أهلا وسهلا بالأخ ميخائيل جبرائيل ججو.
بعد قراءة الأخ ميخائيل للأجوبة عن إزدواجية الأنتماء الى كنيستين متناقضتين وعن موضوع العشور طرح أسئلة متعددة وفي مواضيع مختلفة ، إختصرها عنوان الجواب. و جاءت الأسئلة كالآتي :
@ ما هي حركة لوثر ؟ ماذا فعل ؟ هل هو على حَّق أم على باطل ؟
@@ هل أنتَ متأكد بأنَّ الكتاب المقدس هو مصدر الأيمان الكاثوليكي ؟
@@@ هل تستطيع أن تُجيبَ بحرية الفكر، أم يجب أن تتبعَ الإملاءات التي تأتيك من الفاتيكان ؟
1* حركة لوثر !
عرفت القرون الوسطى تيارات دينية تدعو الى التجَّدد في تقديم الأيمان بشكل جديد أقرب الى نص الكتاب المقدس منه الى أفكار أهل العالم وتقاليدهم ، لاسيما في الآداب. وبدأت حركة في فرنسا تدعو الى إصلاح في الكنيسة يقوم على تقديم صورة جديدة للأيمان ونبذ الكثيرمن سلوك الأكليروس الشاذ. ومن فرنسا إنتشرت أفكار الأصلاح الى البلدان المجاورة ، لاسيما سويسرا وألمانيا. وكان لوثر رئيس دير للرهبان ونتيجة تعمُّقه في تفسير الكتاب و ملاحظته أن َّ غالبية الأكليروس يجهلون الكتاب أو أقله لا يتقيدون به ولا يفسرونه للشعب إنتفضَ وحدَّد 95 مسألة تخص الأيمان والآداب تختلفُ عن القناعة السائدة في تلك الحقبة. وكان لوثر متأثرا من ناحية ثانية من جهاده الشخصي ضد ميول لا يرضاها لنفسه ولكنه يجد نفسه عاجزا عن تغييرها والتخَّلص منها. فقادته كل تلك المواقف الى رؤية جديدة و تفسير خاص لبعض العقائد المسيحية تتماشى ورؤيته للأيمان.
عارضَ رأيُ لوثر تعليمَ الكنيسة المؤَّسَس على الكتاب المقدس.
فعَّلمَ أن الخطيئة الأصلية لا فقط أفقدت الأنسان نعمة صداقة
الله ، بل أفسدت الطبيعة البشرية و يستحيلُ إصلاحُها ناسيا وعد
الله بأن واحدا من نسل آدم وحواء سيسحق رأس الشيطان ويعود
الأنسان الى الفردوس ، ويستعيد صداقة الله (تك3: 15). فقال
لوثر:” إن الخطيئة الأصلية هي فقدان كل استقامة وكلِ طاقةٍ
إقتنتها قوانا المادية والفكرية، الداخلية والخارجية معا “.
وبالتالي إدَّعى أنَّ ” الخطيئة ـ أية كانت ـ لا يُشفى منها
الناس ولا تُقهَر”. ويكون بهذا قد نكر أو تناسى موت يسوع
الفدائي لتحيا الأمة (يو11: 50-52)، و أهمل نداء يوحنا (لو3:
3-9) ويسوع الى التوبة (متى4: 17)، وكذلك دعوة الله إليها منذ
العهد القديم قائلا :” أ بموت الشرير يكون سروري؟ كلا. بل
بتوبته عن شره فيحيا ” (حز18: 23). وهكذا علمت الكنيسة منذ عهد
الرسل :” يصبر الله عليكم لأنه لا يشاء أن يهلك أحد منكم، بل
أن تبلغوا جميعا الى التوبة “(2بط3: 9). أما قال يسوع نفسه :”
لم يُرسل الله ابنَه الى العالم ليحكم به على العالم بل
ليُخَّلصَ به العالم ” (يو3: 17)؟.
ونتيجة مبدأِه هذا علم لوثر أنَّ الله يحَّددُ البعضَ للخلاص والآخرين للهلاك حسب إختياره الحر دون آعتبارِ حياة المؤمن. والأيمان بالمسيح يبقى الأمل الوحيد بالخلاص، أما الأعمال حتى النابعة من المحبة (غل5: 6) لا تنفع شيئا ولا قيمة لها. وتغاضى عما علمه مار بولس لما قال: ” لو كان لي الأيمان لأنقل الجبال ولم تكن لدي المحبة فما أنا سوى نحاس يرُّن أو صنجٍ يطُّن “(1كر13: 1-3). ونسي أيضا :” أننا من صنع الله خلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أَّعَّدَها بسابق إعدادِه كي نُمارسَها ” (اف 2: 10). وأهمل بنوع خاص تأكيد يسوع ، ومن بعدِه كل أسفار العهد الجديد، بأنَّه :” سيجازي يوم الدينونة كلَّ آمريءٍ على قدر أعماله “(متى16: 27). ثم رفض وجود كنيسة ، مؤسسة زمنية، رغم قول المسيح :” على هذه الصخرة (بطرس) أبني كنيستي” (متى16: 18)، ورفض لها كلَّ حق التعليم وبالتالي حَرَّر المؤمنين من أي شكل من أشكال الطاعة للكنيسة في شخص رؤسائها الدينيين ، ناسيا أنها مكلفة من قبل المسيح بإيصال التعليم الحق المستقيم الى أهل العالم (متى28: 19)، وبأن من يرفضها ولا يخضع لها يكون يرفض المسيح نفسَه (لو10: 16). ولم يلتفت الى ما كتبه بطرس :” أيها الشيوخ إرعوا قطيعَ الله الموكول اليكم .. وأيها الشبان إخضعوا للشيوخ وآلبسوا كلكم ثوب التواضع ..”(1بط5: 1-9).
أما الغفرانات فلم يُعِرْ لها في البدء إهتماما ولا إعترض عليها. ولكن لما إشتدَّ الخلافُ معه وصار معارضوه ، ولاسيما اللاهوتيون ، يفندون نظرياته الأيمانية ويستعملون الغفرانات ليخلقوا جوا من الأمان ثار لوثر عليها لكسب موالاة الشعب وقال:” من الأفضل أن يستسلم الناس للجهنم بما أنَّ هذا هو قدرُ جميعهم” أى لا تنفع الغفرانات ما دام لا قيمة للأعمال ، و أدخلها قائمة ما يرفضه من تعليم الكنيسة العام. وبدأ تهجمه على الكنيسة والبابا وحذف الأسرار رافضا ذبيحة القداس، رغم قول المسيح ” إصنعوا هذا لذكري”، والنذور الرهبانية ، فعتق نفسَه من النذور وتزوج راهبة إسمها كترينة. وجاءت قطيعته مع الكنيسة تدريجيا رافضا سلطة البابا ثم سلطة المجامع وحتى سلطة الكتاب المقدس الا حسبما يوافق تفسيرَه هو وليس تفسير الكنيسة. بينما أكد مار بطرس :” أنه ما من نبوءة في الكتاب تقبل تفسيرا يأتي به أحدٌ من عنده ” (2بط1: 21)، بل الروح القدس الذي ألهمه هو يوحي الى السلطة الكنسية وحدها إمكانية تفسيره بشكل صحيح.
ولما طلبه الفاتيكان الى روما ليشرح آراءَه رفض الذهاب. فأرسل لاهوتيا يناقشه آراءَه لكنه لم يلين. وأخيرا أرسل اللاهوتي الشهير جون آيك وناظره علنا في لايبزيغ بين 27/6 و 16/7/1519. ولما رفض لوثر كل أشكال السلطة التعليمية للكنيسة ذَّكَرَه جون آيك بأن الرب يسوع أكد أن من يرفض السماع للكنيسة يرفض السماع له هو مباشرة ولم يرعوِ لوثر. عندئذ قال له :” أنتَ إذن وثنيٌ وعَّشار”(متى18: 17). ثم أعلنته الكنيسة محروما أي خارجا عنها وأنَّ تعليمه مخالف لتعليم المسيح وإرادته، ودعت المؤمنين الى التمسك بالأيمان المستقيم وعدم الأنجراف وراء من لم يعرفوا المسيح.
وعلى القاريء الكريم اللبيب أن يحكم إن كان لوثر على حق أم على باطل؟. إذا كان لوثر على حق فتكون الكنيسة قد أخطأت. وإذا أخطأت الكنيسة رغم وعد المسيح لها بأنه لن يسمح ” لأبواب الجحيم أن تقوى عليها” (متى16: 18)، وإذا أخطأ بطرس (البابا) رغم تأكيد المسيح بأنه يعطيه مفتاح الحل والربط (متى16: 19)، وأنه صَّلى لأجله كي لا يتزعزع إيمانه حتى كلَّفه بأن يُثبتَ هو إيمان إخوته (لو22: 32)، إذا أخطأ البابا رغم هذا وأخطأت الكنيسة رغم وعد المسيح، وخلال خمسة عشر قرنا، فهل يكون لوثر إلـهًا نازلا من السماء عدوا للمسيح يخالف تعليمه حتى يكون تعليمه صحيحا؟. لا يقبل الأمر تفكيرا : إما لوثر هو على حق والمسيح ـ حاشاه! ـ كذاب ، وإما لوثر هو الذي كذب في تعليمه ، عن علم او عن جهل.
وبينت الأحداث اللاحقة من هو ” الكذاب “. لقد نشر مناصروا لوثر الفوضى في البلاد. دعوا الى غلق الأديرة والى زواج الكهنة والرهبان وتغيير القداس ونزع الصلبان وإلقائها أرضا ، كما حدث في هذه الأيام أن أسقفا لوثريا رفع من الكنيسة كل رموز المسيحية من الصلبان والمذابح وكل ما يختص بالمسيح بحجة استقبال المهاجرين غير المسيحيين في كنائسه!. ثم أيد لوثرأولا ثورة الفلاحين إنطلاقا من حرية الفكر والمساواة والحق الخاص. لكنه آنقلب عليها سريعا لمصلحة الإقطاعي الذي يحميه، وطالب قمع الثورة والقضاء على الفلاحين بالعنف قائلا :” يا رب نجّنا!. هلُّم الى إغاثتنا. إستعمِلْ السيف وآقطع ما آستطعت من الأعناق. ..لا يستحق فوضوي أن يعامَلَ بعقل.. الحمير تحتاج الى الضرب ، والشعب العام يحتاج الى أن تحكمه القوة. إنَّ الله يعرف ذلك جيدا لأنه لم يُقَّلد الحكام ذيل الثعلب بل السيف ..”؟!!!.
هل هكذا صَّلى المسيح ؟ أم هكذا عَّلم ؟ أم هكذا أمر ؟ … ليحكم القاريء بنفسِه!.
2* الكتاب المقدس مصدر الأيمان !
أن أكون متأكِدًا بأنَّ الكتاب المقدس هو مصدرالأيمان الكثوليكي، نعم أنا متأكد 100%100 . هكذا قال الكتاب نفسُه ، : ” الكتاب كله من وحي الله يفيد في التعليم والتفنيد والتقويم و التأديب في البر”(2طيم3: 16)، لأنَّ ” كلَّ ما كُتبَ قبلا إنما كتب لتعليمنا حتى نحصل على الرجاء، إذا ما حصلنا على ما أتت به الكتب من الصبر والعزاء” (رم10: 4) ، ولأنه ” كُتِبَ تنبيها لنا “(1كور10: 11).
مصدر الأيمان هو الله نفسه. والله كشفَ لنا ذاته بالوحي، وقد كلمنا في الأنبياء. ثم كلمنا بنفسه وجها لوجه في شخص ” الأبن” يسوع المسيح. وكلام الأنبياء والمسيح حفظه ونقله الينا الرسل إذ وضعوه في ” الكتاب المقدس”، لنؤمن بدورنا بالمسيح ونتبع تعليمه فنخلص. هذا ما قاله يوحنا:” أتى يسوع بآيات كثيرة لم تُدَّون في هذا الكتاب. وما دون من الآيات هو لتؤمنوا بأن يسوع هو المسيح ابن الله ، واذا آمنتم نلتم بآسمه الحياة “(يو20: 30-31). بينما أكد لوقا من جهة أخرى صحة ما يتلقاه المسيحي من تعليم الكنيسة (لو1: 4).
وهكذا تؤكد الكنيسة أيضا بأنها تبلغ العالم إنجيل المسيح(متى28: 19؛ مر16: 15)، وتعلنه ” كينبوع لكل حقيقة خلاصية ومصدر لكل دستور آخلاقي” (المجمع الفاتيكاني الثاني، وثيقة ” الوحي الألهي” رقم 7). ويضيف المجمع ويؤكد ما قاله الانجيل ونوهنا عنه أعلاه ، بأن الوحي الألهي بواسطة يسوع المسيح نقل قسم منه الينا بواسطة الأسفار المدونة ، والقسم الآخر” بما استلمناه بكرازة الرسل الشفوية وبمثلهم ومؤسساتهم ما كانوا قد قبلوه من فم المسيح ومن أعماله ومصاحبته وما تعلموه من الوحي ، هذه التي شهد لها الرسل بحياتهم دون أن يدونوها في ” الكتاب”. وهذا ما نسميه ” التقليد “.
وتقول وثيقة ” الوحي الألهي”: “من ثم أصبح هذا التقليد المقدس ، والكتاب المقدس بعهديه بمثابة مِرآةٍ تتأمل فيها الكنيسة ، أثناء مسيرتها الأرضية، اللهَ الذي تتسَّلمُ منه كلَّ شيء، الى أن تعاينه وجها لوجه كما هو” (رقم 7). وإذ تضع التقليد المقدس مع الكتاب فلأن بولس قال بوحي من الروح:” حافظوا على السنن التي أخذتموها عنا: إما مشافهة وإما مُكاتبةً “(2تس 2: 15). ومن جهة أخرى يُثني على المؤمنين الذين” تحافظون على التقاليد، كما سلمتها اليكم “(1كور11: 2) أو يدعوهم الى الأقتداء به في سيرتهم لأرضاء الرب (1كور10: 23؛ 11: 1) فيقول :” وآعملوا بما تعلمتموه مني وأخذتموه عني وسمعتموه مني وعاينتموه فيَّ” (في4: 9).
وإذا يشُّدُ بولس على الأقتداء به فلأنه ليس كل المؤمنين بالمسيح يفهمون المسيح على حقيقته أو يتبعون تعليم الكنيسة. فيوصي أهل تسالونيقي :” أن تبتعدوا عن كل أخ يسيرُ سيرة باطلة خلافا لما أخذتم عنا من” سُّـنة”. فإنكم تعلمون كيف يجب أن تقتدوا بنا “، ويعطيهم مثال عادة “لا يأكل من لا يعمل”، وهذا غير مكتوب في الكتاب (2تس3: 6-11). بينما وصَّى أهل فيلبي أن يقتدوا به ، لا بغيره، ” لأنَّ هناك جماعةً كثيرة ،..، تسير سيرة أعداء صليب المسيح..”(في3: 17-18). إذن تحتاج كلمة الكتاب الى شهادة حياة الرسل حتى يكتمل ايمان المسيحي ويمَّيز درب الحقيقة. ونحن اليوم نقرأ الحقيقة في الكتاب وفي سيرة الرسل و المؤمنين الذين إفتهموا روح المسيح وتعليمه وعاشوه حتى قبل أن يُقَّيَدَ في الكتاب. ولهذا تؤكدُ الكنيسة بأنها ” لا تستقي يقينها بشأن كل الحقائق الموحى بها من الكتاب المقدس وحده “. فإذا كان الكتاب المقدس ” كلمة الله المُحَّررة كتابة بإلهام الروح القدس، أما التقليد المقدس فهو كلمة الله ، التي عهد بها السيد المسيح والروح القدس الى الرسل، كاملة الى خلفائهم لكي يحفظوها ويعلموها وينشروها بكل أمانة ، بواسطة تبشيرهم ، مستنيرين بنور روح الحق”(الوحي الألهي، رقم 9). تتابع الكنيسة تأكيدها بأنَّ ” التقليد المقدس والكتاب المقدس يشَّكلان وديعة واحدة مقدسة لكلمة الله تسلمتها الكنيسة “( رقم 10). وتنهي تعليمها بأنَّه : ” يتضحُ من ثمَّ بأنَّ التقليد المقدس والكتاب المقدس وسلطة الكنيسة التعليمية ترتبظ وتتناسق فيما بينها، طبقا لتدبير الله الكلي الحكمة، بحيث لا قيام للواحد دون الآخرين..”(رقم 10).
3* حرية الفــكر !
إستغربت سؤال القاريء الكريم وهو يسألني :” هل تستطيع أن تجيب بحرية الفكر ؟ أم يجب أن تتبع <> الأملاءات <> التي تأتيك من الفاتيكان” ؟. سألت نفسي : ” ماذا يتصورني القاريء؟ هل يعتقد بأني أستشير البابا في الرد على الأسئلة ؟ وهل الفاتيكان يملي عليَّ ما أكتبه؟. ليطمئن قارئي العزيز أن لا يوجد بيني وبين الفاتيكان خط تلفوني أحمر حتى أستشيرهم في كل صغيرة وكبيرة، وكل شاردة و واردة، ولا يُملون عليَّ ماذا أفكر وماذا أعمل. وأسأل بدوري قارئي الكريم، من أي تيار أو مذهب كان، هل هو يعيش تحت إملاء رؤسائه فيحشون له فكره؟.
ولكن هناك سبيل لا ثانٍ له وهو أنَّ لكل إنسان قناعته ومبدأ إختاره ويعيش على ضوئه ويتقَّيد به ويلتزم بنتائجه. من هذا القبيل أنا مؤمن بالله ونتيجة لذلك أنا أسلك درب الأيمان وما يمليه علي الأيمان. وهل يحُّق للملحد أن ينكر عليَّ ذلك ويتهمني باني فاقد الفكر الشخصي؟. طبعا لا لأني بحريتي إخترت سبيل الأيمان وأتقيد به وبتعليماته لأنه يضمن خلاصي. وأنا أومن بأن الله تجَّسدَ في شخص يسوع المسيح لينير للأنسان التائه في الضلال درب الحق فالخلاص. والمسيح علمَّ وعمل وأسسَّ جمعية هي الكنيسة التي من خلالها يبقى حاضرا بين البشر، ومن خلال أعضائها ينير درب الحقيقة للعالم إذ يشهدون له.
فالكنيسة التي كلفها المسيح بأن ” تتلمذ كل الناس وتعَّلمهم “كيف يحفظون كلام الرب الحق لا تبطل من أن تشع حقيقة المسيح وتبلغ كلامه ومبادئه للعالم. ومن يؤمن حَّقًا بالمسيح يؤمن بالكنيسة ويتبع إرشاداتها ويخضع لقوانينها لأنها ضمان حياته ومصيره الأبدي. أما قال المسيح ، كما نوَّهنا أعلاه، بأن من يسمع للكنيسة يسمع له ومن يرفض تعليمها يرفضه ؟ (لو10: 16).
فالخضوع لتعليم الكنيسة ليس قيدا وعبودية تفقد المطيع كرامته وفكره، بل هو وعيٌ و تواضع وآختيار صحيح للحياة يفتخر به المؤمن. أما كان أفضل لو سمع آدم وحوأء و قايين كلام الرب ولم يخالفوه بحجة حريتهم في الفكر والأختيار؟. وهل أملى الرب عليهم ارادته أم بيَّن فقط لهم الحقيقة التي تريحهم إذا تبعوها؟. هكذا الكنيسة عندما تعلن الحق لا تنوي أن تفرض وتملي على أحد إرادتها و تلغي بالمقابل شخصية الفرد. إنها تكمل مهمتها “بان تتلمذ وتعلم فتشهد ” للحق الذي أعلنه المسيح. وكل انسان حُرٌ أن يقبله أو يرفضه. وطوبى لمن يعرف أن يختار فيخضع بوعيه و حريته لتوجيهات الكنيسة. ولو كان لوثر فعل ذلك وسمع للكنيسة لما سبَّبَ انقسام المسيحية في الغرب. وكذلك من قسَّموا الكنيسة في الشرق. ولما أصابهم الويل الذي أنذر به الرب كلَّ من على يده تأتي الشكوك (متى18: 7)!. والخضوع للكنيسة بحرية وآختيارهو فخرٌ. وقد رأينا كيف أن الرسل علموا بآسم المسيح الطاعة للكنيسة والأمتثال لتعليمها.
وأنا لستُ إنسانا قائما بذاتي. أنا إنسان صورة لله مثل كل الناس. ويدعوني الله الى محبته و حفظ كلامه. ولم يتركني شريدا في الكون أتيه بين ضلالات العالم. بل نور طريقي بتجسده وفداني بآلامه و جعلني عضوا في جسده السري/الكنيسة (أف1: 22-23)، فضمن لي بذلك السبيل المستقيم للخلاص. بقي عليَّ أن أثق به أو لا، وأن أقبله فأخضع لكنيسته أو أرفضه و أنفصل عنها وأتبع أهوائي. لم يعصمني المسيح من الخطأ لأعمل بقناعتي. بل وعد العصمة لكنيسته في شخص رئيسها المنظور وفي خلفاء الرسل ـ الأساقفة ـ متحدين برأسهم خليفة بطرس. و لا يوجد غيرهم يقدرأن يضمن لي حقيقة المسيح والحياة الخالدة في النعيم. وإذا سلكتُ بحريتي حسب توجيهات الكنيسِة وتقيدتُ بما تعلمه فهذا ليس إملاءًا بل إختيارا يريده الرب نفسه. و لا أنوي سلوك درب لا يرضى عنه المسيح، ولا إن أفتح لنفس دكانا أسمّيه كنيسة والمسيح بريءٌ منها فيقول لي عند مجيئه ” لا أعرفك، من أنتَ؟. إليك عني يا دجَّال” (متى7: 23؛ 25: 12).
فليطمئنُ السائل الكريم بأن ليس الفاتيكان من يملي عليَّ أجوبتي. بل إيماني وتعليم الكتاب المقدس. أما إذا استشهدتُ أحيانا بتعليم الكنيسة الرسمي فلأني مؤمن به وقابله. وأيضا لكي يعرف العالم تعليم الكنيسة الصحيح بآسم المسيح ويُمَّيزه من تعليم الرسل المزورين (في1: 15-18؛ غل1: 7-10؛ 2: 4-5) فلا يركن الناس الى كل روح بل يُمَّيزوا صوت الروح القدس من صوت ابليس (1يو4: 1-6). فلا أخجل من الفاتيكان، حتى إذا أخطأ بعض سكانه أو موظفيه، لأن الفاتيكان لم يبحث يوما عن مصلحته بل يناضل بآسم المسيح من أجل نشر الحق والمحبة والإخاء. وهذا موضوع فخر لا خجل.
وإذا كانت الكنيسة الكاثوليكية تعارض مباديء العالم فلأنها ليست من العالم بل مرسلة اليه (يو17: 16-18). ولو أُتهمت بالتخلف والتعصب ودفعت ثمنا غاليا بآضطهادها وقتل أبنائها وتشتيتهم إلا إنها تبقى أمينة لمؤسسها ورأسها يسوع المسيح رافضة كل مساومة على الحق والبر، ومسرورة بأن تشترك بآلام مخلصها وتكملها (1بط 4: 13؛ كو1: 24).