رأي الكنيسـة في الألــم !

أهلا وسهلا بالأخ فادي سركيس

سأل الأخ فادي عن ما هو رأي الكنيسة في الألم ، قال :

# هل تُحبُه تبَعًا لقول المسيح: إحمِلْ صليبَك كل يوم وآتبعـني ؟

## أم ترفُضه إيمانا منها بأنَّ المسيح لم يأتِ ليتألم ، خاصة وسأل أباه أن ينقذه منه ؟

### كيف يمكننا شرح هذا التناقض ؟

محَّـبة الألم !!

لا أحدَ يُحِبُ الألم. ولا أحدَ يطلبُه. بل يقبله أو يرفُضُه. حتى في حالة الأستشفاء وأخذ علاجات مؤلمة بوعي وإرادة ، فليس ذلك محبة بالألم نفسه بل طلبًا لذلك الألم الآني و القسري وتحَّمله للتخَّلص من ألم آخر أشدَّ منه وأقسى وأطول. لم يطلب المسيح من المؤمن به أن يصنع لنفسه صليبا، يحمله على كتفه ويدور به أزقة مدينته. ولمَّا قال” إحمِلْ” صليبَك دعاه بذلك الى قبول الضيق والشدة من أجل الأيمان دون الرد عليها أو التهَّرب منها . ليس الألم شيئا قائما بذاته. إنه مرتبط : إما بجرح أو مرض أو علاج أو مشكلةٍ أو تهمةٍ أو ظلمٍ أو حكمٍ أو فشل أو نقص رمز يسوع الى كلَّ ذلك بِـ”صليبٍ” كالذي حمله هو عن براءة. يسوع نفسُه لم يطلُب أن يُصلب حتى يتألم. بل تألم بسبب صلبه لِمَا عاناه من تعب شاق وآلام قاسية وإهانات مخزية. لقد حمله بسكوت ورضًى لا لأنه راضٍ به وفرحان. بل لأنه واجبٌ من أجل خير أعظم.

كان بوسع يسوع لو شاءَ أن يبيد أعداءَه ويُحَّطم الصليب. لكنه كان بذلك سيؤذي آخرين. و الأذية شر. ولو رفض الصليب كان سيعمل بإرادته ويعصى إرادة الله الذي طلبَ التكفيرعن خطيئة الأنسان. ويسوع إبن الأنسان الذي رفض طاعة الله. وكان يجب ان يطيع فيتحَّدى رغبتَه الشخصية حتى يطيع الله عن قناعة ورضى ويكَّفر عن خطيئة جنسه البشري ويُعَّلمه بذلك أن طاعة الأنسان لله واجبة كطاعة الطفل لوالده. يسوع لم يحب الألم لذاته. لم يكن إنسانا ساديا حتى يلتذ بتعذيب الآخرين له. بل رفض للأنسان حق تأليم الآخرين وتعذيبهم. فآعترض على الذي ضربه في المحكمة وهو لم يُخطِيْ في الجواب، ولا كان لضاربه حقٌ بفعلته. قال المسيح لله، عندما طلب التكفيرعن خطيئة الأنسان، “ها أنذا أتٍ لأعمل بمشيئتك ” (عب 10: 7). إقتضت المشيئة الألهية ذبيحة إرادة وحب لعودة الأنسان الى نعيم فردوس الله. ويسوع خضع للمشيئة الألهية مُضحيا بمشيئته متحملا النتيجة حاملا صليب التضحية وساكتا على الألم الذي قاساه دون تذمر أو تشَّكٍ.

ومنذ قبول يسوع بالمشيئة الألهية أعطى الدرس للبشر أن ليس كل ألم شرًا. بل تكون بعضُ أشكاله خيرًا. لأن الأنسان يتعلم أن يتصرف بحسب طبيعته فلا يقاوم ما لا مشيئة له فيه ولا يؤلمُ غيرَه. لأن الحياة مُلك الله، والله يريدُ الراحة للكل، ولن تتحقق تلك الراحة إلا بالرضوخ لمشيئة الله وهي عدم المقاومة بالقوة والعنف ضد الشر بل الأنتصارعليه بالبر والخير.ولهذا طلب يسوع من أتباعه أن يحملوا مثله صلبان الآلام والظلم بصبر وحكمةٍ. ومن لا يقتدي بيسوع لن يكون تلميذا حقيقيا له. بالألم تم الفداء وبالألم نكمل نحن ايضا على مثال يسوع خلاص العالم حاملين صلباننا. فقد قدَّس يسوع الألم البريء وأعطاه قوة وفاعلية كبيرة عند الله به نغيث الآخرين. لهذا يقول الرسول: ” أعاني من أجلكم وأُتِمُّ في جسدي ما نقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة “(كو1: 24). فبآلام المسيحيين ودمائهم المسفوكة بوعي ورضى من أجل المسيح نمت الكنيسة وكثر المؤمنون وآنتشر لواءُ الحق. لذا يشجّع الرسول تلميذه قائلا :” إشترك بآلآلام من أجل البشارة متكلا على قدرةِ الله” (2طيم 1: 8).

هل رفض المسيح أن يتألم ؟

كلا. لا يبدو ذلك صحيحا حتى وإن كان قد قال :” يا أبتِ نجّني من تلك الساعة”!. علينا قراءة الأنجيل بتمعن ودقة. لأن الآية جاءت كالآتي بعد أن أخبر بموته الوشيك، قال: ” الآن نفسي قلقة. فماذا أقول؟. أ أقولُ يا أبتِ نجني من تلك الساعة؟ ولكني لهذا جئتُ”(يو12: 27 ). إنه سؤال تفكيري لا طلب نهائي. يؤكد يسوع أنه جاءَ ليتألم. وأكرر لا لأنه يلتذ به ولا لأنه مُجبَرٌ عليه. كلا. فقد سبق وصرح أنه يبذل حياته بكامل حريته :” لا أحد ينتزع حياتي مني، لكني أبذلها برضاي” (يو10: 18). ولكن لكي ينال للبشرية خيرا أعظم وينقذها من عذاب أقسى وأمر. كان الألم طريقا الى مجده هو (لو24: 26). وكان مجده ضمانا لخلاص إخوته (رم8: 29). وقد أكد يسوع بنفسه أنه لا فقط لم يرفض الألم بل كان يجب ” أن يتم كل ما كتبَ في مصيري…لقد كتبَ انَّ المسيح يتألم ويقوم.. ويُدعى بآسمه”(لو24: 44-47) .ولهذا أيضا منع يسوع بطرس من الدفاع عنه وكأنَّ ابليس يستغل غيرة بطرس ليمنع موت يسوع فلا يتحقق تحريرالأنسانية من قبضةِ قيده (متى 16: 23؛ 26: 52).

وعلى خطى يسوع وطاعة لوصيته بحمل صلباننا لا فقط لا ترفضُ الكنيسة الألم بل تدعو المؤمنين الى الأقتداء بيسوع وأن نرتفع عن أحاسيسنا البشرية المحضة وللتصرف حسب روح المسيح نفسه روح التواضع والمحبة التي ” لا تفعل السوء .. ولا تبالي ما ينالها من السوء، ولا تفرح بالظلم .. وتعذر كلَّ شيء، وتصَّدقُ كل شيء، وترجو كل شيء، وتصبرُ على كلِ شيء”(1كور13: 5-7)، و روح القوة ايضا. المسيحي مُضطهَدٌ بسبب إيمانه. و على التلميذ أن يكون مثل معلمه (لو6: 24-25؛ يو15: 20)، ويتخلق بأخلاقه (في2: 5). ولهذا مطلوبٌ منه أيضا أن يتألم شاهدا على الحق، لأنه ” قد أُنعم عليكم لا أن تؤمنوا فقط بالمسيح بل أن تتألموا أيضا من أجله ” ويعطيهم بولس في نفسه مثالا على ذلك(في1: 29-30). والكنيسة مؤمنة ، كما قال الرسول، بأن كلَّ ما يحدثُ للأنسان يسمح الله به ،” لأنَّ الله يُسَّخرُ كلَّ شيء لخير الذين يحبونه”(رو8: 28). والله يحب المؤمنين به (يو16: 27).

هل يوجد تناقضٌ ؟

لا أعتقد، بعد الأطلاع على كل هذه النصوص، بأنه يوجد تناقض في مواقف يسوع أو أقواله، وبالتالي في تعليم الكنيسة حول الألم. إنه جزءٌ من عقيدتنا لا لذاته بل لنتائجه وهو طريق مجدنا كما بالصليب تمجَّدَ يسوع ودعا آلامه ” ساعة المجد “. ولهذا لا يتردد مار بطرس في وصيته :” من الحظوةِ أن يكابد المرءُ المشَّقات ويتحمل ظلمها في سبيل الله… لمثل هذا قد دعيتم. إنَّ المسيح تألم من أجلكم وجعل لكم من نفسه قدوة لتقتفوا آثارَه.. تألم ولم يُهَّدد أحدًا. بل أسلم أمرَه الى من يحكمُ بالعدل ..”(1بط2: 19-23). يتابع الرسول كلامه:” طوبى لكم إذا تألمتم في سبيل البر.. وخيرٌ لكم أن تتألموا وأنتم تعملون الخير، إن شاءَ اللهُ ذلك، من أن تتألموا وأنتم تعملون الشر”(1بط3: 14-17). وينهي حديثه عن الألم داعيا المتالمين الى الفرح :” إفرحوا بقدر ما تشاركون المسيح في آلامه.. وإذا تألم أحدكم لأنه مسيحي فلا يخجل بذلك، بل ليُمجد الله على أنه يُدعى بهذا الأسم”(1بط4: 13-16). وسبق فأعطى بطرس المثل على ما يعلمه وفرحَ بأن اليهود جلدوه مع رفاقه إذ حسب أنه وُجِدَ بذلك أهلا لأن يلقى الهوان من أجل المسيح (أع5: 40-41). أى إفتحر بالألم ، كما سبق وآفتخر بولس بيسوع مصلوبًا (غل6: 14) وأنه لا يعلم ولا يُعَّلم غير يسوعَ مصلوبًا (1كور1: 23؛ 2: 2).

القس بـول ربــان