عــيد الكــهنوت
تتلى علينا اليوم القراءات : خروج 12 : 1 – 20 ؛ زكريا 9: 9-12+11: 12-13+12: 9-10+ 13: 7-9 ؛ 1كورنثية 5: 7-8+ 10: 15-17+ 11: 23-32 ؛يوحنا 13 : 1- 17 + متى 26 : 14 – 30 ؛
القـراءة : خر12: 1-20:– يُخبر الرَّبُ موسى بأنه حان وقت خلاصِهم. يعبرُ اللهُ في مصر فيُعاقبُ الحكام الظلمة ويُخرجُ بني اسرائيل ليقودَهم الى أرض الميعاد. يستعِّدُ الشعبُ بأكلةِ ” العبور” < الفصح>، ويرُشُّون بدم” ذبيحة الفصح” قوائم الباب وعتبته العُليا فينجو بذلك أبكارهم من الهلاك مع الكفرة الأشرار.
القـراءة البديلة : زك9: 9-12 -…..– 13: 7-9 :- يُخبرُ النبي عن قيام مملكةٍ جديدة لله، يُؤَّسسها المسيح على الحق والعدل والوداعة والتواضع. قومُ المسيح يخونُه ويدفعون ثمن قتله ثلاثين فضَّة، فينوحُ عليه الأوفياءُ له ويُصبحون شعبَ الله.
الرسالة : 1كور 5: 7-8 ـ …..ـ 11: 23-32 :– يُشير بولس الى أن خميرة الأيمان القديمة قد فسُدَت، جَّددها الله بيسوع وجعلها خميرة نقاوةٍ وحَّق. ثم يتطَّرقُ إلى ذبيحة المسيح في القداس، ويؤَّكد أنَّها ذبيحة الصليب تتجدد بأمر من المسيح، و أنَّ جميع المشتركين فيها يُصبحون واحدًا في المسيح ومعه.
الأنجيل : يو13 : 1-17 + متى 26: 14-30 :– بينما تحَّدث يوحنا عن غسل يسوع أرجل تلاميذه معطيا لهم بذلك درسا في التواضع والخدمة ، تحَدَّثَ متى عن تأسيس سِرِّ القربان المقدَّس حيث اللهُ مُقيمٌ يُقيتُ ويبني، وليس فقط عابرًا يُنقذ.
حان وقتُ خلاصِهم !
إنَّه ” فِصحٌ”، وعبورٌ لله بين مساكن الناس، الأشرار والأبرار، ليوقفَ الشَّر والظلم ويُحَّررَ المظلومين و” المُضطَهَدين”. البشرُلا يعدلون ولا يُنصفون. بل لا يهتمون بغير منفعتهم. أمَّا الله فقد سمع أنين المنكوبين ودعاءَ المُستغيثين فيتحَّملُ مشَّاق عملية إنقاذِهم. يطلب أولاً إخلاء سبيل شعبِه، فيُهَّددُ بالعقاب عند عدم إستجابة الخصم، فيُبَيِّنُ جبروته بالآيات المُعجزة ليكسبَ أولاً ثقة أبنائِه ثم ولاءَهم وتقَيُّدَهم بما يُمليه عليهم من تعليمات. أمَّا بالنسبة الى العدو فهي، بعدَ الدعوة ألى التعَّقل والعدالة إنذارٌ إذا رفضوا وتمَرَّدوا. وأُعذِرَ من أنذَر!. وحيث حضر الله و عبر تتقدَّسُ حتى الأصقاع وما فيها من كائناتٍ وأشياء. لأنَّ الله قدّوسٌ ويجب أن يتقَدَّس كلُّ ما يتعاملُ مع الله (أح19: 2).
فالقداسةُ أولُّ شرطٍ للتواجد مع الله والعمل معه. والقداسة هي التشَّبه بالله في حياته وسلوكه، وتتحَّققُ بنقاوة الفكر والقلب، وبالإصغاءِ إلى الله وتنفيذ وصاياه. وعليه يطلب الله من موسى أن يحتفل الشعبُ بهذا الفصح فيَعْبروا بدورهم الى الله بفكرهم وقلبهم، ويأتمروا بأوامره، و يتقَدَّسوا حتى في أكلهم ليلة ترك مصر. طعامهم رمزيٌ ، خروفٌ كالذي أنقذ اسحق من الموت (تك22: 13)، وكالحمل الألهي الذي سيحملُ خطايا العالم ليُحَرِّرَ منها أصحابَها (يو1: 29). سيُشْوى الطعام على النار لتُحْرِقَ شرَّ من يأكلُ منه وتُكَّفرَ عن فسادِه. والدَمُ يُرَّشُ على خشب قائِمَتَي الأبواب كما سيصبغُ دمُ المسيح الفادي خشب الصليب. وخبزُهم يكون فطيرًا، كما خلقه الله، لا كما يُفسِده الأنسان بالخميرة. ولا يتواجد الخمير في المنازل طيلة أسبوع عيد حضور الله بينهم. كلُّ شيءٍ مُختَمرٍ يفقدُ نقاوته الطبيعية ويفسدُ بسرعة. فخلاصُ الأنسان يتطَّلبُ نقاوةَ فكرهِ وطهارةَ قلبِه. ويطلب بولس أن يتطهَّر الكورنثيون كلّيًا من الخميرة القديمة، قائلاً:” حملُ فصحِنا ذُبح، وهو المسيح. فلنُعَّيد إذًا لا بالخميرة القديمة ، خميرةِ شريعةِ الجسد، ولا بخميرةِ الشَّر والفساد، بل بفطيرالنقاوة والحَّق”( 1كور5: 7-8)، نقاوةِ الفكر والقلب (متى15: 19).
واحدًا في المسيح، ومع المسيح !
عبر الله في مصر لأنقاذ شعبه. أما في المسيح فأصبح الله معنا. لا فقط عند التواجد الزمني للمسيح على الأرض، بل يبقى معنا ” الدهر كلَّه ” (متى28: 20). فقد قدَّم المسيح نفسَه خروفًا فِصحيًا عن البشرية عشية صلبه، ” سيقَ كخروف للذبح .. حاملاً عاهاتنا ومُتحَّملاً أوجاعَنا.. سُحق لأجل معاصينا.. وبجراحه شُفينا ” (اش53: 4-7). فهذه ” التقدمة المُحرقة ” ،هذا الخروف المشوي، يستمِرُّ في حالة الذبيحة، وأوصى المسيح أنْ تُؤَّونه الكنيسة لتتقدمَ إليه جميعُ الأجيال وتأكلَ فصحَه فتَتَّحدَ معه ، وتتقدَّس به ، وتتغَّذى منه لمتابعة مسيرتها التحَرُّرية من الفساد. وقد شاركت في مصر بعضُ العوائل لأكل خروف واحد. أما في أكل ذبيحة المسيح فيشتركُ كلُّ شعب الكنيسة. وهذه المشاركة في أخذ جسد المسيح ودمه تجعلَ كلَّ المتناولين واحدًا لأنهم يتغذون من نفس الطعام الواحد، ويتقدَّسون بمشاركة قداسة الله نفسه. بالتناول و حفظِ وصايا الله يُصبح المسيحي” منزلاً فيه يحُّلُ الله ويُقيم ” (يو14: 23). وبحضور الله فيه يتقدَّس.
الأمور الجسدية الحِسّية تعتُقُ مع مرور الزمن. والأشياءُ المُرَّكبة بيد الأنسان تعطلُ وتفسد. أبعدَها الله عن فصح مصر. أما الأمور الروحية في المسيح فتتجّدَّدُ. وحتى لا تعتق ذبيحة العهد الجديد فقد أوصى يسوع بتكرار ما فعل ” إصنعوا هذا لذكري” (لو22: 19؛ 1كور 11: 24-25). ولن تفسد الذبيحة لأنها تقام ” بفطيرالنقاوة والحَّق “. وبما أنَّ آنية حفظ إيماننا من خزف (2كور4: 7) فنضعف ونتعَّثر فنسقط وتنكسر أوانينا، ولكي لا يتشَّوهَ إيماننا يبقى لنا المسيح، في القداس، ذبيحة ووليمة دائمية تتجَدَّدُ يومًا بعد يوم عبر الزمن، لتسنُد ضُعفَنا. وبينما كان بنو إسرائيل متأهبين للسفر” أحقاؤُهم مشدودة، منتعلين وبيدهم العصا “، متجهين نحو فلسطين يتغَذّى أبناء العهد الجديد من جسد الرب، ويُراعونه بتجَّنب الضعف وأسقام الروح (1كور11: 28-32)،” ساهرين ومُصَّلين، لئلا يقعوا في التجربة ” (متى26: 41) ، مصَّوبين أنظارهم نحو الراحة الأبدية في الأخدار السماوية.
تتوجَهُ أنظارُ فصح المسيح نحو القيامة. وغسل أرجل التلاميذ تشيرُ الى ضمان نصيبٍ معه في ملكوته (يو13: 8). و الكهنوت الذي حوَّله المسيح الى كنيسته لإقامة الأسرار ولسند مسيرة الناس الخلاصية عبر تعَرُّجات دروب الحياة، كلُّها تأخذ قوتها من ذبيحة المسيح الفدائية وتصُبُّ في خانة تحقيق الوحدة الروحية الشخصية معه، عبر درب الآلام والبذل. فقد تقاسم الله مع الأنسان حياته وما يملكه، و وضعه على درب العيش الهنيء كإلَهٍ ليُشاركه أيضًا مدى الأبد راحتَه ومجدَه. وهنيئًا لكلَّ من وعى الدرس وقبله وهو مُصَّممُ على التقَّـُيدِ به ( يو13: 16-17).