الكنيسة وعَـبَـدةُ الشــيطان !

أهلا وسهلا بالأخ منـار البنــاء

كتب الأخ منار يقول : ” إعترفت السويد بطائفة ” عبدة الشيطان” كطائفة دينية. فمـا هو موقف الكنيسة من هذا “؟.

لشيطان وعـبدتُـه !

إنَّ جوابَ السؤال، من الناحية الأيمانية، محسومٌ ولا يقبلُ الجدل، ولا حتى السؤالَ عنه. الشيطان عدّوً الله والأنسان. تمَّردَ على الله منذ البدء وكذَّبَ على الأنسان فغَّشَه بغيةَ أن يحرمه حياة الراحة والسعادة بالتوافق مع الله والعيش في حضرته وكنَفِه فالتمَّتُع بخيراته. أسَرَ الأنسان وقَيَّده بخطيئته وسَدَّ في وجهه باب الحياة الأبدية. بكلمة ” أماتَه “!. والله تجَّسَد ليُنقذَ الأنسان من براثنه ويُعطيه الرجاء بالحياة الهنيئة. والمسيح، الأله المُتأَّنس، صُلب بسبب الخطيئة وشقَّ صكَّ ابليس بالطاعة لله وبالألم حتى الدم ليدفعَ الفِديَة التي طالب بها الشيطان. والمسيح علَّم الأنسان أن يقاومَه وأعطاه المثل كيفَ ينتصرُ عليه. وأسَّسَ الكنيسة لمتابعة رسالته في مقاومة الشيطان وكلَّفها في مساعدة الناس وتدريبهم على ذلك. وعليه لن يكون موقف الكنيسة، لا فقط في السويد بل في كلِّ العالم، وفي كل الأزمان والأجيال، غير موقف يسوع المسيح نفسِه، أي أن تحميَ البشرية من دجل ابليس، وتُنَّورَ طريق الحَّقِ والبر أمام أبنائِها. وهذا ما تفعله الكنيسة من ألفي عام. فعبادة الشيطان كُفرٌ ومصيرُ عبدةِ الشيطان الهلاكُ الأبدي مع دَجَّالِهم في جهَنَّم النار(رؤ20: 10). وقد أرَتْ مريم العذراء سنة 1917م في فاتيما، مشهدًا عن الجهنم، ولو هنيهات قليلة، للرؤاة الثلاثة. وعلى المؤمن رفضُ هذا ” الدين” وعدم الأنصياع لأتباعِه، ولا ينسى أنَّه كفرَ بالشيطان يوم عماده ووعد أن يبتعد عن كل أعمالِه و أباطيله. ولكن نتساءَل، قبل ذلك، من هو الشيطان وما عبادتُه ؟.

من هو الشيطان ، وما هي عبادتُه ؟

يقولُ عنه إشعيا :” يا ملك بابل، كيفَ سقطتَ من السماء؟. ..قلتَ أرفع عرشي فوق كواكب الله .. وأصعدُ فوقَ أعالي الغيوم، وأكون شبيهًا بالله ..” (اش14: 12-14). وقال عنه النبي حزقيال: ” يا ملك صور، أنتَ خاتمُ الكمال ممتليءٌ حكمةً وكاملٌ جمالا. كنتَ في جنَّة الله، وكان كلُّ حجر كريم كساءًا لكَ. .. أقمتك كاملاً في طرقِك .. إلى أن إمتلأَ باطنُك إثمًا .. و آمتلأتَ بالظلم وخطِئتَ .. أنا خصمُك ..” (حز28: 22). وقرأَ سفرُ الرؤيا هوّيتَه :” التنّينُ العظيمُ، الحَّيةَ القديمة، الذي يُقالُ له ” ابليس” أو الشيطان ” رؤ12: 9). وقد سمَّاهُ يسوع :” سيِّدَ العالم، وقد حُكمَ عليه ونُـبِذ ” (يو12: 31؛ 16: 11)، لأنَّ العالم يُنَّفذُ أعماله الفاسدة (يو7:7). أما أعماله فهو موصوفٌ بِـ” الحسود (حك2: 24)، فتَّان الدنيا (رؤ12: 9)، غَشَّاش، يتزَّيا بزّيِّ ملاك النور، كذلك خدمُه (2كور11: 14)، دَجّالٌ كذّاب وأبو الكذب ، يُهلكُ الناس (يو 8: 44)، يوسوسُ الى الناس بالشر(يو13: 2)، جرَّب حَوَّاء (تك3: 1-5)، ويسوع ، وأراد غربلة تلاميذ يسوع (لو22: 31)، يُصيب الناس بأمراض (متى12: 23)، ويخطف كلام الله من فكرِ الأنسان وقلبِه (مر4: 15)، ويُضَّلِلُه (رؤ12: 9)، ويدفعه الى الكذب (أع5: 3)، ويُعيقُ البشارة (1تس 2: 18)، ويُعَّظمُ ويُقَّدسُ أعمالَ الجسد المُنكَرة والتي يُحرمُ من يقوم بها ملكوت الله، وهي” الزنى، الدعارة، الفجور، عبادة الأوثان، السحر، العداوات، الشقاق ، الحمّية، الغيظ، الدسيسة، الخصام، التشَّيُع، الحسد، السكر والقصف” (غل5: 19-20).

وعبادة الشيطان هي أن يسلك المرءُ حسب الجسد وبروح العالم لا حسب الروح ومشيئة الله ، والشيطان يدفع الأنسان ليمارسَ أعمالَ الجسد، فيحب نفسه والمال والجاه، ويُؤثرُ اللذَّة على الله (2 طيم 3: 1-4)، ويعبد المالَ (متى6: 34) الذي حُبُّه أصل كل شَّر(1طيم6: 10) وذاتَه. وقد سلك قادة اليهود هذا المسلك فأعرضوا عن شريعة الله ومارسوا أعمال سُننهم (مر7: 7-9)، وهي أعمال ابليس ابيهم (يو8: 41). وكثيرون عبدوا المخلوق وآتَّقَوه (رم1: 25)، و غيرهم عبدوا ما جهلوه (يو4: 22).

موقفُ الكنيسـة !

لا شكَّ أن السائل الكريم لم يقصد موقف الكنيسة من هذا التعليم، بل يبدو أنه عنى موقفها الأجتماعي من الساسة والأنظمة الزمنية التي تدير شؤون البلد وتنَّظم الحياة الجماعية لكل مواطنيها لتشَّكل منهم جميعًا كتلة أو جماعة واحدة، محترمةً فكرَ كلِّ واحد وآختيارَه الحُّر في ما يؤمن به أو لا يؤمن. هنا نُمَّيز موقفين للكنيسة : تجاه الدولة، وتجاه عبدة الشيطان.

تجاه الدولة :  الكنيسة لا تفرضُ تعليمها ولا تجبرُ الناس على الأيمان بالله. الكنيسة تعلن الحقيقة التي أتى بها المسيح وتدعو الناس ألى الأستفادة منها وآتّباعِها ليضمنوا لأنفسهم الخلاص بالعيش في السلام والراحة. وطوبى لمن تمُّسُه أنوار الروح القدس فيسمع من الكنيسة ويؤمن بالمسيح ويتبع شريعته. وتؤَّكد على وجود الشيطان وتفضحُ مكرَهُ و خداعَه وتشَّجع المؤمنين للتغَّلب عليه بالأقتداء بالمسيح في سلوك درب الحَّق والبر. ليست رسالة الكنيسة أن تمنع الشيطان من العمل، وهو يعمل طبعًا بواسطة عملاء بشر، بل أن تساعد الناس ليتعلموا من هو الله ويثقوا به ويسلكوا سبيله. الكنيسة شاهدة للمسيح، لأقواله وأعماله . والمؤمنون بالمسيح يشهدون له بآقتدائهم بحياته، وبهذا يُفَّشلون عمل الشيطان. يسوع لم يقاوم أحكام الدولة التي أدانته جُرمًا بل شهد للحق ودعا الناس إلى أن يقتدوا به.

تجاه عبدة الشيطان :  الكنيسة تدين مبدأهم وعبادتهم بينما تحترم شخصهم. كما إحترم الله حرية الشيطان نفسِه وحرية الأنسان هكذا تحترم الكنيسة كل إنسان وتحاولُ أن تخدمه بأن تقَّدم له صورة واقعية عن الحقيقة الألهية. هكذا فعلَ يسوع مع المرأة الزانية لامها على سلوكها السَّيء لكنه لم يُعاقبها ولا إحتقر شخصَها بل دعاها إلى التوبة وإلى عدم العودة الى الخطيئة (يو8: 7).

تجاه الشيطان نفسِه :  لم يأتِ المسيح ليبيدَ الشيطان بل لينقضَ أعماله ويُحَّررَ الأنسان من عبادته، مبَّينًا أن الشيطان نفسه كائن خلقَه الله لكنه أخطأ و وقفَ خصمًا لله. ولا يقدر أن يقوم بأيِّ شيء إذا لم يسمح له الله به. عندما طرده يسوع من الذين دخل فيهم وأذّاهم في أجسادِهم لم يستطع أن يُقاومَ. ولن يستطيعَ أيضا مقاومة الكنيسة عندما تطرده من الناس الممسوسين (متى10: 8؛ مر6: 13؛ لو10: 17). سمح له بآمتحان إيمان أيوبَ وصبره (أي1: 6 -12؛ 2: 3-6)، وطلب من الله أن يسمح له بغربلة تلاميذ المسيح (لو22: 31). ويسمح له أن يُجَّربَ الناس. لهذا نصَّلي ونطلب ألا يُدخلنا الرب في التجربة أي لا يسمح للتجربة أن تكون أقوى منا وتتغَلَّبَ علينا. و قد أَكد بولس أن الله ” لا يُكَّلفُكم من التجارب غيرَ ما في وسعِكم، بل يؤتيكم مع التجربةِ وسيلة النجاة منها بالصبرعليها ” (1كور10: 13).

الشيطان لا يخيف إذا كنا حقًّا نتبعُ المسيح. بل يقَّدم، دون أن يدري أو يريد ، خدمةً لمن يجَّربه و يدفعه إلى السوء. دفع أولاد يعقوب لقتل يوسف أخيهم والرب سمح بذلك فقاده الى السيادة وإنقاذ شعبِه من موت مرصود. أوقع آدم فحصلنا على سِرِّ التجَّسُد. ودفع قادة اليهود لقتل المسيح والرب سمح بذلك فنلنا سِرَّ الفداء وتحَرِّرَ الأنسان الذي يكرهه الشيطان من قبضته وآرتفعَ الى مجدِ بُنُوَّةِ الله وكرامته. لو لم يغوِ الشيطان حواء لما ثبَّت الأنسانُ كرامة حرّيتِه. وإذا لم يغو الشيطان الناس ولم يُجَّربهم لا فرصة لهم أن يمارسَوا حرَّيتهم في الأختيار. وإذا لم يختر الأنسان عملَه لا قيمة لحياته، ولن يكون صورة حقيقية لله.

صحيح أن الله يسمح بتجربة الشيطان لنا لكنه يُعطينا بذلك فرصة إثبات كرامتنا وإرادتنا في العيش مثل الله في الحق والبر والمجد والهناء. لقد سمح الرب أن يبقَ الزؤان بين الحنطة لتجاهد الحنطة في سبيل حياتها. نحن ننال هذا إذا تغلَّبنا على التجربة. أمَّا إذا إستسلمنا لها عندئذٍ يستعبدنا الشيطان، ويا لسوءِ حظِّ من يعبدونه!. يقول عنهم الكتاب أنهم يهلكون مع سيدهم في” بحيرة النار والكبريت…ليتعَّذبوا كلهم نهارًا وليلاً إلى أبد الدهور” (رؤ19: 19 -21؛ 20: 9-10). الكنيسة تدين الشَّر وتفضح الفساد، لكنها تحترم كرامة الأنسان وحريته، وتجتهدُ أن تعلِمَ الناس والدول الحق وسبيل الخلاص والتنعم بالراحة والمجد. لهذا أقامها المسيح شاهدةً له (أع1: 8)، وكلَّفها أن تتلمذ له البشر وتعَّمدهم وتعلمهم سبيل الحق والبر(متى28: 19-20). تدين الشَّر والفساد لكنها تعيش في ممارسة المحبة والعدل والرحمة. والله الذي سيدين الناس ، مواطنينَ أو سلاطين، أفرادًا أو مؤَّسسات، سيُحاسبُ كلَّ واحد على صحَّة إستعمال مهَّامه ومواهبه أو سوءِ إستعمالِها. لا تؤَّيدُ الكنيسة قرارات سياسية خاطئة أوإقتصادية مُجحِفة، بل تدينُها. لكنها لا تُحاسبُ عليها من ليس مُنضويًا تحت لوائها ولا يدينُ بأحكامها. تتركُ الحكم لعدالة الله وحكمته ورحمته.

القس بـول ربــان