الأحد السابع للصوم : عـيد السعانين

عـــيد الســـعانين

للعلم :-  إِنقلبَتِ الصلاةُ الى ” حْرايى” حسبَ قاعدةِ الأحدِ الأخير من السابوع. فيبدأُ  السابوع التالي بِـ ” قــذمايى”. لكن الأسبوع يشُّذُ عن القاعدة. ترجع الصلاة ، مساءَ الأحد لتبدأَ، خلافًا للقاعدة، في ” حْرايى”. ويمكن مُلاحظةُ ذلك في ” قالى دْشَهْرا ” لصباح الأثنين. فالأثنين هو” قذمايى” والثلاثاء ” حرايى”.. وهكذا دواليك. فتبدأ صلاة الرمش يوم جمعة الآلام، أي : ܕ ܡܲܓܵܗܲܝ ܫܲܒܬܼܵܐ ܪܲܒܬܼܵܐ :- في ” حرايى” وسبت النور  

ܕ ܡܲܓܵܗܲܝ ܚܲܕܼܒܫܲܒܵܐ ܪܲܒܵܐ ܕܲܩܝܵܡܬܹܗ ܕܡܵܪܲܢ :- في” قذمايى”.

لاحظ أيضًا -:- أحدُ السعانين وأُسبوعُه خارج الصوم. قالت ملاحظة في قالى دْشهرا :

 ܗܲܝܕܹܝܢ ܐ݉ܚܪܝܐ ܕܲܠܒܼܲܪ ܡܸܢ ܨܵܘܡܵܐ :- وسبق فأشار في صلاة صباح جمعة لعازر، في مزامير الصبح ، ردّات مزمور” إرحمني ..”، الردَّة الخامسة ، فقال -: ܡܫܝܼܚܐ ܕܲܒܼܚܲܝܠܹܗ ܫܲܪܝܼܢܲܢ ܘܫܲܠܸܡܢܲܢ ܨܵܘܡܹܗ ܩܲܕܝܼܫܵܐ ،” .. بدأنا وأنهينا صومه..” ويُكَّررها مساءًا في رمش السبت في قانونا دْ سوباعا :- بينما يُنهي مزمور إرحمني في سبت النور صباحا بالقول -: يا مُخَّلِصَنا ، ليُقبَلْ صومُنا مع صوم الأنبياء والرسل :- ܥܲܡ ܨܵܘܡܵܐ ܕܲܢܒܼܝܹ̈ܐ ܘ ܕܲܫܠܝܼܚܹ̈ܐ ܦܵܪܘܿܩܲܢ ܨܵܘܡܲܢ ܢܸܬܼܩܲܒܲܠ .. وإِن دِلَّ هذا على شيء فهو يَدُّلُ على انَّ صومنا الخمسيني، نحن الكلدان، ينقسم الى قسمين: الأول في البداية هو صوم المسيح، نصوم معه 40 يومًا { من الأحد الأول والى جمعة لعازر}. ثم نصومُ صومِنا الخاص بنا في الأسبوع الأخير. رغم أن أسبوع الآلام كله أعياد من ملوكية المسيح (في السعانين) وعيد الكهنوت والقربان المقدس (خميس الفصح)، وعيد الخلاص ( جمعة الآلام) ، وعيد نور الخلاص بالمعمودية (سبت النور). نُعَّيد فيها ونفرح، لكننا نحزن و نتألم، فنصوم، لأنَّنا نلناها بآلام المسيح التي سببتها خطايانا. ولهذا ألحان هذا الأسبوع تتناوب بين الحان فرح وحزن ، في اليوم الواحد، من كل أيام هذا الأسبوع.    

 

الفكرة الطقسية  :  لنفرح ونبتهج ، ولنبارك الرب

تتلى علينا اليوم القراءات  : زك9: 9-12     ؛     تك49: 1-12 ، 22-26 رم11: 13-24    ؛      متى 20: 29 -21: 22

القـراءة : زكريا 9 : 9 – 12 :– يتنَبَّأُ زكريا عن مجيء المسيح ودخوله الملوكي الى أورشليم بوداعةٍ وتواضُع ونصرٍ مُمَّجد مُوَّجل. يُغَّيرُ المسيح مفهومَ السلطة و الولاء. سيكون عهدُ المسيح عهدَ العيش في الحَّق والعدلِ والتواضع والسلام.

القـراءة البديلة : تكوين 49 : 1-12 ، 22 -26 :– تخُّصُ إعلان يعقوب وصِيَّته الأخيرة لأولادِه كاشِفًا مستقبل نسلِ كلِّ واحدٍ منهم. يُرَّكزُ على يهوذا ويمدحُه مُعلنًا أنَّ من نسلهِ يأتي المسيح.

الرسالة : رومية 11 : 13 – 24 :–  يُشَّبهُ الرسولُ اليهود بالزيتونية الأصيلة المُقَلَّمة والمسيحيين المُهتَدين من الوثنية بالزيتونة المُطَعَّمة المُثمرة. جحودُ اليهود أدَّى إلى إيمان الوثنيين. لكنَّ الأيمان لا يسمح لا بالإفتخار ولا بالإحتقار، ولا يتجاوزُ الأعمال الضرورية للخلاص.

الأنجيل : متى 20 : 29 – 21 : 22 :– يدخلُ يسوع أورشليم مثل ملكٍ وديع ٍ و متواضع، لكنَّه لا يُساومُ على قداسةِ هيكل الله.

هوذا ملكُكِ يأتيكِ وديعًا متواضِعًا !

لمَّا دخل يسوع المدينة المُقَدَّسة بهلاهل وزغاريد والجموع تصرخ :” حَّيوا الملك، ابن داود ، المسيح”، إضطربت المدينة وقلق الرؤساء وآنتفضوا خائفين :” من هذا” ؟ ماذا يحدث؟. و غاظهم هتافُ الصبيان في الهيكل، وآعترضوا على تحِيَّتهم له باسم ” المسيح، إبن داود”. وفي عموم المشهد تبرز للقاريء اللبيب ثلاثُ فئات من الناس، تمَيَّزت كلُّ واحدةٍ منها بموقفٍ مُعَّين خاص : الجمهور ، الشباب ، والرؤساء.

1+  الجمهــور  !

      ـــــــــــــــ   لقد بلغهم خبرُ إقامةِ يسوع لعازرَ من القبر، ربمَّا عاينها البعض، حدثت قبل أيام قليلة في بيت عنيا، وهي شبه ضاحية من أورشليم. كما طرقت آذانَهم من زمانٍ أخبار يسوع الجليلي الذي لا فقط يتكلم بشكل مختلف عن قادتهم الدينيين، بأسلوبٍ جَذّاب و مُقنِع ٍومُنعش، بل ويُجري المعجزاتِ أيضًا. لقد شفى الأعمى من مولده، وكسيحًا بعد ثمان وثلاثين سنة من إصابتِه. وحتى المجانين أخرجَ عنهم الأرواحَ الشّريرة التي كانت تؤذيهم. لقد طبَّقت شُهرَتُه الآفاق. وقد آنبهرت الجماهير في طول البلاد وعرضِها، حتى التي لم تلتقِ به، بتعاليمه وتصَّرفاتِه التي دَّوت أخبارُها في كلِّ الأصقاع، وآنتعشت آمالُهم المقبورة. لقد إستحوذت عليهم فكرة المسيح المُخَّلص المُنتَظر!. فراودتهم أحلامٌ جميلة، حتى غذُّوا أمَلاً قوِّيًا بأن يكون هو المسيحُ المُحَّرر من كلا النيرين: الوثني الروماني والديني المُتزَّمت. فرُبَّما يسوع الجليلي هو المسيح الآتي، فبالغوا في إكرامِه والأحتفاء به.

هكذا لم يقُمْ ايمانُهم بيسوع على أنَّه المسيحُ المنتظر فعلاً، ولا على بناءِ صِلةٍ مباشرة معه وآحتكاكٍ في الصميم بما يدعو إليه. و إن عرفوا بعضَ ما صَرَّح به أو فعله إلاّ إِنَّهم فاتهم جوهرُ تعليمه الذي ينبُذُ المظاهرَ، ويدعو الى التجَّذُر في معرفةِ الله وفي محَّبتِه. كان ايمانهم سطحيًا يقوم على العاطفة أكثرَ من أن يكون أصيلاً، نابتًا من القناعة حتى يثبتوا فيه و يصمدوا أمام العاصفة التي ستهُّبُ على يسوع، بعد أيامٍ قليلة وتضعُهم على المِحَّك. سوف لن يُقاوموا آنذاك. ستجرفهم موجةُ التعَّصب والنفاق في أول تقَّلُبٍ للأجواء. فلباقةُ رؤسائهم وحماسُهم وبلاغةُ خطابهم ستغُّشُهم مع مظاهرِ حُجَّتِهم الدينية فيلحقون بالتيَّار الناكر ليسوع، ويُضيفون فيُطالبون بالقضاءِ عليه صَلبًا !. فهم الذين يصيحون اليوم ” ليحيا الملك” معلنين أن يسوع هوالمسيح ابنُ داود، سوف ينهارون أمام منظرهِ الكئيب المُخزي والمُخَّيِب للأمال،” تجري الدماءُ من كلِّ جسمِه، وإكليلٌ من شوك يُدمي هامتَه”. كيف يكون هذا ” المسيح ابن الله “؟. ليس معقولاً. تلاشت عندئذٍ كلُّ آمالهم وخابت ظنونهم ولم يفطنوا إلى دجل رؤسائهم وآستغلالهم لهم. ولمَّا سألهم بيلاطس ماذا يصنع بملكهم ردُّوا إيعازَ الرؤساء لهم دون وعي ٍ: ” أصلبه ! أصلبه !”.

هكذا إنتهى إيمان سطحيّ بدون جذور فصلبوا مسيحهم دون أن يدروا” ماذا كانوا يفعلون”. وقد تمَّت فيهم ما قاله يومًا الأحبارُ والفرّيسيون :” وأمَّا أولئك السفَلة ـ ويعنون الشعب ـ الذين يجهلون الشريعة فإنهم ملعونون” (يو7: 49). وقد صدق قولهم. فمن يجهلُ حقيقة ما يؤمن به أو ما يفعلُه ليس سوى ” قِشٍّ ” تُحَّركُه أيُّ ريحٍ إذا هَبَّت. كانوا قارعة الطريق التي ظلَّ ايمانها ظاهرًا فقط لم يتسَّرب الى باطن فكرهم وقلبهم. وقد أكَّد الرب أن الأيمان ليس بالقول بل بما يُجَّسدُه واقع الحياة. كما سيُؤَّكدُ أنهم فعلاً لم يستوعبوا حقيقة ما فعلوا.

2+ الشـــباب !

     ـــــــــــــــ    إستعمل الأنجيلي لفظة ” الأطفال، أو الصغار”. وكلًّ شاب لم يبلغ بعدُ سِنَّ الرشد هو ” صغير” أو لم يعبُر مرحلة المراهقة هو صبي. تمتاز هذه الفئة بصفاتٍ حميدة يتحَمَّسون لها ويعيشونها فعلا دون إعتبار النتائج اللاحقة. إنَّهم يتمتَّعون ببراءةٍ و بساطةٍ وآستقامةِ النيّة. لم يتحَّكم فيهم روح العالم المُنحرف. لم يعتركهم بعد الزمن في المجتمع حتى يُعديَهم بأمراضِه المُستعصية : الكذب، الغّش، النفاق، المراوغة والأنانية وغيرُها من السلوك المُعْوَّج الذي من شأنِه أن يعزلَ الإنسان عن الحَّق والصلاح، وعن الناس ليجعلَه قائمًا بذاتِه.

للشبابِ حِسٌّ قوِيٌّ  بالحرية والقيمة الشخصية التي يمتلكونها، ويريدون عفويًا أن تبرُز فيراها الناس ويحسبون حسابَها فيكون لهم، بدورهم، مركزٌ آجتماعي قيادي، كما شاهدنا في الأشهر الأخيرة تظاهراتهم التي إكتسحت شوارع بلدان عديدة وحَيَّرت قاداتِهم.إنَّهم يميلون الى التحَرُّر من كلِّ ما سبقهم، مُدينين كلَّ آعوجاج عن العدل وآلأستقامةِ والمساواة، رافضين التحَّيزَ والظلم والأستبداد. لذا يُعارضون الوضع السَّييء القائم، يتصَّرفون بعفوية، وتأتي أفعالهم ردودًا على السلوك المرفوض، غير مقيمين للخوف حسابًا، بل يُبدون شجاعةً  تدفعهم أحيانًا إلى مواجهة مخاطر لا تُحمَدُ عُقباها. يرون الأمور بمنظار الحقيقة وبقياس الحَّق أكثر من غيرهم، كما ويُحِّسون بالمصلحة العامة وينبذون المنفعة الفردية، بشكل شَفّاف فيتحَمَّسون للقيم وللأشخاص الذين يرون فيهم نموذجًا لأَبطال خيالِهم. لهم السخاء و الأستعداد للبذل والتضحية من أجل غيرِهم. إن الروح الأنسانية طرِيَّةٌ فيهم. ولو إمتلكوا قادةً صالحين وكفوئين وأصغى إليهم الشباب لأَصبحوا خيرَ قادةٍ لبناء المستقبل.

لقد أحَسَّ الشبابُ أنَّ يسوعَ هو فعلاً ” مستقيمٌ صادِقٌ وبريء”. فعقدوا عليه الأمل لينعموا في ظِلِّه بالراحة والهناء والطُمأنينةِ والسلام. فلمَّا سمعوا بقدوم يسوع خرجوا للقائه فرحين وهاتفين، ببساطةٍ وعفوية، ” ليحيا الملك”، المجدُ لله في العلى. ربما لم يَعوا حينَها كلَّ أبعاد  معنى هذه الكلمات وتبعياتِها. لكنَّ موقِفَهم كان واضِحًا وصريحًا. لم يُبَّطنوا نيَّةً سَيِّئة مثل هيرودس (متى2: 8 و16؛ لو23: 8-11). أعلن الشبابُ ما آمنوا به. يريدون أن يسودَ العدلُ والتآخي والمحبة. وأحَسُّوا أن يسوعَ وحدَه الأجدرُ أن يُحَّققَ ذلك. فلم يخافوا ولا ترَّددوا في إعلان ذلك. إنَّهم لا يُؤذون أحدًا ولا ينبذون. ربما نصحَهم بعضُ الشيوخ أنَّه ليس من الفطنةِ ما يفعلون. لكنَّهم لم يتراجعوا. وقد أيَّدَ يسوع موقفَهم، لأنَّهم كانون يُعلنون الحقيقة، وردَّ بشِدَّة على المعترضين عليهم.

على خُطى يسوع !

وعلى مثالِ تصَّرفِ يسوع شجَّعَتْ الكنيسةُ دومًا ” الصغار/ الشباب” على أن يُصبحوا أصدقاءَ يسوع ويُحّبوهُ ويروا فيه أعَّزَ صديقٍ يضمنُ لهم المجدَ والسعادة الحقيقيين. وقد كرَّست الكنيسةُ، بنوعٍ خاص منذ سبعينيات القرن الماضي، أحدَ السعانين وأعلنته ” يومَ الشباب”، محَّليًا في كل رعية، وتبعته، بعد عقدٍ من الزمن، أيَّام الشباب العالمية فيها يلتَئِمُ ملايين الشباب من أنحاء العالم، حول البابا نائب المسيح على الأرض، ليهتفوا للمسيح ، معلنين ايمانهم به ومحَّبتَهم له  وإصرارَهم على السير معه، حتى بحمل الصليب، بدون ترَّدد ولا إستحياء من أهل العالم، المُلحدين الساخرين منهم، أو المُحاربين لهم.

والمسيحية بحاجة اليوم إلى شبابٍ في السِّن، وشبابٍ في الفكر، وشبابٍ في القلب والبراءة يرون حقيقة المسيح وينشرونها في العالم. لا عن تعَّصبٍ ولا عن تحَّيز. بل عن محَّبة في خلاص كل الناس لتتحَّققَ رغبةُ المسيح وتكتملَ رعِيَّتُه (يو10: 16). فيعلنون المحبة و الإخاءَ شعارًا لهم، ويتحَدَّوا نوازعهم الحسّية والعاطفية ليرتقوا في القيَم التي تسمو بهم إلى مقام أبناءِ الله، سالكين طريق آلام المسيح على رجاءِ مقاسمتِه مجدَه الأبدي (لو24: 26).

ويحيون كذلك بوعي وفرح.

الكنيسة تنتظر لا فقط الشباب بل أن يتحَّلى جميعُ المؤمنين بروح الشباب : أحرارًا، أسخياء ، غيورين، صريحين لا غِشَّ فيهم ولا آلتواء، شجعانين ويصمدون بوجه التجارب والشر. لا ترتاح الكنيسة إلى أبناء مَصلَحِيّين، مرائين وآنتهازيين إذ لا ينفعونها بل يُعرقلون مسيرتها الأيمانية. لا يصلحُ المسيحَ مؤمنون شاخوا في إيمانهم وتراخَوا في غيرتهم، وتبَّنوا  شعارَ الزمن وهو ” المال والسيف “. تنتظر الكنيسة أن يكون أبناؤُها مُتنَّورين وصالحين ، شعارُهم ” صليبُ المسيح” يجهَدون في تخمير المجتمع البشري من الداخل ليرفعوا مستوى أخلاقه الى قامة المسيح، عاملين بروح الشباب الذين يبنونهم على هذا الروح.

3+ الرؤســاء  !

     ـــــــــــــــ  صعود يسوع الى أورشليم ودخوله فيها كملك إستفَّز القادة وكشفَ ما في باطنهم وأجلى نيَّاتِهم. كان الرؤساء، الأحبار والكتبة والفرّيسيون، ينتظرون المسيح من أجيال ويرسمون عنه في أذهانهم صورةً ملكٍ أرضي زمني يُعيدُ اليهم أمجادَ مملكة داود. وآختفت عن ذهنهم الصورة التي رسمها عنه الأنبياء. لمَّا ظهر يسوع وآنكشفت معه بوادرُ مسيحانيتِه الروحية لم يهضموها فلم يعترفوا به ولم يتبعوه، بل ترَيَّثوا فتشاوروا ليحكموا هل هو المسيح؟. كانت مقاييسُ حكمهم أن يسلك حسب رؤيتهم ومفهومهم للشريعة. ولمَّـا خرج يسوع عن مسارهم التقليدي وأتى بجديد، مُعيدًا الأمورَ الى أصالتها الألهية، صدمَهم تعليمُه وآستفَزَّهم سلوكُه، فرفضوا فكرَه وسيرته. ولمَّا فضح سلوكَهم المخالفَ لشريعةِ الله، وتعليمَهم المتناقض مع الكتاب المقدس مُظهرًا بُعدَهم عن الحقيقة ومُسقِطًا شعارَهم عن المسيح ومُجليًا لهم وجهه الحقيقي”، رفضوا الأعترافَ به”. إقتنعوا عن ذواتهم أنَّهم وحدَهم وكلاءُ الله دون الرجوع الى الأنبياء، بل وبتحوير مضمون الكتاب ليتماشى مع رؤياهم و دستورهم. لم يحاولوا أن ينظروا الى أعمال يسوع مقارَنَةً بما جاء في النبوءات. لم يحاولوا أن يُصغوا إليه ويناقشوه ليستجلوا الحقيقة. حاوروه فقط لإرغامِه على تبَّني موقفِهم وآتّباعِ خَّطِهم. رفضوا أن يتعَّلموا، في حين أسكتَهم كلَّ ما آنتقدوه وأفحَمهم. أصَّروا أن يكونوا هم ” القادةَ  المعلمين”!. إنتقدوه عوضَ الأصغاءِ اليه. حاربوه عوضَ تركه أن يَتمَّسَكَ بآرائِه. أحَسُّوا أنَّ الخطر مُحدِقٌ بسلطانهم ويُهَّددُ بزوال مملكتهم وقِيَمِهم (يو11: 47-53؛ 12: 11 )، وشعروا أنَّ الأنتظارَ يُقَّوضُ حُكمَهم، لقد إنكشفَ دجَلُهم ونفاقُهم، فآقتنعوا أنْ لا مَفَّرَ من الأختيار: إمَّا أن يتنازلوا ليسوع عن قيادتهم ويتبعوه، وإمَّا أن يقضوا عليه لـيبقوا وحدَهم في الساحةِ دون منافسٍ أو معارض. فقرروا التخَّلصَ منه قائلين:” ها هو الوارث، تعالوا نقتُلْه ونأخذْ ميراثه ” (متى21: 38)؛ كان ذلك قبل السعانين. فخططوا بعدَه لقتله مع لعازر (يو12: 10-11)، ” فأمسكوه وأخرجوه خارج الكرم وقتلوه ” (متى21: 39)، بحجة لا يأتي الرومان ويُخَّربوا مدينتهم وأُمَّتهم (يو11: 48).

نراهم في هذا الجَّوِ المشحون ممتعضين مما حدث في السعانين. لم يُدركوا مثل الأطفال أنَّ آمالهم بالمسيح بدأت تتحَقَّق فلم يفرحوا بل إستاؤوا جِدًّا من هذا الأستقبال المجيد والأحتفاء الفريد. إستنكروا إعتراف الجماهير والشباب به مسيحًا “إبنَ داود”، دون مشورتهم وضِدَّ مشيئتِهم. فأصبح الصراع مع يسوع علنًا. هو يُعَّرضُ بهم ويفضحُ دجلهم ونفاقَهم  فسمَّاهم ” قادة عُميان” (متى23: 16)، وهم يتحَّينون الفرصةَ للأيقاع به وتنفيذ قرارهم بالقتل.

4+ الآن .. و نحن القُـرّاء ؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ  وما يزالُ العالم مُنقسِمًا حول المسيح وفي تحديد موقفه من المسيحية. تطلع علينا كلَّ يوم الصحفُ والفضائيات و وسائل الإتّصال بأخبار عن الكنيسة وأبنائها. منها تدين وتهجم فتحارب ومنها تُشَّوه الحقائق وتُحَّرض، منها تتجاهل ولا تبالي، ومنها القليلة التي تتحَمَّسُ للأيمان وتواجه العالم بالحقيقة دون خوفٍ ولا وجل. تقوم كلُّ جماعةٍ بما تمليه عليها مبادِئُها وتحَّققُ هدفها. يحاولُ الملحدون محوَ اسم الله والقضاءَ على الأيمان. والأنتهازيون يتنافسون لكسب الزبائن ومضاعفة أرباحهم وتقوية نفوذهم السياسي أو الأقتصادي بطرقٍ ملتوية ، ضاربين عرضَ الحائط كلَّ حَّقٍ أو عدالة. وعامة الناس منشغلة براحتها الجسدية والملذّات الغريزية والعيش في بحبوحةٍ مادّية غاضّين الطرْفَ عن الحق والبر والعدالة، و عن كل قيمةٍ لا تخدمُ ما يصبون إليه.

والمؤمنون بالمسيح نحوَ أيِّ تيارٍ ينجرفون؟. هل لنا خطُّنا الصريح فنحن تلاميذ يسوع؟. هل قضّيةُ يسوع هي قضيَّتُنا؟ وتعليمُه دستورنا، وسلوكُه نورنا، وأعمالُه مثالنا؟. يسوع يدخل اورشليم قلعةِ آرائِنا وعواطفنا. إذا لم نوفِ حقَّه فستديننا حجارة المحَّبة. وإذا لم نصغ ِ إليه فسيغُّشُنا أهل العالم. يقول يسوع:” لا تخافوا ولا تستحوا. تعَّلموا مني فإنّي وديعٌ و متواضعُ القلب. خُذوا نيري عليكم فإنَّه لطيفٌ وحملي خفيف” (متى11: 29-30).

هل الكنيسة، المسيح الحي على الأرض، نعترف بها ونلتَّفُ حولها ونتقَّيد بتعليمها، أم نشرد أحيانًا الى خارج قطيع المسيح لنُشبعَ أهواءَنا ونسلك درب الجسد والشهوات تابعين تيَّار العالم الجارف الى مُتنَّزهات السوء والفساد؟. كان يسوع رئيس الكنيسة محور الأختلاف بين الناس، لكنَّ كنيسته، التلاميذ المؤمنين به، كانت حوله تُسَّهل الأحتفال وتفرش الدرب أمامه. كانت تفتخر به وتُسَّرُ بمواقفِه. أدَّت ما آستطاعت إليه سبيلاً. فهل نتكاتف مثلهم و نتضامن مع مسيحنا المضطَهَد في إخوته ومؤَسَّساتهم، ومستعدون أن نقول ليسوع، مثل بطرس (لو22: 33)، إننا مستَعِّدون أن نتبعك حتى في درب الموت والأستشهادِ؟. هل نفتخر بالمسيح وبتعليمه ونبقى أمينين له مسترشدين بكنيسته ومحتمين بخيمتها، حتى لو إقتضى منا البذل والتضحية؟.