها لعازر عائلة مقربة جدا من يسوع حتى لم تتردد في سكب أغلى عطر عليه قبل موته حتى قال يسوع :” حيثما تعلن هذه البشارة في الأرض كلها يُحَّدَثُ بما صنعت تخليدا لذكرها “(متى26: 13). وأهم موقف سجَّله قربُ المرأة من يسوع كان عند صلبه وموته فقيامتِه. فبينما يُقَّدمُ يسوع على مذبح الصليبِ ذبيحةَ الخلاص لم يقف على المذبح تحت الصليب غير رجل واحد بينما وقفت ثلاث نساء (يو19: 25) عدا بقية النساء اللواتي كن يتابعن الأحداث عن كثب. وفي القيامة نالت المجدلية شرف أن يتراءى لها يسوع أولا وقبل الرسل وكانت الأولى في نقل خبر القيامة الى الرسل.
عهـد الكنيسة !
أما الرسل فقد أستفادوا من تعاون النساء معهم ومرافقتهم حتى في البشارة (1كور9: 5). ويذكر مار بولس قائمة طويلة بأسماء نساء يعملن بشكل أو آخر في خدمة الكلمة. لكنه لم يأتٍ ولا مرة ذكرُ إمرأةٍ أدت خدمة دينية في الهيكل وعلى المذبح بحضور كهنةٍ أو شمامسة. يبدو أن العقلية الشرقية التقت في كل المذاهب بإبعاد المرأة عن خدمة المذبح. والسبب أنها إمرأة تلد ولها عادتها الشهرية التي نجَّستها شريعة موسى، هذه الشريعة التي ظلت متعَّلقة بأذهان المسيحيين الآتين من اليهودية. وبينما تغيَّرت الأمور في أوربا وسارت بآتجاه الأنفتاح على طاقات المرأة ودورها في بناء مملكة الله وآستغلال ذلك إستمَّرَ الشرقُ يحمي تراثَه اليهودي بغيرةٍ وحماس.
لقد ظلت ذهنية العهد القديم حيَّة تُرزَق في كنيسة العهد الجديد. فما تزال الى الآن تطبق بعض الكناس على المرأة المسيحية شريعة موسى بنجاسة الطمث والولادة وحرمان الأم من دخول الكنيسة قبل 40 يوما بعد الولادة!!. نسوا أنَّ الله وُلدَ من إمرأة ؟ إن كانت مريم قد خضعت لشريعة التطهير فلأنها يهودية وليس لآنها نجسة !. ولأنه لم يكن بوسعها أن تخالفَ الشريعة!. وأمور أخرى تشبهها يتمسك بها مسيحيون. نسوا أن بولس الرسول قال ليست الشريعة التي تخلص بل الأيمان بالمسيح !. نسوا أن المسيح خالف شريعة السبت لعمل الخير وأعلن أنَّ ” السبت من أجل الأنسان” وليس العكس. نسوا أن يسوع رفضَ رجم الزانية حسب شريعة موسى التي ألغتها شريعة المحبة في تعليم يسوع. ظلَّت حروف كثيرة من العهد القديم بارزة ، وقد ناقضتها روحية العهد الجديد، وهكذا ظلَّ الأنجيل لذيذا للقراءة وغريبا على الحياة!.
الأنجيلُ والطقس !
الأنجيلُ واضح أنه أعاد الى المرأة كرامتها التي داستها أجيالٌ من ” الرجولية المتزمتـة”!. لم يُفَّرق يسوع بين الرجل والمرأة. لم يختر إمرأة رسولا، ولا تلميذة. إنما ليس تقليلا من قيمتها بل توجيها الى إعطائها الدور الذي يليق بأُنوثتها وقابليتها. المساواة لا شك فيها. يقول مار بطرس أنَّ المرأة شريكة مع الرجل في ميراث نعمةِ الحياة (1بط 3: 7). ويقول مار بولس أنه ” في المسيح لا فرق بين ذكر وأنثى ” (غل3: 28). أما المساواة فلا تعني أداء نفس الأدوار. الرجل لا ينجب طفلا ولا يُرضع ، فهل هو أقل من المرأة ؟. كلا. المرأة أضعف بنية ولا تقوى على رفع حمل ثقيل ، فهل هي لذلك أدنى من الرجل ؟. كلا. وكما غزت المرأة بعض قطاعات الحياة الاجتماعية يمكن لها أيضا أن تمارس خدمات دينية في الكنيسة حسب إمكانياتها وحاجة الكنيسة.
أما الكنيسة كما نوهت أعلاه فتأثرت كثيرا من التراث اليهودي ، ولم يحاول المسيحيون أن يُسلطوا فكرًا إيمانيا ناقدا على الواقع ، بل تبعوا العادة والتقليد قانعين حتى بأخطائِهم. و بلغت الحالة إلى مخالفة الطقوس نفسها والقوانين نفسها بسبب التقليد والعادة المتبعة. كل هذا نتيجة الجهل وعدم الغيرة على نقاوة السلوك الأيماني المستقيم. منذ عقود ولاسيما بعد تعليم الكنيسة في المجمع الفاتيكاني الثاني بدأت النظرة الى المرأة تختلف وتتطور حتى في الشرق وأخذت المرأة واقعيا مساحة أكبر في حقل النشاط الديني ، مستثمرة قابليتها لخدمة الكنيسة. وإذ كانت المرأة الى قبل عقود محرومٌ عليها أن تدخل المذبح صارت تدخله وتخدم فيه و تمجد الله مثل الرجل ، وأكثر منه أحيانا. إنما تمَّ ذلك بدون إعلانات إدارية ولا إتخاذ قراراتٍ رسمية. أصبحَ كل واحد يتصرف حسب قناعتِه وظرفِه ، بعيدًا عن مركزية تقود.
إذا كانت المرأة لا فقط تدخل المذبح بل تصعد عليه لتنظفه وتزّينه ألا يحق لها أن تقفَ أمامَه لتقرأ أو ترَّتل أو تعلم ؟. لم يمنع المسيح ذلك. نحن نمنع ذلك. المسيحُ أسَّس كنيسة واحدة ونحن قسمناها إلى ألف جزء !. المسيح قال : لا تدن ، لا تحاسب ، سامح .. ونحن نُشَّرحُ الناس ونمزقهم بدينونتنا ونحاسبُهم ونطالبُهم بالألتزم بالأيمان ونحن لا نؤمن , و لاسيما نرفضُ أن نسامح ونبررُ ذلك بألف حجة وحجة !.
الكنيسة الكلدانية رسميا ، انما بدون قرار معلن، قد فتحت الباب على مصراعيه لخدمة المرأة في الكنيسة وتريدُ أن تتبعَ في ذلك المسيح وليس موسى !. ليس صحيحا أن تهملَ الكنيسة نصفَ طاقاتها ( النسوية ) بحجة أن المرأة أقلُ قدرة أو دعوة الى ذلك. إذا كان على المرأة أن تداري زوجها وأولادها وبيتها فهل يمنع ذلك بناتها من أن ترتلن في الجوقة أو يعلمن التعليم المسيحي للأطفال ، أو يقرأن أثناءَ القداس؟. ما الفرقُ بين الترتيل أو تنظيف الكنيسة أو قيادة خدمات روحية ؟. كلها مواهب من الله لأجل بنيان الكنيسة !. لقد فتحَ المسيحُ ذهن الأنسان على الحق والمحبة فلا نحاول أن نغلق ذلك الباب بحجة ذهنية أخذناها من مجتمعاتٍ غريبة. لنقـرأ الكتاب، لنُصغ ِ الى الكنيسة ونتـقيد بتعليماتها وإرشاداتِها ولنعطِ كلَّ واحد حقَّـه ، ولنأخذ من كل واحد ما يجبُ عليه لخدمة كلمة الله ولأجل عدم خسارةِ النعـيم الموعود في السماء ، حيثُ يزولُ كل فرقٍ بين الرجال والنساء.