طُرح السؤال ونُشِرَ جوابُه سنة 2008 في موقع أخوية بولس الرسول. نعيده للفائدة
أهلا وسهلا بالأخ جوني يوسف حنا
كتبَ الأخ جوني ما يلي :” من لم يولَد من فوق لن يقدر أن يرى ملكوت الله. هذا ما قاله يسوع لنيقوديمس (يو3: 3). السؤال : هل يقدر الآباء والأنبياء الذين لم يُولدوا من فوق ، أي بالمعمودية، أن يروا ملكوت الله ؟ كيف “؟ .
منطقِيٌّ طرحُ سؤال مثل هذا لأنَّ الكتاب يُؤَّكدُ أنَّ ” اللهَ واحدٌ والوسيطَ بين الله والأنسان للخلاص واحدٌ هو المسيح (1طيم2: 5)، الموعود والمعلن عنه حالا بعد فقدان فردوس الله (تك3: 15). والذي أعلنت السماءُ ولادته قبل الفين وسِتَّةٍ وعشرين سنةً ” اليوم وُلدَ لكم في مدينة داود مُخَّلصٌ هو المسيحُ الرب” (لو2: 11). والملكوت واحدٌ و” لا اسم آخر تحت السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص”(أع4: 12)، وسبقَ مجيءَ المُخَّلص، فقط الذين سجل لهم التأريخ وجودًا فعّالاً، مئات ملايين الناس وبينهم أبرارٌ، آباءٌ وأنبياءٌ مدحهم الوحي الألهي، فما مصيرُ هؤلاء؟. والأرتباط بالمسيح يتم بالأيمان به والأعتماد بآسمه (مر16: 16)، والعيش بما يتطلبه الأيمان والعماد.
مبدأُ الخلاص وشروطه مُلزمةٌ : الجوهرية منها ، تلزمُ جميعَ البشر ليتطهروا من تداعيات الخطيئة الأصلية فالمصالحة مع الله، حتى الذين ماتوا قبل موت وقيامة المسيح؛ أمَّا العملية منها أي الفنية والتكتيكية فهي لا تنطبقُ إلاّ على من عاش في زمن المسيح وبعده، مثل المعمودية. أي الذين عرفوه وآستطاعوا أن يختاروا بين قبوله أو رفضِه. لم يكن هذا ممكنًا لمن لم يُعاصروه بل سبقوه وماتوا قبل ظهوره لكنهم سلكوا على رجاء مجيئه، وعلى ضوء العهد وما فرضه الله من وصايا لتلك الحقبة من الزمن. آمنوا بمجيئه وتمنوا مُعاينته (متى 13: 17)، و ماتوا على هذا الرجاء. حتى هؤلاء لا مخلص لهم غير المسيح وحدَه والذي يشمل كلَّ البشر(متى22: 9). حتى آدم لم يخلص إلاّ بموت المسيح الكفّاري عنه وعن نسله . بنُوَّتُنا لآدم أشركتنا في خطيئته حتى لو لم نخطأ مثله وأُخُوَّتنا للمسيح شاركَـتْنا في التكفير عنها عندما حمل خطايانا على االصليب، إذ ” ألقى عليه الرَبُّ إِثمَنا جميعًا “(اش53: 6؛ رم 5: 12-17)، و ” بجراحه شُفينا” (اش53: 5). هكذا جمع الله، للخلاص، في المسيخ كلَّ شيءٍ، مما في السماوالت وفي الأرض ” (اف1: 10).
لم يتَمَّتعْ الآباء والأنبياء وكلُّ أبرار العهد القديم في رؤية مجد الله وراحته إلا بعدَ موت المسيح. ولم يكن بوسعهم أن يعتمدوا في الجسد، إِذ لم تكن موجودة. وزال بموتهم جسدهم الفاسد فلا يحتاجون بعد إلى تطهيره حسِيًّا. لقد إعتمدوا في إيمانهم ورجائِهم وجهادهم لأجل الحَّق. ماذا قال يسوع للص اليمين التائب؟. لم يقُلْ له ” إنزل وآعتمِدْ”. بل قال له:” تكون اليوم معي في الفردوس. لقد إعتمد في إيمانه وعذابه ورجائه. وكأن يسوع قال له ” إيمانك خَلَّصَك”، فإيمانك وتوبتك وشوقك هي معمودية لك.
أمَّا عن نيل أبرار العهد القديم الخلاص فالكتابُ يؤَّكدُ ذلك بصريح العبارة. فهذا متى يرمز إليها :” ولفظ يسوع الروح… والقبور تفتَّحت وقام كثير من أجساد القدّيسين الراقدين، و خرجوا من قبورهم (لمشاركة الحياة المجيدة مع يسوع) ..”(متى27: 50-53). وما رمز إليه متى أكَّدَه بطرس حرفيًا:” أُميتَ (يسوع) موت الجسد، لكنَّه أُحييَ حياة الروح، فآنطلقَ بهذا الروح يُبَّشرُ الأرواح التي في السجن ..(1بط3: 19). ويضيفُ” سيُحاسَبون بهذا عند الذي أزمع أن يدين الأحياءَ والأموات. ولذلك أُبلِغَتْ البشارةُ إلى الأموات أيضًا ليكونوا، في الروح، أحياءَ عند الله إِذا دينوا في الجسد عند الناس “(1بط4: 6). ويؤَّيدُ هذا ما جاءَ في عب12: 22-24 ” أمَّا أنتم فآقتربتم .. من الله دَّيان البشر جميعًا، من أرواح الأبرار الذين بلغوا الكمال، من يسوع وسيط العهدِ الجديد”. ويُفَسِّرُ الكتاب، من جهةٍ أخرى، لماذا لم يتمتع ابرارُ العهد القديم بالمشاهدة والتنَّعم السماويين قبل موت المسيح، فيقول:” لم يحصَلْ هؤلاء على الوعد مع أنَّه مشهودٌ لهم بالأيمان. لأنَّ اللهَ أَعَّدَ لنا مصيرًا أفضل من مصيرِهم، وشاءَ ألا يصيروا ” كاملين إلاّ معنا ” (عب11: 39-40). والكلام عن إيمان الأنبياء و الآباء الذي حُسِب لهم ولادة من فوق، لأنَّ الله رضيَ عنهم إِذ عاشوا حسبَ قلبِه.
قال كاتبُ الرسالة الى العبرانيين:” شهدَ الله أن هابيل وأخنوخ ونوح وإبراهيم ..”، وغيرهم من الآباء والأنبياء والقديسين أنهم أبرار إِرتضى الله حياتَهم وسلوكهم. ويعتبرُ إيمانهم مفتاح خلاصِهم، فيتابع :” في الأيمان مات هؤلاء كلُّهم دون أن ينالوا ما وعد اللهُ به، لكنَّهم رأوهُ ( المسيح) وحَّيوه عن بُعد .. كانوا يشتاقون الى الوطن السماوي. لذلك لا يستحي اللهُ أن يكون إِلَهَهم. فهو الذي أعَدَّ لهم مدينةً “. ويُضيفُ مُؤَّكِدًا أنَّهم إشتركوا في إستحقاق المسيح. فيقولُ عن موسى:” إِعتبرَ عارَ المسيح أغنى من كنوز مصر. لأنَّه تطَّلعَ الى ما سينالُه من ثوابٍ. و ثبت موسى على عزمه كأَّنه يرى ما لا تراه العين”. ويُنهي الرسولُ كلامَه:” بالأيمان … أقاموا العدلَ ونالوا ما وعدَ به الله وسَدُّوا أفواهَ الأُسود …وتغَّلبوا على الضعفِ .. وآحتملَ بعضُهمالتعذيبَ .. ورفضوا النجاة في سبيل القيامة إلى حياةٍ أفضل” (عب11: 4، 13، 26-33).
قبلَ أن يتجَسَّدَ المسيح أكَّدَ اللهُ لموسى ” أنا إلَهُ آبائِك إبراهيم وإسحق ويعقوب” (خر3: 6). وأمَّا يسوع فأكَّدَ أنَّ اللهَ : إِلَهُ إبراهيم وإلهُ إسحق وإلَهُ يعقوب. ما كان اللهُ إِلَه أموات بل إِلَهَ أحياء “(متى22: 32). كما أكَّدَ أيضًا أنَّ ابرارَ العهد الجديد سيلتقون مع الآباء، سيرونهم” (لو13: 18)، بل رأى الغنيُّ الجاهل الأناني الكافر إبراهيم ومعه لعازر البار في النعيم (لو 16: 23). كما يُصَّرحُ بولس أنْ ” آمنَ ابراهيمُ وحُسِبَ له ذلك بِرًّا “(رم4: 3، 9؛ غل3: 6 )، ” فبالأيمان لبَّى إبراهيم دعوةَ الله (عب11: 8)، وهو يُشبه إيمان الخطأةِ والمرضى الذين قال لهم يسوع ” إيمانُك خلَّصك” (متى9: 22؛ 15: 28؛ مر10: 52؛ لو7: 5؛ 18: 42؛ أع3: 16؛ رم3: 22-25). بينما إعتبر بطرس إيمان الآباء معمودية لأنه يقول بأنَّ الطوفان الذي أغرق الخاطئين الأشرار صار لنوح وأفراد أسرته معمودية أنقذتهم من الهلاك (1بط3: 20-21).
ولمَّا إِستلهمت الكنيسة تعليم الكتاب المقدس يلَّغتْ بدورها هذا التعليم وقالت بوجود ثلاثة أنواع معمودية : بالماء (الأعتيادية )، بالدم ( لمَّا يستشهد موعوظ من أجل المسيح قبل أن يعتمد)، وبالشوق ( من لم يتعَرَّف على المسيح، ولم ينتم إليه بالعماد، إنَّما يشتاق الى تلك المعرفة والأنتماء الى الحقيقة ويسلك سبيلها في البر والفضيلة). وهذا هو نموذجُ الأباء و الأنبياء وكل أبرار العهد القديم. لقد إنتموا الى المسيح فآعتمدوا بالأيمان والشوق.