تتلى علينا اليوم القراءات : حز37: 1-14 ؛ 1كور15: 34-57 ؛ متى25: 31-46
الرسالة : 1 كورنثية 15 : 34 – 57
لمَّا بشَّر بولس المناطق اليونانية، وأهلها مشهورون بحب الفلسفة ورغبة المناقشة، إصطدم في أثينا برفض أهلها خبر قيامة المسيح، لأنهم لا يؤمنون بخلود الأنسان فقيامته بالجسد. و آستصغرأحيانًا أهلُ كورنثية كلامَ بولس وشخصَه حتى آضطرالى الدفاع عن نفسِه (2 كور 10: 1-11)، فيزدري ولو بلطف حكمتهم الفاشلة (1كور 3: 1-4؛ 11: 20). لقد قبلوا تعليم المسيح وأخلاقه لكنهم لا يستسيغون بسهولة أمر القيامة. فيُذَّكرُهم أولا بفحوى البشارة التي آمنوا بها والتي لا قيمة لها لولا أنَّ المسيح قام فعلا من بين الأموات والرسل شهود عيان على ذلك، حتى بولس الذي تراءى له يسوع على طريق دمشق. لا مجال لنكران قيامة المسيح لأنها حقيقة فقعت عيون شاهديها وبرهنت بالمعجزات اللاحقة أنها هي لولب حياة الرسل ومركز دائرة إيمانهم.
قيامة الأموات !
وقيامة المسيح هي حجر الزاوية تستند إليها قيامة الموتى المؤمنين. فالقيامة لبُّ التعليم المسيحي و محور حياة المسيحيين، والرجاءُ الذي يسند جهادهم. إن كان الموتى لا يقومون ، فالمسيح إذن لم يقُم. وإذا لم يقم المسيح باطلة كرازة الرسل ومعها باطلٌ إيمان من صَدَّقهم و تبعَ المسيح. وما نفعُ الرسل أن يكذبوا ويتألموا في سبيل شيءٍ لا يُكسِبُهم لا مالا ولا جاهًا ، بل إضطهادًا وشدائد؟. وهل يُمكن أنْ يُؤَّيدَ اللهُ بشارةً يقودُها دَجّالون فيُعينُهم ويجري على يد الرسل معجزاتٍ (مر16: 20)، ويستجيبُ لِطلَبهم (أع4: 29-31)؟. إنَّ خبر معجزاتهم لمْ يدُرْ سِرًّا في حلقة التلاميذ وحدهم. بل أكَّده الشعبُ كلُّه وحتى الرؤساء الدينيون الذين عزموا على قتل الرسل أيضًا (أع5: 33)، فقالوا :” ماذا نفعلُ بهم؟. فكلُّ سكان أورشليم يعرفون أنَّ هذه الآية { شفاء كسيح الهيكل، أع 3: 6-10} المُبينة تمَّت على أيديهم ، ولا نقدر أن ننكُرَها..” (أع4: 16).
لم يكن لا معقولاً ولا بَنَّاءًا ولا مُفيدًا لِوَلا واحدٍ أن يختلقَ الرسلُ من عندهم أخبارًا ينشرونها كَذبًا، لاسيما وهي خطيرة تُهَّددُ حياتهم، وهم لا حولَ لهم ولا قُوَّة للدفاع عن أنفسهم. وهل يعقلُ أن يضع الرسل أنفسَهم في فم المدفع، ويتحَّملوا السجن والتعذيب من أجل لا شيء؟. لذا ما يُبَّشِرُ به الرسل ليس أمرًا ” مُلَّفَقًا ” كما قال بطرس: ” إننا لم نتَّبِعْ خُرافاتٍ مُلَّفقة حين أطلعناكم على قُوَّةِ رَّبِنا يسوع المسيح ..”(2بط1: 16). بل هي الحقيقة التي لم يفكروا بها بل عاشوها ولا يستطيعون أن يكذبوا فينكرونها أو يسكتون عنها. حذَّرهم القادة الأحبار و أمروهم بألا ينطقوا بآسم يسوع وأنذروهم بسوء العاقبة إذا خالفوا. فأجابهم رئيسُ الرسل :” أنتم أنفُسُكم احكموا هل الحَّقُ عند الله أن نطيعَكم أم أن نطيعَ الله؟. أما نحن فلا يمكننا إلا أن نتحَدَّث عما رأينا وسمعنا ” (أع4: 19-20). ومن هذا المنطلق كرازة الرسل حقيقةً قبلها الناسُ أم رفضوها. لا تسند البشارة لا إلى قبول الناس لها ولا إلى منطقيةِ فحواها، ” ولا إلى أساليب الحكمة البشرية في الأقناع، بل تستندُ على ما يُظهرُه روحُ الله وقُوَّتُه ، وحتى يستند إيمانُ المسيحي على قدرة الله، لا على حكمة البشر” (1كور2: 4-5). فقيامة المسيح هي فعلُ القدرة الألهية. وكذلك قيامة الناس حقيقةٌ إيمانية ضمنتها قيامة المسيح.
كيف يقومون ؟
دعا الرسول الكورنثيين إلى عدم التيه بسبب معاشرة أُناسٍ سيِّئين وغير مؤمنين، “عودوا إلى وعيكم ولا تخطأُوا”. كانوا يعترضون على القيامة إذ يصعبُ عليهم القبولُ بأنَّ جسدًا فسُد في القبر وأكله الدود ولمْ يبقَ منه أثرٌ أن يعودَ الى الحياة. فآعترضوا على بولس:” جَيِّد وبأيِّ جسدٍ يعودون”؟. كما جهلَ نيقوديمس قوة الروح القدس فردَّ عليه يسوع :” أَ تجهلُ هذا وأنت معَّلمٌ في إسرائيل؟. نحن نتكلم بما نعرفُ ونشهدُ بما رأينا ” (يو3: 9-11)، هكذا يرُّدُ بولس ويكتب للكورنثيين أنهم مؤمنون لكنهم يجهلون الله، وأنَّ ما يبَّشرُ به هو يتم بقدرةٍ إلهية وليس بقوة الأنسان، وما يُعلنه هو شهادة معاينة وسماع وليس خيالاً. هذا ما تعَّلمه الرسل من المسيح نفسِه، وعاينوه فيه. لم يكونوا يؤمنون بالقيامة قبل موت المسيح رغم ما أنبأَهم به، إلا لمَّا شاهدوا موته ودفنوه ثم عاينوه حَّيًا، وجهًا لوجه ، يُحَّدثهم ويأكلُ معهم (لو24: 36-45). من خلقَ الجسد؟. أ ليس هو الله؟. فخالقُه قادرٌ أنْ يُزَّودُ المَيِّتَ، أن يُلبسَ روحَه جسدًا آخرًا يتكَّيفُ مع الوضع الجديد، فقال بولس:” يُدفنُ الجسدُ جسمًا بشريًا ويقومُ جسمًا روحانيًا”. كما كان جسمُ يسوع بعد القيامة بحيثُ لا يخضع لقوانين الطبيعة الحِّسية ولكنه يقدرأن يُلَّبيَّ حاجة الأنسان في حياة الراحة الأبدية. ويُبرهن على ذلك بمثال إختلاف الجسم من كائن حَّي الى آخر، وبآختلافِ بهاءِ الأجسام السماوية عن بعضِها. وبما أنَّ الموتَ لا يفنى الروح بل تستمرُّ في الحياة، وجسدُها “ترابيٌّ يعود الى التراب” (تك3: 19)، ولا ” يقدر فالأنسان يستمرُ ويحيا بشكل روحاني. لمَّا عاش على جَّنة الأرض إحتاج الى جسم أرضي، لكنه إذا آنتقلَ إلى جَّنة السماء الروحية لا ينفعه الجسد الترابي فيزول، بل يحتاج الى جسد روحاني فيُحَّولُ اللهُ الجسد المادي الى روحاني لكي يحيا حسب قانون وحاجة الجنة الروحية. يُؤَّكدُ الرسول أنَّ ما هو” لحمٌ ودم / مادي” لا يمكن أن يرث ملكوت السماء الروحي. كذلك لا يمكنُ للجسد المائت أن يرثَ الخلود. إذن يجب أن تتغَيَّرَ أجسادُ المائتين، و” لا بُدَّ للمائت أن يلبسَ ما لا يموت، وللفاسد الفاني أن يلبسَ ما لا يفسد “. وهذا الجسد غير المائت وغير الفاسد سمَّاه الرسول ” الجسدَ الروحاني”. إذن حتى يحصلَ الأنسان بعدَ الموت على الجسد الروحاني كان يجب أن يزول المائت أولاً. وقد شَبَّههُ بولس بحَّبة بقول تُزرَع. حتى تنبت وتُعطي سُنبُلا، فتحيا بشكل مختلف وأفضل، يجب أن تموتَ أولاً فيفنى كيانها الفاسد. إنْ لم تمت في الأرض لن تستمرَّ بالحياة بشكل أحسن، في شكل سنبلة وثمرٍ كثير كما قال الرب يسوع (يو12: 24). فموت الجسد الحّسي الترابي ضروريٌ ليتحَّول الى جسد روحي خالد. إنَّها عمليةٌ حياتية يُجريها الروح الألهي، تستحيلُ على البشر. فالموتى يقومون إذن وبأجساد روحية، وموت يسوع المسيح شهدَ على ذلك. يقول متى عن موت يسوع، لمَّا أسلم الروح :” إنشَّقَ حجابُ الهيكل..، تزلزلت الأرض، تشَّققت الصخور، وآنفتحت القبور، فقامت أجسادُ كثير من القدّيسين الراقدين.. وظهروا لكثير من الناس” (متى 27: 51-53).