أهلا وسهلا بالأخ عمــاد أيــاد.
قرأ الأخ عماد قصة شمشون وتركت عنده تساؤلات ، هي :
*|/ هل قصة شمشون صحيحة %100 أم فيها تعابير مجــازية ؟
**||// ما هي رسالة الله لنا من خلال هذه القصة ؟
قصَّـة أم تأريخ !
يميلُ البشر عادة الى عدم تصديق ما لا يستسيغه ذهنهم. فينعتون بأسطورة أو بنسج خيال ما لا يحدث أمام عيونهم ، أو يرونه ضربا من تأليفٍ أدبي محض لا يتعَّدى من أن يكون قصَّة تُروى للأطفال لتسليتهم. قصة شمشون هي مثل بقية القضاة أخبار شعبية خضعت للرتوش و أُبرزَ جانبٌ منها بشكل مدهش. وقد تقتربُ أحداث القصة من بعض الأفلام الكرتونية للأطفال إذا لم يدخل القاريء الى عمق الخبر الرئيسي الذي يغَّلفُ القصة كلها. فحتى لو جاءَت بعض التفاصيل مجازية إلا إنَّ خبر شمشون يدخل صلب تأريخ الوحي الألهي من خلال أحداث شعب الله المختار. فإذا نقل الكاتب أخبارا شعبية أكثر من أن تكون تحقيقا صحفيا فلأنه رأى فيها ” أمانة الله لمن إختاره ، بالرغم من كل شيء “.
شمشون يولدُ بقدرة الهية من أم عاقرة مثل اسحق من سارة ، وصموئيل من حنة ، و يوحنا المعمدان من اليصابات ، ويحمل رسالة أو يُنَّفذ مهمة كلفه بها الله، ويؤَّديها بأمانة. إنه رجلٌ بطلٌ وقوي إنما ليس بذاته بل بقوة الله. أعطاه الله لشعبه آية وعلامة لعنايته ولتدبيره. يختلف عن بقية القضاة الذين يجمعون حولهم جيشا من أبناء العشائر لدحر الأعداء وكأنما هي قوة المحاربين التي تكسر شوكة الأعداء. شمشون يعمل بوحده منفردا وبعيدا عن كل كثافة بشرية تسنده. من يسنده هو واحد ،” الله “. الله قادر على أن يكسرَ شعبا كاملا على يد نفر واحد معزول. قوة الله ليست بالعدَّةِ والعدد بل بالأيمان وآستجابة الأنسان لأرشاده.
الله هو الذي يُحَّرك شمشون ، ويتخلى عنه عندما يخونه ويخالف أمره أي يفترق عنه. كلَّ ما حمل شمشون الشعر على رأسه كان واثقا من أن الله لا يخذله بل يستجيب له ، تماما كما أكد يسوع ذلك عند إحيائه لعازر حيث قال :” علمت أنك تستجيبُ لي كلَّ حين … وقلت هذا لكي يؤمن المحدقون بي أنك أنت أرسلتني”(يو11: 41-42). كان شمشون آية وأداة إستعملها الله ليظهر للوثنيين قدرته وقداسته. كان شمشون يلبي نداء الله. ولم يكن سّرُ قوته الخارقة سوى علامةِ علاقته الحميمة مع الله ، والشعر كان فقط تذكيرا بذلك.
شمشون رمز الأمانة تجاه شعبه المهدد وتجاه الله الذي أرسله. ومن أجله يجازف ويفعل ما يكسر به عنفوان أعدائه رغم ذلك يبقى شمشون إنسانا خاضعا للشهوة والخطيئة. و إذا سقط فذلك دليل حدوده البشرية وضعفه الذاتي. يريد الله أن يبدي قوته في ضعف الأنسان. عندما فقد شمشون عينيه وكان مقيدا بالسلاسل ، عندما ضعف، تاب الى الرب ودعاه بإيمان الى عونه. لم يتكل على نفسه بل على الله فتوسل اليه بثقة، فلم يخذله الله بل نصَّره. ومار بولس قال : ” أفتخرُ بضعفي “(2كور12: 5) لكني ” أقوى على كل شيء بالذي يقويني” (في4: 13). وعندما طلب من الرب أن ينقذه من الشوكة التي في جسده يلطمه بها ابليس قال له الرب : ” تكفيك نعمتي ! في الضعف (البشري) يظهر كمال قدرتي “(2كور12: 9). كان شمشون مؤمنا حتى صَّفَتْه الرسالة الى العبرانيين بين “أبطال الأيمان” الذين به ” أخضعوا الممالك وأقاموا العدل وكموا أفواه الأسود…وصاروا أبطالا في الحرب”(عب11: 32-34).
ما هي رسالة الله !
شمشون آية للناس *
آية أولا لآختيار الله. ليس الله مُلزمًا أن يتقيد بحكمة البشر” وضع الشخص المناسب في المقام المناسب “، وآختيار أفضل الناس وأذكاهم وأقدسهم. لأن الله لا يسلم مهمته الى مختاره ليتصَّرف بها كما يشاء. بل يعمل الله نفسه من خلال مختاره الذي ينقادُ لمشيئته. أ لم يختر يسوع أيضا يهوذا وهو يعرف أنه سيخونه ويسلمه للموت؟. حكمة الله أنه يُظهرُ بواسطة هذا الأختيار للبشر عدالته أنه لا يحرم أيَّ إنسان من نعمته ومهمة خاصة يخدم بها البشر. ولكن ليس كل مدعو ومختار أمينا لدعوته ورسالته. وخيانته تُهلكه إنْ لم يتُب في الوقت المناسب. الله إختار شمشون ، وهو حُّرٌ في ذلك، وأشعره بضعفه وخيانته. لكنه عندما تاب ودعا عاد الرب فسنده بقوته.
آية ثانيا في خيانة الشعب لله. شمشون تزوجَ من وثنيات رغم ممانعة أهله. ترك شعبه و عشيرته وطلب إمرأة غريبة. خالف وصية الله :” لا تعاهدوا سكان تلك الأرض (فلسطين) .. لئلا تأخذوا من بناتهم لبنيكم، فيجعلنهم يعبدون ألهتهن التي يعبدنها “(خر34: 16). وكان ذلك بتدبير من الله (شم 14: 4). حتى يقوم عداءٌ بين شمشون والفلسطيين فيكسر شمشون شوكتهم وكبرياءَهم ويزيح نير استعبادهم عن أكتاف بني اسرائيل. و يكون بهذا رمزا لخيانة الشعب ودعوة له ألا يختلط مع الوثنيين أويتبنى عبادتهم وتقاليدهم. وسيعود سفر هوشع مطولا إلى موضوع خيانة الشعب (هو4: 1-3؛ 9: 1).
آية ثالثا لحضور روح الرب. مهما كان تصُّرف شمشون إلا إنَّ روح الله لم يفارقْه. لأنه قد ” حَّلَ روح الرب عليه وملأه “(شم 13: 25). ولما إشتَّد عليه العطش أسعفه الله بإخراج ماءٍ من الصخرة ليشرب (شم15: 19).وأما لما قصَّت دليلة شعره وأيقظته فلم يتكل على الله ولا دعاه بل قام كعادته و” حسبَ أنه سينتفض كما في السابق في وجههم وينقذ حاله، وهو لا يعلم أن الربَّ فارقه “(شم16: 20). لم يكن الرب قد فارقه بقدر ما هو فارقَ الرب إذ كشفَ سّرَه وسَّلم علامة عون الله له الى أعدائه. ودليل عدم مفارقة روح الله لشمشون أنه عندما تاب ونبت شعره من جديد ودعا الرب إستجاب له الرب بحيث ما قتله من أعدائه في موته كان أكثر”من الذين قتلهم في حياته” (شم16: 30). لم يرَ شمشون أخطاءَه في جهاده ضد الأعداء عندما كان بصيرا. ولكنه وعي حضور الله وقوته عندما كان ضعيفا محلوق الشعر ومكّبلا بالسلاسل و” أعمى “. عندها رأى الله بجانبه فدعاه في ضعفه، وآستجاب الله له لأن مشيئته كانت في كسر عنفوان الوثنيين وسلطانهم ليحميَ شعبَه من الأنجراف وراء عبادة الأصنام.
آية رابعًا لفساد الوثنيين. من جهة خانه صاحبه وتزوج إمرأته التي أحبَّها (شم14: 20). و أخرى خدعته زوجته دليلة بناء على مشورة زعماءِ الفلسطيين ورِشائهم ، إذ قالوا لها :” خادعيه وآعرفي بماذا قوته العظيمة … وكل واحد منا يدفع اليك ألفًا ومئةً من الفضة “(شم 16: 5). وما أشبه زعماءُ اليوم بأولئك الفلسطيين ؟!.
آية خامسا للضعف البشري. مهما كان شمشون عطية من الله وقويا به إلا إنه يبقى إنسانًا خاضعا لشهوات الجسد. والجسد ضعيف. وقد ” ضاقت نفس شمشون حتى الموت لمضايقة دليلة له” (شم16: 16). كان ضعفه شديدا أمام المرأة. وهي قادته الى الموت. وهكذا يبقى الأنسان الى اليوم ضعيفا أمام الأمور الحسية رغم نعمة الله له ورغم أدائِه رسالته بأمانة.
رمزًا أخيرا للمسيح. كان شمشون هدفا لمؤامرات أعدائه ليتخلصوا منه ، أنقذ نفسه وشعبه في أحداث كثيرة فضح فيها أعداءَه وقتل منهم، وفي الأخير إختار الموت مع أعدائه وقتل منهم أكثر مما فعله في حياته. هكذا يسوع كان هدفًا لمؤامرات الفريسيين والكتبة ، أَحسن الى شعبه وشفى مرضى كثيرين وأقام الموتى ، وفي موته الأختياري (يو10: 18) الأخيرعلى الصليب خلَّص الأمة كلها (يو11: 50-53)، وأحسن الى البشرية جمعاء. وكان موته الفدائي أعظم من كل الخير الذي فعله في حياته على الأرض.