مَثَلُ شجـرة التــين

أهلا وسهلا بالأخ سالم صادق

كتب الأخ سالم يقول :” يدورُ نقاشٌ حول شجرة التين “. ثم سألَ :

  • ماعلاقتُها بالسيد المسيح ؟
  • وما المناسبة التي ضربَ بها المثل ؟

المسيح وشجرة التين !

تفَرَّدَ لوقا بذكر هذا المثل (13: 6-9)، وسكت عنه متى الذي نقل أغلب أمثال يسوع عن ملكوت الله (متى13: 1-52). وللتين ذكرٌ خاص ومقامٌ عالٍ في الكتاب المقدس، لاسيَّما العهد القديم. ويشَّكلُ مع العنب ( الكرمة والجفنة ) والزيتون ثلاثيًا بارزًا ، قال عنها بولس الفغالي” التينُ طعام هام مع العنب والزيتون (1 أخ12: 41). يُزرعُ التين قرب الجفنة لكي يكون سندًا لها. لهذا يُقال”عاشَ تحتَ الكرمةِ والتينة” (1مل5: 5؛ زك3: 10)، أي بالراحةِ والسلام ” (المحيطُ الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم ، المكتبة البولسية، 2003، ص392). وعندما يخطأُ الشعبُ ويترك إلهَهُ يصيبً الجفافُ الكروم والتين (إر8: 13؛ هو9: 10؛ مي7: 1)، رمزًا لآنقطاع الثمر الروحي للشعب وجفاف حياته آلإيمانية.

ولثمارِها، خاصَّةً العنب والزيتون، صدًى مُهّمٌ وكبير في المسيحية. فعصير الكرمةِ، العنب ، يتحَوَّل الى دم المسيح في ذبيحة القداس، وزيتُ الزيتون يُستعملُ لأسرارالمعمودية و التثبيت ومسحة المرضى. أمَّا التين فأصبحَ في العهد الجديد، مع العنب ، علامة فارقة لصلاحِ المؤمن وبرِّه :” كلُّ شجرةٍ يدُّلُ عليها ثمرُها. فلا يُجتنى من الشوك تينٌ ولا من العُلَّيقِ عنبٌ ” (لو6: 44)؛ و” كلُّ شجرةٍ لا تُعطي ثمرًا جَيِّدًا تُقطعُ وتُلقى في النار” (لو3: 9). وقد ذكر متى التينة العقيمة التي لعنها يسوع لأنها لم تستجب لطلبه إذ لم تعطِهِ ثمرًا، رمزًا للشعب المختار الذي رفض الأيمان به، فسحبَ عنه الإختيار وآختارَ، بمثل الكرامين، كلَّ من يُثمر و من أيِّ شعبٍ كان (متى21: 18-19 ، 40-44).

فالمسيح يتواصلُ مع الوحي الألهي. هو الذي أوحى إلى الأنبياء أن يُشَّبهوا الشعبَ المختار بأشجارٍ مثمرة، وإيمانهم الفعَّال بثمارها، وأن الشجرة غير المثمِرة تُنبَذُ وتُقطع. وهو الذي جاءَ ” يشهدُ للحَّق”(يو18: 37) ويُنَّقي بيدَرَه (لو3: 12)، يُنَّفذُ الآن مُخَّططه رمزيًا ” فيضعُ الفأس على أصول الشجر” ويلعن الشعبَ الرافض له بشكل التينة العقيمة (متى21: 18-19 )، وينذر الذين يرفضونه بآستئصالهم إن لم يتوبوا ويُغَّيروا سيرتهم المهينة والخاطئة، و  يعترفوا به مُخَّلِصَهم الألهي، ولا يُسيئوا أكثر فيُعَّطلوا إيمان المؤمنين البُسطاء (لو13: 7). تعاملَ يسوع برمز التينة تواصُلا مع التقليد الكتابي ليُذَّكر الشعبَ أنه هو الذي يسلك طريق الشريعة والنبوءات، التي يتباهى بها القادة لكنَّهم لا يُعطون لها الأهمية ، بينما هو يلتزم بتحقيقها (لو24: 44). إسرائيلُ ” نبتةٌ مختارة أنحَطَّت وصارَت عقيمةً فآستحَّقَت أن يُدَّمرَها الله ..” (بولس الفغالي، إنجيل لوقا، جزء 2، دراسات بيبلية، 9، 1995، ص284).

مُـبَررُ إعطاءِ مثل التينة !

سبق مثلَ التينةِ حوارٌ بين يسوع ومجموعةٍ من الفضوليين طلبوا رأيه عن ” الجليليين الذين

قتلهم بيلاطس في الهيكل فخلط دماءَهم بدماء ذبائِحهم” هل كانوا أخطأ الناس ليُصيبَهم ذلك؟ . وذكَّرهم يسوع أيضًا بمن ” وقع عليهم البُرج في شيلوحا وقتلهم “. وكان ردُّه بأن دعاهم الى” التوبة ” قائلاً :” أقولُ لكم : لا ، ليسوا أخطأَ الناس. وإن كنتم لا تتوبون ، فستهلكون كُلُّكم مثلَهم ” (لو13: 3 و5). كُلُّهم خطأةٌ لأنهم لا يحفظون كلام الله ولا يعترفون بمرسله المسيح المنتظر. إنَّ ضلال الوثنيين أقلُّ جسامةً من ضلالهم. قال يسوع للصدّوقيين الذين ينكرون القيامة :” أنتم في ضلال عظيم ” (مر 12: 27؛ متى22: 29).

ثم ألقى يسوعُ مَثَلَه جامعًا معًا التينة والكرم. وفيه أولاً متابعة صاحب الحقل لمشروعه. فالله لم ينسَ شعبَه ولا أهمَله. وعليه يطالبُه بثمار، بسيرةٍ إيمانية مفروضة : “جاء يطلبُ ثمرًا على التينة “. هناك ثانيًا محاسبةٌ :” لم أجدْ عليها ثمرًا فآقطعها “. لم يزرعها للزينة بل لأعطاء ثمر. وما دامت عقيمة لا تستحِّقُ الحياة. وبالإضافة إلى ذلك إنَّها تُشغلُ مساحةً من الأرض. وهذا إساءةٌ تسَّببُ خسارة كبيرة. بقاؤُها مُضِرٌّ. لا يجوز. إذن لتَمُت وتهلك.

أصبحَ الشعبُ المختار عقيمًا لا ينفع، وبالإضافة يُسيءُ إلى الشعوب الأخرى. فعوضّ أن ” يكون نورا لهدايتهم الى الله” (اش42: 6) و”خلاصًا إلى أقاصي الأرض” (اش49: 6)،  لتحريرهم من ظلام عبادة الأصنام، صار هو ظلامًا حتى قال عنه الله :” من كان أعمى إلاّ عبدي، أو أصَّمَ كرسولي الذي أرسلتُه “؟ (اش42: 19). إنه التينة التي لم تُثمر، ويُعَّطلُ مسيرة البشرية. فأصابته لعنة الله ويبس فهلك. هذه تينة متى ( 21: 19).

أمَّا تينة لوقا فلم يطلبُ يسوع منها ثمرًا، ورفضته. لوقا لا يكتبُ لليهود والمتنصّرين منهم. بل يكتب لوثنيين متنصرين. وأمامهم خطر الأنزلاق الى طريق العقم. لقد بدأَ الأضطهاد  يضايقُ المسيحيين. أرهبهم التعذيبُ والتنكيل. وغيرُهم تأثروا بفلسفة العالم وإغراءاتِه. بدأُ البعضُ يزيغون عن الحَّق. لقد أصابَ العقمُ إيمانهم. لقد تنبَّأ عن ذلك معَّلمُه بولس: ” ذئابٌ خاطفة ستدخلُ بينكم بعدَ رحيلي، ولا تُشفقُ على الرَعّية. ويقومُ من بينكم أنتم أناسٌ ينطقون بالأكاذيب ليُضَّلِلوا التلاميذ فيتبعوهم. فتنَّبهوا ..” (أع20: 29-31). ولم يتأَّخروا. فيوحنا يشهدُ بذلك بعد أقلَّ من عشرين سنة ويُذَّكرُ راعي كنيسة برغامس :” عندك من يتبعون تعليم النيقولاميين الذي أُبغِضُه. فتُبْ وإلاّ جئتك عاجلا لأُقاتِلَهم ..” (رؤ2: 15).

فلِمِثْل هكذا ظرف، ولمن لم يؤمن به خلال السنوات الثلاث من بشارة يسوع، نقل لوقا هذا المثل طالبًا من الرب أن يتمَهَّل على شعبه المسيحي:” أُتركها هذه السنة أيضًا “. دَعْها لزمن الكنيسة عسى ولعَّلَ بعضَهم يتوبون، على يد رسل كلِّ الأزمان، يعترفون بسيادة الله، و يُغَّيرون سلوكهم فيؤمنوا ويكون إيمانهم حَيًّا نشِطًا، :” دعها حتى أُقَّلبَ التربةَ حولَها و أُسَّمدَها “. وإن لم يتغَّيروا ولم يحفظوا كلام الله، عندئذٍ ” تقطعُها “، تُحاسبُهم وتُهلكُهم. إنَّها المُهلة الأخيرة، سنة الكنيسة، يوَّفرُها الله للأنسان كي يؤمن به ويسلك طريقه. وهو تحذيرٌ وإنذار للمسيحيين بألا يُهملوا تعليم الرَّب ولا ينقادوا لأفكار أهل العالم وإغراءاتِه. لا ينشغلْ تلاميذ المسيح بِـدينونةِ الآخرين ” مَن هو الخاطيء” ومن ” هو الأخطأ “، بقدر ما لِـيهتَّموا بآتباع المسيح ، والتوبة عن أخطائِهم وإصلاحها، ليقوا أنفسهم من الشر و” لا يتخَّبطوا في الضلال” (يو8: 12). ليجعلوا من أنفسِهم ” نورًا للعالم ” (متى5: 14).

فليس المثلُ دينونةً بل نصيحةً للحياة في حمى الله وشريعتِه. ليكُن إيمانُهم مُـثْمِـرًا.