أهلاً وسهلاً بالشماس سامي خوشابا
كتب الأخ سامي :” لي سؤال حول ” أبانا الذي في السماوات، من القداس في الكنيسة الكلدانية : لمــاذا لغــوها ” ؟؟؟؟؟.
أيَّـةُ ” أبانا الذي ” ؟؟
تتلى الصلاة الربِّية ، أي” أبانا الذي في السماوات” التي علَّمها الرب يسوع نفسُه، في كل قداس يُقام ، وفي كل الطقوس المُتعَّددة والمختلفة ، وذلك قبل رتبة التناول ، ومن ضمنها القداس الكلداني حتى بعد التغييرات الأخيرة ، وتتلى بعد رتبة التوبة { نقترب كلنا.. ܟܠܲܢ ܒܕܼܸܚܸܠܬܼܵܐ ܘܐܝܼܩܵܪܵܐ }، وهي إستعدادية وتحضير للتناول. ويقول عنها مار نرسي الملفان أنّها ” الصلاة التي تحتوي كلَّ الصلوات ، وبدونها لا تكتمل (لا تقُوم) أيَّةُ صلاة ” (تفسير القداس ، موصل 1928، ص 100). لابُدَّ وأنَّ الشماس يقصُدُ ” ابانا الذي” ، في صيغتها الكلدانية الطقسية ، وهي غير موجودة في غيرها من الطقوس ، وكانت تتلى في بداية القداس ونهايته ، كما تتلى في بداية ونهاية الأحتفال بكل الأسرار وفي كل الصلوات الكنسية الطقسية الرسمية. هذه الصلاة ألغاها المجمع البطريركي في التجديد الذي أُجري على القداس ، حسب رغبة الكنيسة العامة ، كما في بقية الكنائس، وتلبيةً لتوجيهات المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني (1962-1965) ، لتلائم الطقوسُ وتغَّذيَ حياة المؤمنين حسب ظروف العصر الحالي ، فيؤَّدوا شهادةً صادقة عن المسيح ويكونوا نورًا حَّقًا للعالم ، ويُقَّدسوه بسيرتهم المسنودة بالقداس.
قدّوسٌ قدّوس .. قدّوس أنتَ !
كانت الصلاة ، في شكلها المذكور، كالآتي :” أبانا الذي في السماوات. ليتقدَّس إسمُكَ. ليأتِ ملكوتُك. قدّوسٌ ، قدّوسٌ ، قدّوسٌ أنتَ. أبانا الذي في السماوات. السماءُ والأرضُ مملوءَتانِ من عظـمةِ مجدِك. الملائكة والبشر يهتفون لك : قدّوس. قدّوس. قدّوسٌ أنتَ”. تتلى بعدها ” أبانا الذي ” كاملةً ، ثم يعلن المحتفل :” المجد للآبِ والأبن والروحِ القدس ” ويرُّدُ عليه جوق الشمامسة ويُكَّررُ الجُزءَ الأول. هكذا في بدء ونهاية كل قداس، وكل رتبة كنسية طقسية رسمية. وكانت قد أصبحت جزءًا تراثيا في الليترجية الكلدانية.
وفي العقود الأخيرة إنتشرت آراءٌ كثيرة وآرتفعت أصواتٌ عديدة تعلنُ عدم ضرورة تلاوة ” أبانا الذي” ثلاث مرّاتٍ في كل صلاة كنسية عامة ، وتُطالبُ بإلغائها. تكفي مرَّة واحدة. لاسيما وآعتُقِدَ أنَّ أسبابَ تلاوتها بهذا الشكل قد زالت. لأنَّها أُدخلت الى الطقوس بهذا الشكل ، حسب العلم الموروث، دفاعًا عن االنفس وإبرازًا لصحَّة ايمان كنيسة المشرق ( الكلدانية – الآثورية) ، وردًّا على تهمة كنائس أخرى بأنَّ كنيستنا لا تتلو الصلاة الربية. ويُعزى تنظيمها وإضافتها إلى الطقوس إلى البطريرك طيمثاوس الأول (780-823م) مع فرضها في بداية ونهاية كل رتبة كنسية (البير أبونا، آدب اللغة الآرامية، بيروت 1970، ص336). أن يكون البطريرك طيمثاوس الأول قد ألَّف الجزء الأول، أي ردة : قدوس ..إلخ، لا جدالَ في ذلك لأنه لم تُنسَب إلى غيرِه. أمَّا إضافة تلاوة الأبانا ، كما جاءت في الأنجيل ، إلى بدء وآنتهاء كل رتبة ، فيبدو أنَّها أقدم منه بأجيال. وربما تعودُ إلى بدايات تشكيل الليترجيات الخاصَّة. يشهدُ بذلك الملفان الكبير، المدعو” لسان المشرق” و” قيثارة الروح القدس”، مار نرساي (399-503م) و يقول:” عندئذٍ ( أي بعد صلاة الشكر التي تلي التناول <ܝܑܐܹܐ ܡܵܪܝ ܒܟܼܠ ܝܵܘܡ̈ܝܼܢ …يليقُ يا رب في كل الأيام> وقبل البركة الختامية للقداس) ، تتلى الصلاة التي علَّمها الفمُ المُحيي ، فيُصَّلي معًا الذين في المذبح والذين في الخارج. بهذه الصلاة يبدأون كل صلاة صباحًا ومساءًا. وبها يُكَّملون كلَّ أسرار الكنيسة المقَدَّسة ” (المصدر السابق ، ص98-100). مع العلم يذكر أنها تتلى بعد ” نقترب كلنا ” مباشرة و قبل التناول ويتأمل بها فيُفَّسِرُها في عشر طلبات ( المصدر السابق ، ص84).
كل الليترجيات هي من تنظيم الكنيسة وتهدف بها إلى بناء الحياة الروحية للأنسان لأجل خلاصه. و كما نوَّهنا أعلاه تتجدد من حين لآخر لتواكبَ التجدد الحاصل في الحياة الزمنية لتكون وسيلة ناجعة وغذاءًا ملائما وفعَّالا لتفيضَ حياة المسيح في المؤمنين وتنمو وتثمرَ فيكونوا خميرة الخلاص في العالم. وينفرد كلُّ جيل بخصوصيته المختلفة عن قبله وبعده لذا تحتاج الليترجيات الى تجدد مستمر لتواكب إنسان كل العصور، وتكون حيَّة مع المسيح الحي أبد الدهور. فكنيستنا أيضًا حاولت وتحاول ألا تتخلَّف عن مسيرة الأيمان العامة. تريد أن تغَّذيَ ليترجياتنا إيمان أبنائها فلا تقُّلَ شهادة حياتهم عن غيرهم. ولم يكن إلغاؤُها تلاوة أبانا الذي الإضافية سوى مظهر واحد من التغيرات الأخرى الأكثر أصالةً ، من أجل تجديد الحياة الروحية لدى أبنائها وتقوية رجائهم ومساندة جهادهم الروحي. وفي الإصلاح السابق قبل عقدين أُقتُرحَ تلاوةُ الجزء الأول الخاص مع ” قدوس. قدوس..” وفي بداية القداس فقط. لكن ذلك القرار أُجهض في مهده وقبل أن يرى النور. وليس بعيدًا أن يُعاد من جديد بشكل أو آخر حفاظا على التراث ، وآستهلالًا للقداس بتقديس الله أولا في ذاته ، ثم في عمله ، ليتعَّلمَ منه المؤمنُ ويقتدي بالله فيتقدَّس أولا في ذاتِه ثم في عملِه ليُقَّدسَ الآخرين.