أهلا وسهلا بالأخ ريبوار ايليا داود الشقلاوي.
أسـئلةٌ وجيهة لا تخطرُ إلا ببال من يهتمون بأمرِ إيمانهم طرحها ريبوار وهو يعلم أنَّ كثيرين سينتفعون بها. كانت الأسئلة كالآتـي :
1- من أينَ أتى يوحنـا المعمـدان بالمعمـودية ؟
2- هل كان اليهـودُ يُعَّـمــدون ؟
3- لماذا إعـتمدنا نحن إن كانت المعـمودية من يوحنا وليس من يسوع ؟
4- لأنَّ يســوع لمْ يُعَّـمد على علــمي ؟
من أين جاءَت المعـمودية ؟
جاءَ في إنجيل يوحنا أنَّ الفريسيين بدأ يخامرهم الشك حول هوية يوحنا ابن زكريا الذي كان ” يعظُ بمعمودية التوبة لغفران الخطايا. وكان يخرجُ اليه أهلُ بلاد اليهودية كلها وجميعُ أهل أورشليم ، فيعتمدون على يده في نهر الأردن معترفين بخطاياهم “(مر1: 4) فأرسلوا من يستقصي أخبارَه لعله هو المسيح المنتظر. ولمّا ردَّ أنه ليس المسيح اعترضوا عليه قائلين : ” فلِـمَ تُعَّمد إذن “؟ (يو1: 19-27). وقد يدُّلُ هذا على أنَّ اليهودَ ، أقله في زمن المسيح ، كانوا يمتلكون فكرةً عن المعمودية ولا ينفون ، إن لم يكونوا يتوقعون ، أنَّ المسيحَ سيُعَّمدُ. ومن جهةٍ ثانية يوحنا أكَّدَ لوفد الفريسيين بأنَّ الله أرسله ليُعَّمدَ حتى ينكشفَ المسيحُ على يده و يُعلنه للعالم (يو1:31-24). إذن حتى لو لم يكن يوحنا قد تعلمَّ المعمودية على يد سابقين عليه يكفي أنه أتى بها من الله الذي كلفَه بالتعميد في الأردن.
مع ذلك يبقى تاريخيا معروفًا أنَّ يوحنا أخذ المعمودية من الحركة الروحانية التصَّوفية ، المعروفُ أصحابها وأعضاؤُها بالأسيّنيين ، التي ظهرت قُبيل اقتراب زمن مجيء المسيح وقوامها عيشُ العوائل في البرية في شبه مجموعات نسكية على ضفافِ مياه الأنهر، لاسيما الأردن ، يتمَّيزون بطقوس عبادية من صلاةٍ وتوبةٍ بهدف تنقية الذوات ، فكرًا وقلبًا وروحًا ، استعدادا للتعَّرف على المسيح ، عند ظهورِه ، لأنه سيكون نبيا ومنقذا روحانيا من قيود الشر قبل قيد الاستعمار. وكانت المعمودية أهم طقس في حياتهم بعد التأمل في نصوص الكتاب المقدس. كان لهم مُعَّلمٌ يُرشدهم الى استجلاء تعليم الله من خلال حرف نصوص الكتاب. وكانوا يعتمدون في مناسباتٍ كثيرة معبرين بها عن توبتهم بالإقرار بأنهم خطاة. وغسل الماء يرمز الى الرغبة في التنقية. إنَّ بقايا تلك الحركة و ورثتها هم ” الصابئة المندائيون “، ويعتبرون يوحنا نبيهم. ويؤكدُ متى أنَّ يوحنا كانَ يُصّرُ أنه يُعَّمد للتوبة فقط ، أي يغسلُ هو أجسادهم ليتوبوا هم ويُنّقوا نفوسهم من الخطايا ليغفرَها اللهُ لهم. بينما غفران الخطايا فقد عزاه يوحنا الى المسيح الذي سيُعَّمد في الروح القدس والنار(متى3: 11).
اليهود والمعمودية !
نظرا الى الديانة اليهودية وتعاليم الكتاب المقدس الرسمية تبقى المعمودية غريبة. لا يُشير اليها لا سفرٌ ولا نبيٌّ. عدا ما جاءَ في إليشع الذي أرشدَ نعمان السوري بالاغتسال في نهر الأردن سبع مرات ليشفى. فعل ذلك وشفي فعلا من برصه (2مل 5: 9-14). ولكنه مذكور في الأنجيل أن اليهودَ كانوا يستعملون غسل الأيدي حتى المرفق قبل الأكل كطقس تطهيري من دنس يكون قد التصقَ بهم (مر7: 3-4). بما يعني أنهم استعملوا الماء ، بوعي أو عن عادة ، للتعبير عن التوبة والتنقية.
معموديتنا : هل هي من يوحنا أم من المسيح ؟
أن يكون الروح قد أوحى الى البشر باستعمال الماء كرمز للتوبة والتنقـية فهذا لا جدالَ فيه. لأنَّ المعمودية لم تظهر من نفسها ولا أوحى بها العالم أو إبليس. أكثرمن ذلك نقرأ عند مار بطرس بأن الله نقَّى البشرية بالطوفان وغسلها من فساد الشر فنجا الأبرار بالماء ، ” و المعمودية التي يرمز اليها الفلك تنجيكم أنتم أيضا “(1بط3: 20-21). فالمعمودية من إيحاء الله نفسه حتى كَّلـفَ يوحنا نفسَه أن يُعمد. والمسيحُ ليس سوى الله نفسه ،لأنَّ ” من رآه رأى الله ” (يو14: 8). فحتى لو كانت معموديتنا ترتقي الى يوحنا تكون بالتالي عمل الله موحى الى الإنسان.
مع ذلك إنَّ معموديتنا نحن من يسوع المسيح. لأن جماعة الرسل أو الكنيسة لم تنطلق ، في حياتها ورسالتها ، بأمر يوحنا أو استنادا الى تعليمه. بل أرسلها يسوع وزوَّدها بكل تعليم. وإضافة الى ذلك يخبر سفر أعمال الرسل بأنَّ تلاميذ كثيرين من المؤمنين الأوائل كانوا قد تعرفوا على معمودية يوحنا فقط وقبلوها. ولما سمعوا بمعمودية يسوع اعتمدوا من جديد باسم يسوع. هذا جرى على يد بولس في أفسس فيقول :” عمَّد يوحنا معمودية التوبة ، داعيا الشعب الى الأيمان بالذي يأتي بعده ، أى بيسوع. فآعتمَدوا عند ذلك بآسم يسوع” (أع19: 1-7).
مع ذلك إنَّ معموديتنا نحن من يسوع المسيح. لأن جماعة الرسل أو الكنيسة لم تنطلق ، في حياتها ورسالتها ، بأمر يوحنا أو استنادا الى تعليمه. بل أرسلها يسوع وزوَّدها بكل تعليم. وإضافة الى ذلك يخبر سفر أعمال الرسل بأنَّ تلاميذ كثيرين من المؤمنين الأوائل كانوا قد تعرفوا على معمودية يوحنا فقط وقبلوها. ولما سمعوا بمعمودية يسوع اعتمدوا من جديد باسم يسوع. هذا جرى على يد بولس في أفسس فيقول :” عمَّد يوحنا معمودية التوبة ، داعيا الشعب الى الأيمان بالذي يأتي بعده ، أى بيسوع. فآعتمَدوا عند ذلك بآسم يسوع” (أع19: 1-7).
الذي وقع بين الرسل حول فرض الختانة أولا على الوثنيين المتنَّصرين و يدافع عنها يعقوب أسقف كنيسة أورشليم ، أم التخلي عن الختانة و الأكتفاء بالمعمودية وكان رافع شعارها بولس وبرنابا من كنيسة أنطاكية. ونعرفُ كيفَ طفت المعمودية وغرقت الختانة (أع 15: 1-29).
يسوع : عَّـمَدَ ! أم لم يُعَّـمد ؟
سؤال جريء. وحتى نجد له الجواب يجب العودة الى الأنجيل، كما في كل شَّك أو إختلاف ونقرأ بتمعُّن. هناك نصٌّ صريح بأنَّ يسوع عمَّد: ” ذهبَ يسوع وتلاميذه بعد ذلك الى أرض اليهودية، فأقام فيها وأخذ يُعَّـمد “(يو3: 22). بل حسَده بعض تلاميذ يوحنا الذين لم يتبعوا يسوع فتشكوا منه ، وكأن المعمودية حكرٌعلى يوحنا ،قائلين : “رابي ، هوذا الرجل الذي كان معك في عبر الأردن وشهدتَ له، يُعَّـمدُ ههنا ، ويذهبُ اليه جميعُ الناس ” (آ 26). كما عرفَ يسوع أن الفريسيين تلقوا خبرا مفاده ” أنه إتخذ تلاميذً ، وعَّـمَدَ أكثرَ مما إتخذ يوحنا وعَّـمد “(يو4: 1).
لا يدعُ النصُّ شـكا بأنَّ يسوع ” عَّـمَـدَ “. ولكن الآية التالية (آ 2) ، والتي هي شرحٌ بين قوسين ، تقول :” مع أن يسوع لم يكن يُعَّمد بل تلاميذُه “. قد يعتبرها البعضُ ضربة قصمت ظهر البعير!. كلا. لا يمكن ليوحنا أن يُضادد نفسَه. وكما أشرنا أعلاه أن مغزى هذه العبارة هو الأشارة الى أنَّ يسوع درَّبَ تلاميذه على المعمودية. أكيدا لم يكن التدريب على كيفية نزول التائب الى النهر أو سكب الماء عليه. كان تلاميذ عديدون يعرفون ذلك إذ كانوا تلاميذ يوحنا (يو1: 35-42). بل وكانوا قد نالوا المعمودية من يد يوحنا. وإذا أصَّر يوحنا فذكر أنَّ يسوع عَّمـد فلا بد وأنه يريد أن يُفهمنا أن يسوع غيَّرَ مفاهيم طبيعية المعمودية وكيفية إلقيام بها بموجب التعليم الجديد الذي سيتلقونه على يده. فليس غريبا أن يكون يسوع قد عمَّد أقله عددا من التائبين ليُعلم الرسل ثم دعاهم الى أن يُعمدوا بإشرافه ليتمكنوا من المهمة.
وليس هذا الأمرغريبا على يسوع. ومنه تعلمت الكنيسة أن تُثقف كهنتها وتدَّرب رسلها قبل أن تسَّلمهم مهمتهم الراعوية. أما هكذا فعل يسوع عندما أرسل مرة ً الرسل الأثني عشر( متى 10: 1-42) وأخرى التلاميذ الأثنين والسبعين (لو10: 1-16) مزودا إياهم بالتوصيات والتعليمات حتى يتأهبوا ويتأهلوا للتبشير بشكل مثمر. فما المانع أن يكون يسوع قد فعل ذلك للمعمودية أيضا فدَّربهم على ممارستها بشكل روحي معطيا لهم المثل في ذاته.
موجز الكلام يؤكدُ الأنجيلُ أن يسوع عمد كان ذلك لأداء خدمة مثل يوحنا أو لأعطاء نموذج عن المعمودية في العهد الجديد. أو حتى للأشراف فقط على عمل الرسل. يبقى أنَّ هؤلاء لم يكن بوسعهم أن يبادروا الى تبَّني هكذا مشروع لأنهم لم يكونوا سوى تلاميذ تابعين يتثقفون على يديه. وأى تلاميذ ” قليلي الأيمان وقساة القلب ” في التعلم (مر16: 14؛ لو24: 25).
لمـاذا اعـتمدنا ؟
لقد إعتمدنا لننتميَ الى المسيح. وإذا إنتمينا اليه ننعم بثمار خلاصه فيغسلنا بقوة روحه القدوس عن آثار الخطيئة التي شَّوهنا بها ابليس ، ونقدر من جديد أن نتمتع بحضور الله معنا ونتهَّـنأ بالحياة. أما قال يسوع :” من آمن وآعتمد يخلص “(مر16:16). لقد آمنا بالمسيح أنه وحدَه يضمن لنا الحياة الأبدية فآنتمينا إليه لنستفاد من مبادئه وعونِه. لقد وضعنا عمادنا على درب الذي يقود الى شجرة الحياة فسَّهل لنا مسيرتنا و وَّفرَ علينا كثيرا من جهد البحث ، كما يسَّرَ لنا إدراكه وآتباعه.