أهلا وسهلا بالأخ أبو ستيفن عماد سعدالله
سمع الأخ أبو ستيفن تشكيَ صديق له فطرحه علي لعله يخدم بذلك صديقه ،حسب قوله، وكنيسة المسيح في السويد، قال : كان الكاهن في العراق يزورهم مرات كثيرة في السنة ، دون إعلام مسبق، وكانوا ينتظرونها ، في وقتها وفي غير وقتها، بشوق وسرور. لأن الزيارة كانت بركة وتثقيفا وتسلية. أما هنا في السويد، حيث هو من سنين، فلم يطرق الكاهن بابه ولو مرة واحدة. فتســاءَلَ :
# هل أبعث للكاهن بطاقة دعوة رسمية لزيارة بيتي ؟ وأضاف :
## مع العلم هذا واجبه ان يزور رعيته حتى بدون إعلام أو موعد مسبق ؟
### أما واجبه أن يمَّددَ زيارته لكل رعيته ، أم يقتصر على زيارة الأغنياء ؟
وأنهى أبو ستيفن روايته : وجَّرَ حسرة ً قوية ، وقهقه ، وتركني في حيرة !!!
كنتُ مريضًا ولم تزوروني !
لم يتطرق المنتقد الى زيارة المرضى. بل تناولها بشكل عام. المهم أن السائل يتطرق الى الوضع في العراق ويقارن به الوضع في السويد. في العراق كانت لنا كنيسة ترتقي جذورها ومؤسساتها الى قرابة الفي سنة. كانت الكنيسة منظمة لها أساقفة وكهنة وأبرشيات و رعايا أو خورنات. لكل رعية كنيستها وكاهنها الخاص بها وحدودها المرسومة بحيث لا تتجاوز مسؤولية الكاهن رعيته التي نادرا ما تجاوزت الـ 5000 مؤمن أى ألف عائلة. بل كانت بعض الرعايا لا تتجاوز أفرادها مئة عائلة. وحتى عرفت أبرشيات تحتضن في خيمتها مائة عائلة!. وكانت ابرشيات تعد ألف عائلة ولها أسقف وأربعة كهنة!.
أما السويد فلم تثبت فيه الجالية إلا منذ35 سنة فقط. وكان أبناء الجالية، ولا زالوا، منتشرين من شمال البلد الى جنوبه ومن شرقه الى غربه، ولم يكن لهم سوى كاهن كلداني واحد الى قبل عشر سنوات. والآن يفتخر السويد أن له خمسة كهنة يخدمون أكثر من عشرين ألف كلداني، أكثر من خمسة ألاف عائلة، يتوزعون على خمسة مراكز رسمية وكل مركز يشمل خمسة أو ستة محافظات ما عدا ستوكهولم. ومحافظة ستوكهولم وحدها تجمع حوالي الفي عائلة منتشرين في عرض المحافظة وطولها يخدمها كاهنان، يضطران الى مساعدة بقية الكهنه الذين تزداد سعة رقعة خدمتهم فلا يلحقون. تنتشر الخدمة المقدمة من قبل الكهنة الى 16 مركزا بالأضافة الى تقديم خدمات جانبية للتجمعات القليلة عند الحاجة. وعليهم أن يؤمنوا القداديس والعماذات والزواجات والدفنات والتعليم المسيحي والتناولات ، الى جانب نشاطات روحية وأجتماعية أخرى أو ثقافية، كالمخيمات والمهرجانات والندوات.
أكتبُ هذا ليعرف السائل الكريم أن وضعنا هنا ليس كما في العراق. وحتى يقدر الكاهن أن يزور رعيته ولو مرة كل خمس سنوات نحتاج الى خمسة أو ستة كهنة إضافيين. أنا أعرف وكل الآباء الكهنة متفقون معي أنَّ لزيارة الكاهن نفعًا كبيرًا لاسيما من ناحية الثقافة الدينية والتراثية وتوثيق عرى المحبة بينه وبين الرعية وبين أبناء الرعية أنفسهم. وأن يرغب و يشتاق الأبناء الى لقاء ابيهم الروحي لهو كنز وغنى. لكن الثقافات الغربية تختلف عن الثقافة الشرقية و تحتلف معها سبل آقتنائها وعيشها. فبينما المجتمع الشرقي أتكالي وفضولي و يبرز فيه دور القائد او المسؤول نرى الغربي تحكم فيه استقلالية الفرد وآهتمامه بتثقيف ذاته وتدبيرأموره أكثر من الأتكال على الآخر. الشرقي يسمع الأخبار وقلما يقرأ أما الغربي فهو يقرأ ويقرأ. الشرقي ينتقد ويتدخل في ما لا يعنيه ويدين والغربي يهتم أن يتعلم ولا يتفاضل في حياة غيره بل يبني حياته الخاصة على صخرة الفكر لا العادة والتقليد. وليس كلُ ما نملكه من فكر وتراث إيجابيا ننقله معنا الى الغرب. كما ليس كل ما في الغرب ذهبا نركض وراءَه. ولكن الغرب يعلمنا أن لا نستفيض في الأنتقاد ولا نضيع وقتا طويلا في الأدانة بل أن نفكر جيدا ونتأمل مليا بواقعنا ونجد حلولا لصعوباتنا وطرقا بها نحقق آمالنا وأحلامَنا. فزيارة الكاهن مثلا حلوة وجيدة جدا ومرجُّوة. ولكن هل عرفنا أولا وضعه وإمكاناته؟. وإذا تعَّذرت زيارته ألا توجد طرق أخرى للقاء الكاهن والجماعة؟. هل تحاورنا مع الكاهن بهذا الخصوص؟. هل علم برغبتنا وشوقنا ، وعرفنا أن له إمكانية القيام بتلك الزيارة أو كيف نسهل الأمور لتحقيق هذا اللقاء؟.
أتحدث عن خبرتي : تمَّرضَ مؤمنون ودخلوا المستشفى وأجريت لهم عمليات ولم يُخبرني أهل المريض ، ولم اعرف الخبر إلا صدفة، بعد حوالي خمسة أشهر، وبنوع من عتاب؟. مع أني أعلنت في الكنيسة مرارا وطلبت إعلامي بالمرضى لأزورهم وأخدمهم ككاهن. و أتعس من هذا مات أناسٌ بعد صراع مع المرض والمعالجات ولم أعرف إلا بوفاتهم وبعدها بساعات بعد أن إنتهت كل الأجراءات القانونية، وعندما أحسوا أنهم بحاجة ليعرفوا ماذا يفعلون بعده من ناحية المراسيم الدينية؟.
أما عن زيارات عامة فلا أوافق أولا، ويؤيدني على ذلك القاصي والداني، بأن تأتي فجائية دون علم مسبق. لأنَّ الوضع الأجتماعي لا يتحمل زيارات مفاجئة ولأسباب كثيرة، منها : تواجد رب البيت خارجا في الشغل الى ساعة متأخرة ، وآنشغال العائلة في الخدمة المنزلية وتوفير حاجاتها ، وعدم إمكانيتها إستقبال زوار مفاجئين. وقد حدثَ وآنزعج البعضُ و آنحرجوا لزيارة الكاهن التي كانت معلنة مسبقا لتلك المنطقة مع تحديد الوقت لبدء الزيارة في الحي. وكان يستحيل تحديد الساعة الدقيقة لزيارة كل عائلة. كان ينتقل من بيت الى بيت في نفس العمارة ومن عمارة الى أخرى في نفس الحي. مع ذلك لم يرتح الكل اليها. لأن كل واحد كان يريد أن تطول الزيارة وأن يتناول الكاهن ومرافقه لقمة أو مرطبا، ورفض الكاهن ذلك مسبقا كي يقدر أن يزور أكبر عدد من العوائل. ولم يفلح مع ذلك بزيارة نصف الرعية خلال سنة تقريبًا.
بجانب ذلك : للوالدين شغل خمسة أيام في الأسبوع ويرتاحون في السبت والأحد، ويمكن أن يستقبلوا في تلك الأيام زوارا أو يزوروا أهلاً وأصدقاء. والكاهن مشغول بخدمته في هذه الأيام بنوع إضافي أكثر من أن نتصوره. عدا الدفنة كل الخدمات الأخرى تطلب من الكاهن أيام السبت أو الأحد. وهو عليه في تلك الأيام أن يوفر القداديس في كنائس عدة ومتباعدة.
والمؤسف المؤلم أن ابناء الجالية يكونون قد حجزوا قاعات وثبتوا موعد الزواج قبل أن يتصلوا بالكاهن. فتتضارب أحيانا مواعيد الخدمات والكاهن عليه عندئذ ان يحاول فيحل مشكلتهم التي تتحدى كل تنظيم إداري لخدمته. وكم يحدث ويغَّير المؤمن موعد الخدمة التي طلبها. وهكذا يضيع وقت الكاهن ولا يقدر أن يخدم كما يريد وكما كان يقدر لو تم التعامل معه بشكل منظم ومطلوب. وكان يقدر أن يخصص وقتا للزيارات يحترمه الكل.
دعوة رسمية ، من ضمنها الأكل ؟
لا أكتب هذا لأبرر كل الكهنة. ولا أعتقد أن التهمة ” الجوكرية” العالمية الملصوقة بهم بتكثيف الزيارة للأغنياء هي دوما صحيحة. لا يحق لنا أن نعَّممَ الأخطاء. أن نشَّخصها. نعم. أن نحاول إيجاد الحلول الأمثل. نعم. أما أن نُشَّهر أو نتهم زورًا فلا فقط لا نحل المشكلة بل نزيد الطينة بلة. من حق كل مؤمن أن يصبو الى زيارة الكاهن ويشتاق اليها. ولكن أن يُلصقَ التهمةَ بالكاهن بأن من واجبه أن يزور، في وقته وفي غير وقته، فهذا لا أعرفُ من أين إستلهمه الأخ المنتقد؟. الرب يسوع أقام زيارة المرضى والمسجونين واجبا أخويا لتقوية معنوياتهم ولتقديم خدمة روحية لهم. أما الأصحاء والمتنعمون في القصور فما هي حاجتهم اليه؟. أن يتثقفوا؟ ليقرأوا الكتاب وليداوموا على الدروس الدينية وليقرأوا الكتب والمجلات الروحية. أ ليس لهم وقت لذلك؟. ليقللوا من متابعة المسلسلات والأطلاع على الأنترنيت ويُخصصوا في العائلة وقتا للصلاة والمطالعة الأيمانية. ماذا يريدون؟. أخبارا عن الماضي وتأريخ الأمة أو الكنيسة؟. يجدون منها في بطون الكتب أكثر مما في رأس كاهن واحد. هل يُصبح الكاهن عالما كونيا ليتجاوب مع كل حاجات الناس؟. إن كان الأمر كذلك فلماذا أعطى الله العقل والفهم لجميع الناس كالكاهن، بل أحيانا أكثر منه؟. ولماذا يرفض الناس الثقة بكرازة الكاهن بينما يميلون الى تصديق أقوال الجرائد والفضائيات؟.
و إذا كان حضور الكاهن في البيت بركة، فخدمته في الكنيسة للقداس والتعليم بركة فوق بركة. أنه يحاول أن يجمع المؤمنين حول المسيح ، وحسب توصيته، ليتثقفوا ويتقدسوا. و من ناحية أخرى لنفترض أن الكاهن مقصر أو مخالف فهل إنتقاده يحل المشكلة؟. أم حل المشكلة يتطلبُ حوارا معه ثنائيا وجها لوجه. وإذا لم ينفع فنستعين بآخرين. وإذا لم يفلح فالكنيسة هي المرجع الصحيح للتنبيه وحتى لتصحيح الخطأ. أما هكذا يعلمنا المسيح؟ أ ليس ذلك واجبُ الكل؟(متى 18: 15-17).
لا أكتب لألوم الناقد. لا. بل أنقِدُه كأخ وأقول: من هو قدوتنا ومثالنا ومعلمنا : هل الكاهن أم المسيح؟. هل يقصر الكاهن في أن يعَّرفنا بالمسيح؟. أما سلوكه فهل مطلوبٌ منا أن نحاسبَه وندينه أم أن نتعاون معه للشهادة للمسيح؟. مطلوب من كل مسيحي أن يكون شاهدا للمسيح. مطلوب من كل مسيحي ألا يدين الآخرين. مطلوبٌ من كل مسيحي ألا يقتديَ بالأشرار أيا كانوا بل بالأبرار والقديسين. مطلوبٌ من كل مسيحي أن يستثمر نعمة عماده فيبنيَ ملكوتَ المسيح على الأرض. مطلوبٌ من كل مسيحي أن يُشَّخصَ أمراضَ مجتمعه ومواطنيه حتى يعالجها لا حتى يشهر بها ويهملها تقيحُ. مطلوبٌ من كل مسيحي أن يبحثَ ويسألَ ويسمع ويتبادل الخبرة ويتضامن مع الآخرين لتحقيق العدالةِ. نحن بحاجة أينما كنا، لاسيما في بلاد الأنتشار، أن نتكاتف بجهد جماعي لبناء الأنسانية. مطلوبٌ من كل مسيحي أن يُخرجَ أولا الخشبة من عينه قبل أن ينظر فيرى كيف يُخرج القذى من عين أخيه (لو6: 41-42). بدلاً من أن نُـنَّصبَ أنفسنا قضاة نحكم مثل البشر(يو12: 47) لنتعلم من يسوع ألا نحكم على أحد مثل الله (يو8: 15)، وأن ” يتواضع كل واحد منا ويَعُدَّ غيرَه أفضلَ منه (في2: 3).