لُقـمةُ الـرحمــة

أهلا وسهلا بالأخ رياض رودي.

لاحظ الأخ رياض الولائم التي تقام في السنين الأخيرة عند وفاة عضو في العائلة. ورأى شدة المنافسة في التباري بتقديم أفضل الطعام والتفاخر به قال ” صاروا يُسَّمون الغداء أو العشاء < لقمـة الرحمـة > ، فتساءَلَ :

هل هي الرحمـة للمرحــوم ؟

هل صُنع الغداءِ أو العشاء بهِ ترَّحُمٌ على الميت ؟

الأكـلُ والمّـيِتْ !

أمرٌ بديهي أنَّ المتوفي لا يأكلُ من الطعام الذي يُقَّدَمُ للمعَّزين. من يلتذ به هم الأهل و الأقارب والمعَّزون. الأكلُ لا يُقَّدمُه خطوة نحو الخلاص ولا عدم الأكل يُؤَّخِرُه عنه. الميت لا يحتاج الى طعام مادي. قد تكون وجبة الطعام تلك مكافأة فقط للمُعَّزين الذين تحملوا مشَّقة المشاركةِ في الدفنة أو العزاء. لقد بينوا إحترامهم لأهل الميت وقربَهم منهم فبالمقابل يبدي أهل الميت عرفانهم بهذا الجميل ، ويردون عليه بجميل إكرامهم لهم بدعوتهم مشاركتهم قوتهم. إذن لا ناقة للميت ولا جمل بالطعام المقدم في ولائم العزاء. إنه تصَّرفٌ آدابي لتراث إجتماعي يتمسك به ويُقَّلِدُه أهلُ الميت وليس الميت نفسُه!. وأعتقد لو سُئِلَ الميت عن هذا الغداء أو العشاء لتبَّـرَأَ من الطريقةِ التي فيها يتمُ تقديمه.

المَّيتْ و الـرحمــة !

أما الرحمـة ! فهنا يجدر بنا أن نتوَّقفَ قليلا. روى الأنجيلُ قصَّة لعازر والغني. والغني الذي سقط في النار طلب النجدة. لكنه طلبها من الموتى مثله وبعد فوات الأوان لأنه حكم عليه بالهلاك (لو16: 22-26). لكننا نعرف بأنَّ يسوع المسيح مات على الصليب من أجل الأموات الذين سبقوه بملايين السنين ومن أجل الأحياء الذين يلحقونه بملايين سنين أخرى. فإذا كان أبرارُ العهد القديم لم يهلكوا لكنهم لم يتمتعوا ايضا ،حالا بعد موتهم، برؤية الله وجها لوجه (1كور13: 12). هكذا من يموتون بعد المسيح أيضا قد لا يهلكون، لكنهم لا يُشاركون مجد الله وهناءَه رأسا بسبب ديون لم توفَ بعد وأوساخ الخطايا لم يتطهر عنها كليا، كما يليق وينبغي لرؤية قداسة الله ومشاركة حياتِه. فأمثال هؤلاء يحتاجون كثيرًا الى ” الرحمة ” ، تأتيهم من الأحياء.

لقمــة الـرحمــة !

أما كيفَ تأتي الرحمة في تقديم الطعام، فلأدراك عمق معناها أسوقُ الخبر التالي. كان في قرية فقراء وخاصة ثلاثة مُعَّوقون منبوذون يعيشون على” باب الله”. وكلَّما حدث عزاءٌ كان أهل الميت يُوزعون الطعام على العوائل المتعففة ،ويكون الثلاثة ضيوفَ مائدة العزاء. ولما ينصرفون شباعى يدعون للميت ويشكرون الله قائلين :” يا رب ليكن كل يوم هكذا “. أكلوا فشكروا الرب وصلوا من أجل الميت. هذا هو المبدأ الذي عليه تأسست لقمة الرحمة قبل أجيال. كان ذوو الميت حزانى فينشغل الأهلُ بتهيئة الطعام لهم وللغرباء وللمحتاجين سائلين بعملهم الرحمة للميت. والمُعَّزون يُصلون ، كل معَّزٍ على حدى، عند دخولهم أو مغادرتهم مكان العزاء. والذين يبقون لتناول الطعام مع الحزانى يجلبُ لهم أهلهم الأكل من البيت و يكثرون منه حتى يكفي للحاضرين كافة. وهذا بروح المحبة ومشاركة الناس أحزانهم مثل أفراحهم (رم12: 15). وفي اليوم الأخير للعزاء يطبخون على حساب أهل الميت كعمل خير يؤديه الأهل ناوين عمل الخيرعن راحة نفس ميتهم. هكذا للقمة الرحمة جذورٌ إيمانية. لكن أهل العالم فرَّغوها من كل إيمان أو رحمة ليتباهوا بها فقط.

القس بـول ربــان