العشــور : بين الله والكنيسـة !

أهلا وسهلا بالأخ سنان د.قيس بولس

سأل الأخ سنان عن العشور ، وصاغ أسئلته كالآتي :

# ما هو حَّقُ الله الذي يجبُ علينا إعطاؤُه ؟

## هل حَّقُ الله هو مـاديٌ ؟

### هل على المسيحيين أن يُعطوا للكنيسة ؟

#### ماذا إذا لم أستطع إعطاءَها ؟

الأرضُ كلها لله ! مز24: 1

هكذا قال المزمور. وهكذا يقول الكتاب المقدس منذ وجود الكون وما فيه. الله هو الذي خلق كل شيء. أى الله هو الذي أعطى الأنسان ، قبل أن يخلقه، كلَّ خير يوجد على الأرض. لقد خرج الخير من الله لكي يقدر الأنسان أن يعيش على الأرض في الجسد. وفرَّ كل مستلزمات الحياة للأنسان. حتى وجود الأنسان هو ملك الله. لأنه من حياته ” نفخ نسمة الحياة في الأنسان “(تك2: 7). فحَّقُ الله أن نرُّدَ له الحياة سالمة ، وصورة كاملة لله الحي. لا يحتاج الله الى مال أو خيرٍ حتى يطالب الأنسان بها. هو مصدر كل خير، والعطاء بالذات. الله روح ماذا تنفعه الخيرات المادية؟. لا يحتاجها. إنه يريد حياتنا.

لله حَّقٌ على الأنسان ، كما للوالد على أولاده. ليس حَّقًا ماديا كما نوهت. بل هو حَّقٌ روحي معنوي وحيوي. الله هو أب أوجد البشر. وأوجدَه لأنه أحَّب فأعطى من ذاته وجودًا لآخر مثله، يرى فيه صورته ، ويورثه فيض خيراته. وكل أب ينتظر من إبنه أن يرُّدَ له الحب ، ويعترفَ بجميله، ويحترمه ويسمع كلامَه. هكذا هو الله. يريد من أبنائه البشر أن يردوا له الحب ويسمعوا إرشاداته وتوجيهاته الأبوية. وإرشاده وتوجيهه ليسا لإزعاج الناس أو التقليل من حريتهم. كلا. بل هو لمساعدتهم لأنهم لا يملكون المعرفة والخبرة الأزلية ، ولا يريد الله أن ينخدعوا بالمظاهر المادية ولا أن يغويهم أحد بآلتواءاته الفاسدة.

نعم رأس الشريعة ، وزبدتها ولحمتها، تختصر بوصية :” أحبب الرب الهَك من كل قلبك و كل فكرك وكل نفسك و كل قوتك. وآصغ الى كلام الرب”(تث6: 4-18). وكيف يبدي الأبن حبه وآحترامه لوالده ؟. يبديه بالأعتراف بجميله في إيجادِه، وبطاعته له وخدمته أى مساعدته على العيش الكريم. هكذا يبدي الأنسان حبه لله بالأعتراف بجميله في أنه أوجده و وَّفرَ له كلَّ خير ومن ثمة يخضع لشريعته ، التي تكمل الوصية الأولى، فيحبَّ قريبه كنفسه (أح19: 18؛ متى22: 37-40). هذا أيضا حَّقٌ من حقوق الله على الأنسان. لأن كل الناس أولاد الله. ويريد الله أن نعيش في عائلة بشرية واحدة ، إخوة وأخوات، تجمعنا المحبة والإخاء والتعاون على البر والتقوى.

أما العشور فتلك لتنظيم الخيرات والخدمات بين البشر. توجد في الحياة الأجتماعية أنواع التخصصات المهنية. لا تستطيع كل فئة أن توفر لنفسها كل شيء، وبالنتيجة تحتاج الى خدمة الفئات المختلفة عنها. وإذا تكاتفت الخدمات تصبح الحياة سهلة ومريحة. وليست كل الخدمات مادية فقط. فيها أيضا خدمات روحية. ما دام الأنسان روح على صورة الله فيحتاج الى خدمات روحية تساعده على سلوك السبيل القويم البنّاء. ومن يتخصص بهذه الخدمة الروحية يحتاج الى الخيرات المادية التي توفرها الفئات الأخرى. ومن هذا المنطلق نظَّم موسى حياة شعب الله بحيث يعيش الخدام الروحيون في الهيكل ، والمتخصصون بإيصال كلام الله الى الناس، عما يوَّفره لهم بقية المؤمنين من قوت وملبس ومصرف. فأمرَ بإعطاء ” العشر” من كل ما يملكه الأسرائيلي “للرب”(عدد18: 21-29) يوزع على الكهنة واللاويين وعوائلهم ، بالإضافة الى الصرف عل مستلزمات الهيكل وحاجات العبادة الروحية. وهذا أيضا من حق الله على الأنسان أن يمارس العدالة والمساواة كثمار للمحبة. ويسوع نفسه أكَّدَ بأن” العامل يستحق أجرته”(لو10: 7)، ويفَّسرها مار بولس بقوله أنه من واجب المؤمنين أن يهتموا بتوفير الحياة الكريمة، من الناحية المادية، للذين يخدمونهم ويشركونهم في خيرات الله الروحية عن طريق التعليم وتوزيع الأسرار الألهية والعبادة (1كور9: 7-14). الفرق بين العهد القديم والجديد أنَّ الأول فرضَ مشاركة الخيرات بين الناس بطريقة قانونية ، كما يجري مع الأطفال ، بينما تركها المسيح إختيارية حُرَّة كما يليق بالناس البالغين المتحَّضرين. فلم يفرض المسيح لا عشرا ولا خمسا ولا عشرين جزءًا. بل علم الناس أن يعيشوا في المحبة والأخاء ويمارسوها بكرامة وحرية كما فعل الله نفسه مع الأنسان. لم يُجبرْ أحدٌ اللهَ على الخلق والعطاء. بل فعلها عن محبة وسخاء. هكذا يطلب الله من الأنسان أن يكون كاملا في حبه وعطائه مثل أبيه السماوي.

الكنيسة والعشور !

لا تختلفُ الكنيسة عن بقية مؤسسات المجتمع المدني إلا بهدفها الروحي. تقوم وتثبت المؤسسات الأجتماعية بناءًا على الضرائب المستوفاة من المواطنين والأعضاء الخاصين. و الكنيسة أيضا بما أنها تقوم بالخدمة الروحية من تبشير بكلام الله ، وتقديم العون الروحي للناس عن طريق الأسرار، وتحتاج في ذلك الى كادر وبنايات ونشاطات ، وهذه لا تتوفر إلا عن طريق تبرعات أبنائها المؤمنين وعطاياهم السخية ، لذا على المؤمن عضو الكنيسة أن يسند مؤسسته كي لا ينقصها ما يلزمها من مال وخيرات لتوفيَ الخدمة.

هذا أمر بديهي لا يقبل النقاش ولا الأعتراض. إنَّ جماعة المؤمنين ،” الكنيسة”، تحتاج الى كل الخدمات المذكورة وإلى أكثر منها. والخدمات لا تتحقق بالهواء. بل تحتاج الى مصادر مالية مادية لتوفيرها. وهذه الأموال لن يتبرع بها الغريب. بل يجب على أعضاء كل رعية أن يضمنوا هذه الخدمات ويوفروا لها الأموال الضرورية. وتعود بالتالي الى خدمتهم ومنفعنهم. أما طريقة توفيرها فتختلف من جيل لآخر ومن منطقة لأخرى حسب الثقافة الخاصة و الأمكانية والتنظيم الأداري المدني.

وكما سبق ونوهتُ ترك المسيح هذا العطاء حصرا على إيمان المسيحي ووعيه ورغبته في المشاركة بالحياة الكنسية العامة بشكل فعال وسخائه ولا سيما على إمكانيته وسخائه. يوجد مؤمنون لا فقط لا تأخذ منهم الكنيسة بل تعطيهم وتصرف عليهم. وهناك غيرهم تدعوهم الى المشاركة بحب وسخاء. لم يُجبر الله الأنسان على محبته وطاعته. لم يُجبر المسيح تلاميذه على إتباعه. فقط طلب منهم أن يحبوه ويحبوا بعضهم ويتكاتفوا و يتضامنوا في شؤون الحياة الزمنية. وهكذا تصنع الكنيسة داعية الأمر لآختيار المؤمن نفسه ، دون أى تحديد أو إلزام.

هناك أمر يجب التحذير منه وهو : بسبب طمعنا وعدم شبعنا من الخيرات المادية يتصَّورُ كثيرٌ منا أنه في ضيق وأنْ ليس بإمكانه أداء واجبه تجاه رعيته وكنيسته. وآستنادا الى ذلك يعفي نفسه من واجبه دون حتى أن يستشير أحدا. الكنيسة لن تفتقر بعدم التزام البعض بواجبهم كما يلزم. الخسارة لمن يتملص من واجبه ويمتنع عن أدائه. لأنه لن نقدر أن نبرر ذواتنا أمام الله. يعرف الله سرائر القلوب. أما كشف الروح القدس لبطرس كذبة حننيا وسفيرة؟(أع5: 1-11). والواجب لن يُقاسَ بعلو سقف التبرع، بل بقوة الأيمان والحب اللتين تدفعان المؤمن الى المشاركة حتى ولو” بفلسي الأرملة “!.

القس بـول ربــان