أهلا وسهلا بالأخ دريد هيْلو
قرأ الأخ دريد نص متى17 : 14–21، وفيه طلبُ شفاءِ شّابٍ مصروع ” يتألم ألمًا شديدًا. وكثيرًا ما يقعُ في النار والماء.. لم يقدر الرسُلُ أن يشفوه”. إستنكرَ يسوع موقف الرسل، ولامَهم لبُطءِ فهم تعليمه. ثم أخرجَ من الشاب الشيطانَ الذي كان قد إستولى عليه مُسَّببًا له كل ذلك. ولمَّا سأله الرسل لماذا لم يقووا هم على شفائِه ردَّ عليهم : أولاً لقِلَّةِ إيمانهم، وثانيًا لخطورة قيود ابليس التي لا تُكسر بتعزيمٍ حَرفِيٍّ، بل بقوَّةِ الله ” بالصوم والصلاة “.
فسألَ الأخ دريد :
– هل الصرعُ مرضً أم روحُ شيطان؟ العلمُ يقول أنَّه مرضٌ ، والكتابُ المُقَدَّس يقول هو روح ؟.
– لماذا فرضَ الصومَ والصلاة في حين لم نرَ الصوم في بقيَّةِ الشفاءات ؟
– و ما معنى النـار و المــاء ؟.
الصرعُ مرضٌ أم روحٌ شِرّير ؟
يقول هامشٌ لأحد المفَّسرين على الآية 15 بأنَّ :” الصرعَ مرضٌ عصبِيٌّ ينتُجُ عنه تشَّنجٌ وإغماء”. إنهُ خللٌ في أعضاء الجسم يُضعفُ أداءَ دورها بشكل سليم. يستغِلُّ الشيطانُ، الروحُ النجسُ الشِرّير، ذلك ليُؤذي المريض. قال مرقس عند ذكره نفس الخبر (مر9: 14-29):” فيه روحٌ نجسٌ يجعله أبكم.. يصرَعُه.. كثيرًا ما رماه في النار أو في الماء ليَقتُلَه “. ليس الصرعُ بذاته” روحًا شرّيرًا”. بل يستغلُّ الروحُ الشرير المَرَضَ للإساءةِ الى المريض . وفي خبرنا جعلَ الشيطانُ المريضَ ” أصَّمًا أخرَسَ”، لا ينطق ولا يقدر أن يُعَّبر عن آلامِهِ أو يطلب عونًا ” يُزبدُ ويَصرفُ بأسنانه ويتشَنَّج … وقع على الأرض يتلوَّى ويُزبد ” ، مدفوعًا لموتٍ إنتحاري (مر آية 18 و20).
الصوم والصلاة !
كان اليهود يصومون، في أيّام يسوع، إضافةً الى الصلاة، يومين في الأسبوع (لو18: 12). لقد دعا اليه النبي يوئيل، كبعدٍ أساسيٍّ للأيمان، فقال :” توبوا إليَّ بكل قلوبكم، بالصوم …و تقَدَّسوا للصوم ونادوا على الصلاة ” (يو2: 12-15). وقد صام أهل نينوى وصلوا فنجوا من الهلاك (يو3: 7-8)، وفعلت كذلك يهوديت وأنقذت شعبَها (يهو8: 6؛ 9: 1-14). وحَنَّةٌ النبية إستحَّقت، بصومها وصلاتها، أن تُعاين المسيحَ الرَّب قبل وفاتها (لو2: 36-38). و يسوعُ نفسُه صام أربعين يومًا بلياليها (متى4: 2) ليواجه الشيطان ويدحرَه، كما كان يختلي للصلاة (لو6: 12)، ويلتجيءُ اليها في الساعات الحرجة مثل إقامة لعازر(يو11: 41-44).
فبالصوم والصلاة يتخَّلى المرءُ عن كبريائِه ويتحَّلى بقدرة الله الذي يتحد معه بالفكر والقلب . يتَّحدُ المؤمن بالله وإذا إحتاج فطلب منه شيئًا يستجيبُ له. دعا يسوع رسُلَه وكلَّ المؤمنين به الى الصلاة الدائمة (لو18: 1)، كما زوَّدَهم بقوَّة إجراء الأشفية وحتى طرد الشياطين (متى 10: 8). لكنَّهم واجهوا عجزًا لأنهم أخذوا الأمرَ، لربمّا، مثل تعويذةٍ أو مهنةٍ تتبعُ تلمذتهم ليسوع، ويقدرون مُمارستها دون عمقٍ إيماني وخلفيةٍ إِلَهية تعضُدُ عملهم.
لذا إمتعَضَ يسوع من موقفهم ولامَهم على سطحيةِ إيمانهم وعدم تقدير الموقف جيِّدًا ، بل
إتّكالهم على ذواتهم في إجراءٍ عمل هو إِلهي. وحتى يستجيبَ الله طلبَهم يجب أن يكونوا في حالةٍ ترضي الله وفي ثقةٍ من أنَّ ” كلَّ ما يطلبونه بإيمان يُستجابُ لهم ” (متى21: 22؛ مر 11: 24؛ يو16: 23). لم يقدروا أن يشفوا المصروع لأنهم إتَّكلوا على أنفسهم، وظيفتهم، فقط. إلى الآن ” لم تطلبوا شيئًا بآسمي. أُطلبوا تنالوا، فيكتملَ فرحُكم ” (يو16: 24). لأنَّ ” من آمن بي يعملُ الأعمال التي أعملُها، بل أعظمَ منها ” (يو14: 12).
لماذا لم يطلب الصوم في بقية الأشفية ؟
أولاً لأنَّ هذه أول حالة تُعرض على التلاميذ وليس على المُعَّلم. لم يكن الروح القدس بعدُ قد حلَّ عليهم. ولم يوكلهم يسوع بذلك. بل حاولوا من ذاتهم كأداء مهنة لا طلبًا من الله ليُجريَ الشفاء. ثانيًا لأنَّه ظهر في هذه الحالة تدَّخل شيطاني شِرّير. في كلِّ الأمراض يتأَّلم المريض دون أن يُؤذيَ نفسَه أو غيرَه. أمَّا في حالة الصرع فيتصَّرف المريض بدون وعيٍ أو مشيئةٍ شخصيةٍ في الإساءة. وفي الحالة المذكورة جلِيٌّ الشَّرُ المرافقُ للمرض. والشَّر أذيةٌ يُلحقها الشيطان بمن يستحوذُ عليه. وإذا كانت كلُّ معجزاتِ الأشفية للرسل أو للقديسين هي بقدرةٍ وتدَّخلٍ إلهي :” وكان الرَبُّ يُعينُهم ويُؤَّيدُ كلامَهم بما يُسانِدُه من الآيات”(مر16: 20)، ففي حالة تدخل ابليس ليس كلُّ واحد يقدر أن يشفي المريض بطرد ابليس منه، حتى لو أُستعمل إسمَ المسيح بدون الأيمان به، كما حصلَ لأبناء رئيس الكهنة سكاوا السبعة ” فهجم الرجل الذي فيه الروحُ الشّرير وتمَكَّن من كلهم وغلبهم، فهربوا من البيت عراةً مُجَّرَحين..” (أع 19: 13-16). فالصوم والصلاة دليلُ الأيمان بالله وسبيلُ الإتّكالِ عليه والعمل بآسمه.
النــارُ والمــاء !
الأنسان أَحوجُ الى الماء والنار(الحرارة) من غيرها، وتبقى أخطر شيءٍ عليه إذا تعَّدت حدودها. ولولا الماءُ ونارُ الشمس، في ضوئِها وحرارتها، لما عاشَ الأنسان. ومقابل ذلك أقسى مصائب الإنسان أتت من الماء، عندما طافَ الماءُ، في أيام نوح وغرقَ “كلُّ من في أنفه نسمةُ حياةٍ على الأرض ومات” (تك6: 19-23)، ومن النار، على أيَّام ابراهيم ولوط لمَّا ” أمطرَ الرَبُّ على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من السماء فدَمَّرَها مع جميع سكان المُدن ونبات الأرض” (تك19: 24-25). وليست عنَّا ببعيدة قنبلة هيروشيما وناكازاكي في اليابان سنة 1945، وطوفانُ تسونامي أندونيسيا والبلدان المجاورة سنة 2004م.
فلا غرابة أن يدفع الشيطان من يحتَّلُهم إلى النار أو الماء لِـ” قتله “، كما فعل بهذا الشاب المصروع. ولا ننسى: إن كان المؤمن يتطهرُ من الخطيئة بمعمودية ” الماء والنار” (ماء الحياة للغسل ونار الروح القدس لحرق الخطيئة ــ متى3: 11)، إلاّ إنَّه إن لم يُعطِ الثمرَ المطلوبَ منه سيُقطع ويُرمَى في النار (لو3: 9). وسيغرقُ الأشرار الهالكون ” في النار الأبدية المُهَيَّأة لأبليس وأعوانه ” (متى25: 41)، إذ ” كلُّ من لم يكن إسمُه موجودًا في كتاب الحياة أُلقي في بُحـيرةِ النار” (رؤ20: 15).