دار نقاشٌ بين شباب كنيسةٍ بخصوص بعض الممارسات ذات الطابعٍ الديني. وترَّكز بنوع خاص حول موضوعين: حضور القداس والمراسيم الدينية الأخرى ؛ وتقبيل يد الأكليروس (أسقف أو كاهن). أيَّدَ بعضُ الشباب ضرورة الأشتراك في المراسيم الدينية وإبداء الأحترام للرموز الدينية في حين أبدى البعض رفضهم لضرورة ذلك ، بل وحتى إمتعاضَهم لأنهم يلاحظون أن الحاضرين في القداس لا يحترمون الموقف بل قسم منهم يضحكُ وغيرهم يستاءُ لأنه لا يفهم لغة الصلاة ، بينما تبدو له قبلة يد الكاهن علامة خضوع لا تليق بإنسان حر.
المشاركة في القداس !
المشاركة في القداس تفرضه الكنيسة أيام الآحاد والأعياد بهدف تقديس يوم الرب. جاءَ في الوصية الثالثة من وصايا الله أنَّ الأنسان يشتغلُ ستة أيام وفي اليوم السابع يرتاح لأنه مُكَّرسٌ لله (خر20: 8-11)؛ وطلب الله من شعبه أن لا يشتغل في ذلك اليوم، بل أن يحفظ الراحة و يقَّدس النهار لأن ذلك اليوم “مُلكٌ للرب الأله” (تث5: 12-15). وسُّميَ ذلك اليوم ” السبت”، أى السُبات أو الراحة.
والرب يسوع إرتاح من عمله وأتم خلاص البشرية يوم قيامتِه. وكان ذلك الأحد ، الأول من الأسبوع. وهكذا تغيَّر السبت من أيام الرسل (أع20: 7؛ 1كور16: 2) الى يوم الأحد. أصبحَ الأحد يوم الرب. وصار المؤمن يبدأ أسبوعه بتكريس اليوم الأول منه لله لينال بركته ويرتاح ثم يشتغل ستة أيام. وأقامت الكنيسة فريضة تقديس الأحاد والأعياد ” لتكفل للمؤمنين الحَّد الأدنى الذي لا بد منه في روح الصلاة ، وفي الجهد الأخلاقي ، وفي نمو محبة الله والقريب” ( التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 2041). وفي الرقم التالي 2042 قال التعليم نفسه :” تطلب الكنيسة من المؤمنين أن يقّدسوا يوم تذكار قيامةِ الرب وأهم الأعياد الليترجية التي تكرّمُ أسرار الرب والعذراء الطوباوية مريم والقديسين، وذلك : بالمشاركة أولاً في الأحتفال الأوخارستي الذي تجتمع فيه الجماعة المسيحية، وتطلب منهم أيضا الأمتناعَ عن الأشغال و الأعمال التجارية التي يمكنها أن تمنعهم عن تقديس تلك الأيام “(المصدر السابق).
إذن الأشتراك في القداس ، يوم الأحد والعيد، مطلوبٌ من قبل الله لأنه تقديسٌ ليوم الرب. و مفروضٌ من قبل الكنيسة لأنَّ يسوع طلب منها ، عند تأسيسه سرَّ القربان، أن تصنع مثله أي تجمع المؤمنين به وتصنع ذكرى آلامه وموته وقيامته :” إصنعوا هذا لذكري” (لو22: 20؛ 1كور11: 24-26). ومن يخالف أمرَ الكنيسة يخالف أمر يسوع نفسِه (لو10: 16). فليس في سلطان المؤمن أن يقرر هو ما هو صحيح وحَّق. بل الكنيسة هي التي تحَّدد ذلك والمؤمن يتقيد به.
أما الكلام في الكنيسة أو حتى الضحك أثناء القداس من قِبل بعض الجُهلاء أو الضعفاء أو حتى الملحدين فهذا لا يبَّررُ عُزوفَ غيرهم عن حضور القداس. والمفروض أن يسكُتَ أولئك المشاغبون ويحترمَوا الموقفَ ويتعَّبدَوا. والمفروض أن يُنَّبه المؤمن الصالح أخاه المؤمن غير الفالح، لا أن ينقطع عن الأشتراك في القداس. يقول يسوع :” إذا خطيءَ أخوك فآنفرد به و وَّبِخْه..”لينصلحَ(متى18: 15) ، لا أن تدعه يُسيءُ وتبتعد أنت من الله. ويقول مار بولس لأهل كورنثية :” أزيلوا الفاسد من بينكم”(1كور5: 13)، لا أن تتركوه يعيثُ فسادا وأنتم تُبطلون الجهادَ من أجل الأيمان. يقول الرب بأنه لن يأخذ الملكوت إلا ” المجاهدون عُنـوةً ” (متى11: 12)!.
وأما عدم فهم لغة القداس فليست أيضا مُبَّرِرًا لهجرة الكنيسة. هناك ألفُ طريقةٍ وطريقة لفهم القداس. ذلك إما أن يتلوَ الكاهن الصلوات، حسبَ تعليمات الكنيسة، باللغة المفهومة من الشعب ( العربية ، السورث، أية لغة أجنبية ). و إما إستعمالُ كتبٍ فيها نص القداس بلغاتٍ عديدة ليستطيع المؤمن متابعة الصلاة والأشتراك فيها. ربما يُقَّصر كاهن ما القيام بذلك ولكن مطلوبٌ من المؤمن نفسِه أن يهتم ويوَّفر لنفسه مثل تلك النصوص المترجمة. ليس كل شيءٍ من واجب الكاهن. بل على كل مؤمن أن يهتم أيضا ويعمل لخلاصه ” برعدةٍ وخوف” (في2: 12). وإذا أهمل المؤمن العناية بخلاصه فسيهلك هو لا الكاهن.
تقبيل يد الأسقف أو الكاهن !
القبلة علامة المحبة (1بط5: 14؛ لو7: 45؛ 22: 48). وأيضا علامة الأحترام فالخضوع للرئيس. والمسيحية تعَّلم الأحترام والخضوع للرؤساء الدينيين كالمدنيين (1بط2: 18) بخوف وتوقير ومحبة (أف6: 5-6). فإذا قَّبَلَ مؤمنٌ يد الأكليريكي المسؤول عنه، أوأي أسقف كان أو كاهن ، وعَّبرَ بذلك عن إحترامه وخضوعه له فهو لا يخطأ. فالأحترام والطاعة فضيلتان بذاتهما لأنهما دليل الوعي بقيمة النظام ، و الله الخالق هو واضع النظام وهو أيضا من طلب الألتزامَ بإكرام البعض لأنهم يقومون، بشكل أو آخر، مقامه تعالى، كالوالدين (خر20: 12) أو الحاكم (رم13: 1). وقد درجت العادة بقبلة اليد تعبيرا عن الأحترام والطاعة.
والأحترام للرئيس الديني شيءٌ إيمانيٌ بديهي وكذلك الطاعة له. أولا لأنَّ الربَّ يسوع نفسه أمرَ بذلك :” من سمع منكم سمع مني، ومن رفضكم رفضني”(لو10: 16)، لأنه كلفهم وحدهم بالتعليم والتدبير(متى28: 19)، وخوَّلهم الحلَّ والربط (متى18:18). بالأضافة الى ذلك يطلب الرسول من المؤمنين أن يُكرموا الكهنة والأساقفة، يقول :” نسألكم .. أن تُكرِموا الذين يجهدون بينكم ويرعونكم في الرب وينصحون لكم، وأن تُعَّظموا شأنهم فتبدوا لهم منتهى المحبة من أجل عملهم “(1تس5: 12-13؛ 1كور16: 16-18؛ 1طيم 5: 17). ويُبدي المؤمنون إحترامهم للأكليروس بقبلة اليد اليُمنى لأنهم يلمسون بأيديهم جسد المسيح ، وبها أيضا يباركون ويوزعون كلَّ أسرار الأيمان. قد يكون كاهن أو أسقف خاطئا لكن كهنوته لا يزول بذلك. لذا فإكرامه تقديرٌ لخدمته و مهمته لا تأييدٌ لأخلاقه. مع ذلك يبقى أنَّ قبلة اليد لا تُفرضُ ، والمؤمن حُّرٌ في ممارستها أو لا.